
حسن عيسى
ماكلتش رز وكدهوّن! .. زكية الغبية
كم كانت سعادتى عظيمة وأنا أتسلل فى خفة متناهية كى أسحب عروسة شقيقتى الصغيرة فى هدوء لأعيد تشكيل ملامحها بالألوان المائية حتى تتشابه مع ملامح زكية زكريا الغليظة وخطوطها العريضة، ثم أعدتها مرة أخرى لمكانها فى فراش شقيقتى وانتظرت حتى يأتى المساء عندما تتفاجأ بتحوُّل ملامح عروستها الرقيقة إلى الآنسة زكية زكريا.
وبالفعل تعالت صرخات شقيقتى ذات السنوات العشرة بشكل هستيرى وهى تعتقد بتحول عروستها، بينما أنا أتابع الموقف من بعيد وعلى وجهى ابتسامة النصر بعد أن نجحت فى صنع أول كاميرا خفية فى المنزل وبأقل الإمكانيات وفى متناول الجميع وكِدَهُوَّن، ورغم تعرضى للعقاب من أمى بعد ذلك؛ فإننى واصلت مسيرتى فى صنع مقالبى الطفولية الساذجة مع المحيطين بى فى البيت أو المدرسة وأستمتع جدًا بنتيجتها؛ خصوصًا عندما أنجح فى إثارة فزعهم وصراخهم، فقد كنت أختبئ فى مكان غير متوقع لهم وأخرج عليهم فجأة صارخًا بأعلى صوتى: انفخ البلالين يا نجاتى علشان عيد الميلاد، ثم أطلق لساقى العنان (أجرى بكل ما أملك من قوة وسرعة) حتى لا أصبح فريسة سهلة بين أيادى الضحايا الغاضبين من أفعالى الطايشة، وبينما أنا أواصل الجرى وأهتف بأعلى صوتى اللاهث جملة زكية زكريا الشهيرة: إللى حصل ده اتصور كله لو عايز نذيع قول ذيع - وأستمر فى الجرى وأحيانًا القفز بعيدًا عن رد فعلهم العنيف وقطع الحجارة الطائرة خلفى ثم أعاود المقالب مرات ومرات بأفكار متجددة ومتنوعة، والأهم بالنسبة لى فى ذلك الوقت الاعتراف غير المعلن من الكبار بأنى أصبحت محترف مقالب منزلية ظريفة، وتكوّن لى مع الوقت جمهور كبير من أهالى الضحايا غالبًا حبًا منهم فى فكرة الكاميرا الخفية ذات نفسها وكِدَهُوَّن تحولت زكية زكريا إلى أيقونة الكاميرا الخفية فى طفولتى ومصدر خصب لتنمية خيالى بأفكار وبمواقف عديدة لا منطقية، ولكنها تنجح فى إثارة الضحكات ونشر البهجة فى محيط الأسرة والتعرف على ردود أفعال أنماط كثيرة من المصريين الظرفاء بطبعهم حتى فى لحظات الانفعال والإثارة قادرين على رسم البسمة على وجوههم وكِدَهُوَّن كانت موسيقى المقدمة الخاصة ببرنامج زكية زكريا أقرب بجرس الإنذار لكل أفراد الأسرة عليه أن يترك أى شىء يفعله مَهما كانت أهميته وأن يسرع لتجتمع الأسرة حول شاشة التليفزيون وقت إذاعة الحلقة والاستمتاع بمتناقضات زكية زكريا العديدة، فقد نجح الفنان إبراهيم نصر فى خلق شخصية كوميدية حية من دم ولحم ينتظرها الجمهور ربما أكثر من متابعة المقلب نفسه، فقد كانت تتمتع بمفرداتها الخاصة التى تميزها بشدة وتحدد ملامحها بقوة وتنجح دائمًا فى استفزاز ضحاياها وأن تثير علامات التعجب على وجوههم فى كل حلقة بسبب سلوكها الذى يتعارض مع شكلها ومنطقها المعكوس وغبائها المطلق وتعمد مقاطعتها بجُمل غير متداولة أو مفهومة مثل جُمل: كشكشها ماتعرضهاش أو أوعى الجمبرى يعضك، ولما أقولك بخ تبخ، وانفخ البلالين يا نجاتى علشان عيد الميلاد، وأنا لسه آنسة، أنت مرتبط؟ وكِدَهُوَّن، ولعل أشهر جملة أضحكتنا فى طفولتنا جاءت على لسان زكية زكريا وهى: انفخ البلالين يا نجاتى علشان عيد الميلاد، وعلى غير المنطقى أننا لا نمل أبدًا من تكرارها يوميًا ولمدة ثلاثين يومًا فى رمضان من خلال برنامج الكاميرا الخفية؛ بل ننتظرها لنضحك كثيرًا وكأننا نسمعها لأول مرّة وننتظر آخر الفقرة عندما تخلع بروكتها فى وجه ضحاياها لترصد الكاميرا لحظة الفزع على وجوههم فترتفع ضحكاتنا أكثر وأكثر ونحن نرى زكية زكريا بدون باروكة وتتحدث بصوت رجل معذب فى آخر الحلقة ويستأذن الضيف فى إذاعة الحلقة بجملته اليومية الشهيرة إللى حصل ده اتصور لو حضرتك عايز نذيع قول ذيع، وكِدَهُوَّن تحولت زكية زكريا مع الزمن لأيقونة الكاميرا الخفية وسبب بهجة وفرحة لكل المصريين على مدى سنوات عديدة اجتمع فيها كل أفراد الأسرة لمتابعة مقالب زكية الغبية جدًا والتى تثير ضحكات وقفشات الجميع دون أن يلجأ أبدًا لإهانة الضيوف وتجريحهم والسخرية منهم، ولهذا عاش فى وجدان المصريين حتى يومنا هذا؛ بل تحولت إفّيهاته وكلماته مع الوقت إلى تراث شعبى يستخدمها الجميع لإضفاء حالة من البهجة على المكان، ولعلها من أولى الشخصيات التى صنعت لها عروسة بنفس ملامحها الضاحكة وأيضًا فانوس رمضانى يهتف: انفخ البلالين يا نجاتى علشان عيد الميلاد.