السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرئيس الروسى نجح فى تحويل «محنة» العقوبات إلى «منحة» اقتصادية بوتين وقنبلة الاقتصاد «النووية»

24 فبراير 2022 تاريخ جديد يسطر لمرحلة ربما تكون الأهم على كافة دول العالم والتاريخ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فلم تكن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا مجرد نزاع أو فرض قوى بين دول وبعضها ولكن أصبحت تتجه إلى مسار جديد نرى تأثيره بصورة تدريجية سريعة، خاصة بعد الخطوات الغربية نحو روسيا وأيضًا رد موسكو بمثيلها، الأمر الذى أثر على الاقتصاد العالمى بصورة واضحة وكبيرة، وأصبحت العملية العسكرية الروسية بمثابة تأثر «نووى» على الاقتصاد العالمى وبالتالى على كافة الأنظمة الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وأيضًا على الأنظمة الاقتصادية، وحتى اللحظات الراهنة لم تظهر كافة التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن الخطوات الروسية والغربية.. بل ووفق خبراء سيستمر هذا التأثير لفترات ليست قريبة.. فالآثار النووية تظهر تباعًا ويستمر تأثيرها على أجيال برمتها.



 

 فرض الواقع

فى خطوة ليست متوقعة اتجهت روسيا للعمل على تقليص معاملاتها التجارية بالدولار الأميركى أو اليورو الأوروبي، وهو ما يؤدى إلى استكمال حلقة تفكيك هيمنة الدولار على نُظُم المعاملات الدولية. فوفقًا للكاتب الروسى إيفان تيموفييف، مدير البرامج فى المجلس الروسى للعلاقات الدولية يقول: «يجب النظر إلى الحرب فى أوكرانيا فى سياق محاولة موسكو إعادة تعريف النظام الأمنى الأوروبى بعد الحرب الباردة».

وفى 28 مارس الماضى، بدأت روسيا فى الاتجاه لتأمين موقعها الحربى والاقتصادى ايضًا، حيث كانت بداية الخطة الاقتصادية الروسية من خلال الإعلان عن شراء موسكو للذهب بسعر 5000 روبل للجرام «أقل من السعر العالمى بـ19 %» فى خطوة غير متوقعة من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، وتلى ذلك عدة قرارات اقتصادية هزت أروقت البورصات والنظم العالمية، حيث أعلنت موسكو فى 31 مارس قرار بسداد كافة مديونات الشركات والكيانات الروسية لقروضها الخارجية التى تزيد على 10 ملايين روبل، بالعملة الروسية، وليس بالعملة الصعبة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل أعلنت موسكو فى اليوم نفسه، عن بيعها للبترول لقائمة الدول «غير الصديقة» بالروبل الروسي، حيث تضمنت هذه القائمة 47 دولة من بينها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة واليابان وغيرها من الدول التى اتخذت خطوات أو عملت على فرض عقوبات على روسيا بعد العملية العسكرى فى أوكرانيا.

 التحول الممنهج

بعد هذه القرارات الحاسمة من حكومة بوتين، أصبحت الدول المستوردة للغاز الروسى وأكبرهم دول الاتحاد الأوروبى «37 % من الغاز الأوروبى من روسيا» أمام عدة خيارات صعبة وهي:

شراء الغاز بالروبل الروسي

 رغم العقوبات المفروضة على موسكو إلا أن وفق الوقت الراهن مازال تدفق الغاز الروسى لدول أوروبا مستمرًا بصورة طبيعية، وذلك وفق آخر تصريحات المتحدث باسم شركة «غازبروم» الروسية فى مطلع الشهر الجاري، «نقوم بضخ الغاز لنقله عبر الأراضى الأوكرانية بشكل اعتيادي، ووفقًا للكميات المطلوبة من المستهلكين الأوروبيين، والتى تبلغ اليوم 108.4 مليون متر مكعب».، تجدر الإشارة إلى أن هذه الكمية، تأتى قريبة من إجمالى الالتزامات التعاقدية التى يمكن أن تضخها غاز بروم عبر أوكرانيا، والبالغة نحو 7ر109 مليون متر مكعب فى اليوم.

مع استمرار العمل بالتعاقدات السابقة، إلى أن يتم توفير سبل طاقة جديدة لدول القارة العجوز، فإن الأمر سيؤدى إلى الرضوخ لمطالب روسيا والدفع بعملتها المحلية، مما سيعمل على رفع قيمة الروبل بصورة خيالية، كما أن قيمة الدولار ستنخفض بصورة تدريجية، ولن يصبح Petro Dollar المقياس الوحيد لشراء البترول العالمي.

•الاتجاه نحو الدول المصدر للغاز والبترول لاستبدال الغاز الروسي، إلا أن دول الأوبك+ وغيرها من الدول المصدرة للغاز سيكونون الملاز الأمن لدول الغرب، لكن يجب أن يتم توفير البنية التحتية اللازمة وبالتالى أخذ بعض الوقت الذى ربما لن يكون فى صالح الدول الأوروبية وخاصة الصناعية والتجارية.

•أن يتجه الاتحاد الأوروبى لشراء النفط الروسى أما بالروبل أو بالذهب، ومع تواجد مخزون كبير من الذهب فى الداخل الأوروبي، سيتم استبداله بالسعر المنخفض الروسي، المقدر بـ5000 روبل، وبالتالى ستكون موسكو قد نجحت فى ربط عملتها المحلية بسعر الذهب، أى تحويل المحنة إلى منحة اقتصادية قوية تساعد على زيادة قوة الاقتصاد الروسي، كما ستعمل على إحداث زلزال قوى يهز البورصات العالمية بصورة غير متوقعة.

 الخاسر الأكبر

إذا نظرنا إلى الصورة بشكل أكبر وأوضح، نرى أن موسكو تمتلك مخزونا كبيرا من الذهب الذى يعتبر من أكبر الاحتياطيات العالمية، ومع خطوات بوتين بشراء الغاز الروسى بالروبل أو الذهب، سيؤدى ذلك إلى التحكم بسعر الذهب بنأ على قيمة العملة الروسية، وبالتالى سيصبح الروبل الملاز الآمن للمستثمرين خاصة وأن البنك المركزى الروسى سيكون متعهدا أمام حامل الروبل بضمان قيمة ذهبية ثابتة مقابل عملته.

وهنا يكمن الزلزال القوى والضخم للدولار الأمريكى الذى يعتبر الخاسر الأكبر فى هذه المعركة، فمع بداية العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا كان الدولار الأمريكى يقابل 77 روبل روسي، وفى 30 مارس أى بعد ثلاث أسابيع فقط من اندلاع الأزمة الأوكرانية وصل سعر الدولار إلى 33 روبل فقط، أى فقدت أكثر من 3.3 % من قيمتها أمام العملة الروسية، وحتى الوقت الراهن مازال الدولار فى متذبذبا وليس مستقرا خاصة أمام قرارات روسيا غير المتوقعة.

أما فيما يتعلق بخسائر أخرى تطال الجانب الأوروبي، فإن الأمر لن يختلف كثيرًا عن الولايات المتحدة، حيث سيؤدى تقليص روسيا لمعاملاتها التجارية القادمة بالدولار الأميركى أو اليورو الأوروبي، وتعزيز صيغة التعامل التجارى بالمقايضة الذهبية، أو بالعملات المحلية المتبادلة بين دول ومراكز تجارية كبرى، مثل الصين والهند وروسيا وإيران وفنزويلا وبعض الدول فى أمريكا الجنوبية وفى أفريقيا، إلى استكمال حلقة تفكيك هيمنة الدولار على نظم المعاملات الدولية الذى يشكل حاليا نحو 60% من المدفوعات الدولية والاحتياطيات النقدية لدول العالم.

وبصورة عامة، فإن التقدير المبدئى للخسائر الأوروبية، طوال فترة العملية العسكرية الروسية، والتى من المرجح أن تستمر بين ثلاثة أشهر وستة أشهر، تترواح بين 500 مليار يورو و800 مليار يورو. وإذا أضفنا وقف إمدادات الغاز الروسى فإن الرقم قد يتضاعف إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار، كحد أدنى.

 التوقيت والحل

وفق تقرير للخبير الإقتصادى الأمريكى جارى شيلينج نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، أوضح أن الأزمة الأوكرانية سيستمر تأثيرها على الاقتصاد العالمى ربما لسنوات، موضحًا أن الحلول المطروحة الآن أمام القوى الدولية ربما ستعمل على الحد من الآثار السلبية على الاقتصاد الدولى ولكنها لن تمنع من إحداث تغيرات جذرية عميقة يصعب التبأ بكافة تأثيراتها فى الوقت الراهن.

وأضاف شيلينج، أن الولايات المتحدة تمتلك جزءا من حل أزمة النفط بصورة جزئية، حيث تعتبر من الدول المصدرة للطاقة باستثناء وارداتها الآمنة من النفط الكندى والمكسيكي، كما التأكيد على وجود موردين آخرين للغاز منها دول الخليج العربى والشمال الإفريقي، وهم حلفاء للغرب، ولكن على واشنطن وإدارة الرئيس جو بايدن أن تكثف مجهوداتها بين هذه الدول خاصة قبل انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى نوفمبر القادم.

ومن جهة أخرى، نرى أن إدارة واشنطن عملت خلال الفترة الماضية على ضخ ملايين البراميل من مخزونات النفط الخام الأمريكي. كما أقنعت واشنطن حلفاءها فى وكالة الطاقة الدولية للقيام بنفس الخطوة حيث تم الاتفاق مؤخرا على ضخ ما يصل إلى 120 برميل نفط خام من المخزونات الاستراتيجية على مدى الأشهر الستة المقبلة. ومع ذلك لا يبدو أن هناك حلا قريبا لأزمة أسعار الطاقة المرتفعة والتى تنطوى على تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمى ككل.

أما فيما يتعلق بسلاسل الإمداد العالمية، فقد كانت روسيا وأوكرانيا مركزا لصناعة العديد من المكونات التى تستخدمها الشركات الأوروبية فى إنتاجها، وتوقفت الإمدادات القادمة من الدولتين إلى المصانع فى باقى أنحاء أوروبا مما أدى إلى اضطراب حركة الإنتاج. كما أن روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعى إلى أوروبا وثانى أكبر دولة مصدرة للنفط الخام فى العالم بعد المملكة العربية السعودية. وبالتالى فإن العقوبات الدولية التى تم فرضها على موسكو، ورغم أنها لم تطل قطاعى النفط والغاز كذلك العديد من القطاعات الصناعة والاستراتيجية، إلا أنها خلقت قدرا كبيرا من الغموض الذى يحيط بالقطاعات الصناعية والبترولية تحديدًا، و«هو ما يضغط وبشدة على الاقتصاد العالمي.. وتبعاته سيستمر تأثيرها لفترات لسيت قريبة».