الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد مرور ثمانية أسابيع على العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائى العالمى

لطالما أثرت الحروب والنزاعات على قطاع الزراعة، وهددت الأمن الغذائى لبعض الدول على مدار التاريخ. لكن طبيعة العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» لها عواقب لم يسبق لها مثيل على الزراعة والأمن الغذائى العالميين، لأن تلك المرة نشبت الأزمة بين قوتين فارقتين للإنتاج الزراعى.



فبعد ثمانية أسابيع من اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، كانت ملامح هذه العواقب واضحة، حيث توقفت الصادرات من «أوكرانيا»، ولا تزال المحاصيل المستقبلية موضع شك، بينما ارتفعت الأسعار العالمية للسلع الزراعية، وكان أكثر المتضررين أولئك الذين يعتمدون على الصادرات الزراعية من «أوكرانيا»، و«روسيا»، من أجل إطعام مواطنيهم، أو أولئك الذين يعتمدون على الأسمدة من «روسيا»، و«بيلاروسيا» لإنتاج محاصيلهم.

وفى الوقت الحالى، يعكف خبراء الاقتصاد حول العالم، ومن بعدهم صناع السياسية لمحاولة إدراك الوضع الاقتصادى العالمى، فى ظل تغيير جيوسياسى مؤثر فى وقت حساس، تحاول فيه دول العالم الوقوف مرة أخرى على الطريق،

بعد صدمة فيروس كورونا وتداعياته. ومن ثم، بدأ طرح الأسئلة المهمة، كيف تختلف أزمة الغذاء الحالية عن سابقيها؟، ماذا حدث حتى الآن؟، وماذا يمكن أن نتوقع على المدى المتوسط؟، وهل من حلول؟

 اختلاف أزمة الغذاء الحالية عن سابقيها

بشكل عام، عانت الأسواق الزراعية العالمية من صدمات وارتفاع الأسعار من قبل.. ففى عامى 2007 و2008، تسببت حالات الجفاف المتزامنة فى العديد من البلدان المصدرة للأغذية، وحظر تصدير المواد الغذائية من قبل العديد، وارتفاع أسعار الطاقة فى مضاعفة سعر اللأغذية، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)؛ فيما وصل نقص التغذية العالمى لأعلى مستوى له فى 15 عامًا فى عام 2020، بسبب استمرار آثار تغير المناخ، والصراع الإقليمى، بالإضافة إلى الصدمات الاقتصادية واضطراب سلاسل التوريد، الناجم عن تفشى فيروس كورونا.

ولكن، خلال الأزمة الحالية، هناك عنصر جديد فى اضطرابات السوق الزراعية، حيث لا تعمل الأزمة الروسية - الأوكرانية على تعطيل أسواق المنتجات الزراعية فحسب، بل على المدخلات الزراعية فى نفس الوقت.

تعتبر المنتجات الزراعية، مثل: القمح، والبذور الزيتية مكونات للأغذية الأساسية، مثل: الخبز، وزيت الطهى، والتى تعد مصادر أساسية لملايين الأشخاص حول العالم. كما أن تأثير الأسمدة فى اضطرابات السوق –اليوم- يحد من خيارات الاستجابات من قبل البلدان الغنية، وكذلك البلدان المنخفضة، والمتوسطة الدخل، نظرًا لأن العقوبات المفروضة من قبل الغرب، تحد من صادرات الأسمدة من «روسيا»، و«بيلاروسيا» مما يزيد من رفع أسعارها.

وعليه، فإن البلدان الغنية التى قد يكون لديها زيادة إنتاج القمح لسد النقص المتوقع فى السوق العالمية، والاستفادة من الأسعار العالمية المرتفعة، تستثمر بدلًا من ذلك فى المحاصيل الأقل كثافة فى استخدام الأسمدة؛ على سبيل المثال: أفادت دائرة الإحصاءات الزراعية الوطنية، التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، بأن المزارعين الأمريكيين يعتزمون زراعة كمية قياسية عالية من (فول الصويا) -التى تتطلب سمادًا أقل نسبيًا- تبلغ ما يقرب من ضعف الكمية، التى يعتزم مزارعو القمح زراعتها فى عام 2022.

يأتى هذا فى الوقت الذب، قلصت فيه أسعار الأسمدة المرتفعة من الخيارات المتاحة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التى كانت ستختار - لولا ذلك - مواجهة ارتفاع الأسعار العالمية عبر تعزيز إنتاجيتها الزراعية.

ومع تعرض المزارعين لارتفاع الأسعار، قد يمضى بعضهم قدمًا فى خطط الزراعة، مما يؤدى إلى تحميل المستهلكين تكاليف الإنتاج العالية، بينما قد يقلل البعض الآخر من استخدامهم للأسمدة، مما يقلل الإنتاج.

ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل تدفع أسعار الطاقة المرتفعة، أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع، حيث أن الغاز الطبيعى ضرورى لإنتاج الأسمدة النيتروجينية، والوقود ضرورى للإنتاجية فى المزرعة، ونقل الغذاء.

إلى أى مدى تصل الأزمة؟

أكد سجل مؤشر (الفاو) لأسعار الغذاء لشهر مارس 2022، الذى صدر الأسبوع الأسبق، حدوث قفزة هائلة، بزيادة قدرها 12.6% منذ فبراير 2022، مسجلًا شهرين متتاليين من المستويات القياسية..حيث سجل مؤشر (الفاو) لأسعار الحبوب فى شهر مارس الماضى ارتفاعات قياسية بلغت بزيادة أكثر من 17% منذ فبراير الماضى، فيما بلغ مؤشر أسعار الزيوت النباتية أكثر من 23% منذ فبراير الماضى، كما ارتفع مؤشر أسعار اللحوم لما يقرب من 5% منذ فبراير الماضى.

ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، فنتيجة لتوريد «أوكرانيا» ما يقرب من نصف صادرات زيت عباد الشمس فى جميع أنحاء العالم، فقد ارتفع السعر العالمى لزيت عباد الشمس ليصل إلى مستوى قياسى عقب العملية العسكرية الروسية فى أوكراينا، وكذلك الأسعار العالمية لزيت بذور اللفت، وزيت فول الصويا، وزيت النخيل. ولكن، يذكر، أن هناك أسبابًا أخرى لارتفاع الأسعار، وهى ارتفاع أسعار الأمونيا، والنيتروجين، والنترات، والفوسفات، والبوتاس، والكبريتات -التى تشكل سوق الأسمدة العالمي- بنسبة 30 % منذ يناير الماضى.

وفى أحدث تقرير عن تقديرات العرض والطلب على الزراعة فى العالم، الذى صدر أيضًا الأسبوع الأسبق، خفضت وزارة الزراعة الأمريكية حجم التجارة العالمية المتوقعة للقمح بمقدار 3 ملايين طن، مقدرةً بذلك مليون طن أقل من الصادرات من «أوكرانيا»، ناهيك عن مليون طن إضافى من الصادرات من «روسيا».

كما تتوقع منظمة (الفاو) أنه بسبب الأزمة الروسية-الأوكرانية، لن يتم حصاد ما بين 20 % إلى 30 % من مساحة المحاصيل الشتوية، وأن المزارعين سيجنون غلات أقل من المساحات التى يستطيعون جنيها. 

ولكن، حتى الآن، لم تقدر وزارة الزراعة الأمريكية، ولا منظمة (الفاو) تأثير الأزمة الروسية- الأوكرانية على الصادرات العالمية من المحاصيل الشتوية المقبلة فى «أوكرانيا»، المقرر زراعتها فى عام 2022، ليتم حصادها فى عام 2023.

ونتيجة لما سبق، فتعرض الزيادات فى أسعار الغذاء، بسبب العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» الأمن الغذائى فى جميع أنحاء العالم للخطر.. حيث أوضحت منظمة (الفاو)، أن 26 دولة تعتمد على «موسكو» و«كييف» فى ما لا يقل على 50% من وارداتها من القمح. وتشمل هذه البلدان منطقة الساحل بإفريقيا، حيث يعانى 6 ملايين طفل من سوء التغذية، و16 مليون شخص فى المناطق الحضرية معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائى، وفقا لبرنامج الأغذية العالمى، التابع للأمم المتحدة.

كما أشار برنامج الأغذية العالمى- مؤخرًا- إلى ضعف بلدان شرق «إفريقيا»، التى تعتمد - أيضًا-  على الواردات من «أوكرانيا»، و«روسيا»، وتعانى من آثار النزاعات الداخلية، والجفاف الشديد؛ فيما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) على ضعف الأطفال فى بعض مناطق «الشرق الأوسط»، وشمال «إفريقيا»، حيث تستورد البلدان أكثر من 90% من الغذاء الذى تستهلكه، ولا يحصل غالبية الأطفال على التغذية الكافية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا فحسب، بل صارت الزيادات فى أسعار المواد الغذائية تؤثر اليوم- أيضًا- على السياسة فى جميع أنحاء العالم من الشرق إلى الغرب.. فعلى سبيل المثال: فى «باكستان»، كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع لشهور قبل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ وعلى الجانب الآخر، فى «بيرو»، يكافح الرئيس «بيدرو كاستيلو» لإخماد الاضطرابات استجابةً لارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى مستوى قياسى. 

يذكر، أن أزمة ارتفاع الأسعار طالت الدول المتقدمة من الاتحاد الأوروبى أيضًا، فتعتبر أسعار الغذاء والوقود المرتفعة نقطة ساخنة فى الانتخابات الرئاسية فى «فرنسا»؛ فى الوقت الذى عرضت كل من «ألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا» مخصصات للطاقة، وتخفيضات فى الأسعار، وتخفيضات ضريبية لتهدئة تأثير ارتفاع أسعار الطاقة.

 هل من حلول؟

سارع المحللون وخبراء الاقتصاد إلى ملاحظة أن هناك ما يكفى من القمح فى الأسواق العالمية لتلبية الطلب العالمى، وأن الأسواق سوف تتكيف لسد الفجوات فى الصادرات. كما قد تستفيد بعض البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من الصدمة، مثل «الهند».. حيث وصلت صادرات القمح إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق فى مارس، إذ حقق المنتجون سعرًا أعلى فى الأسواق العالمية.

ولتهدئة آثار اضطرابات الزراعة والأمن الغذائى العالمية التى سببتها الأزمة الروسية- الأوكرانية، أوصى خبراء المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI)، بأن تواصل البلدان إعفاء الأغذية والأسمدة من العقوبات، والامتناع عن فرض حظر على التصدير، وتجنب الاكتناز والشراء بدافع الذعر، وتعليق تفويضات الوقود الحيوى من أجل الاحتفاظ بالإمدادات فى الأسواق العالمية، وتهدئة ارتفاع الأسعار. 

أما للحد من تأثير ارتفاع الأسعار على الفقراء، فقد أوصى المعهد البلدان بتوجيه الدعم الغذائى للفئات الأكثر ضعفًا، وتقديم المساعدة الإنسانية من خلال برنامج الأغذية العالمى. 

وعلى المدى الطويل، نصح المعهد البلدان بتجنب فرض إعانات تشوه السوق، وأن تنظر بحذر فى القرارات المتعلقة ببرامج الحفاظ على الأراضى.

 استجابة الدول لأزمة الغذاء الحالية

فى مارس الماضى، التزم قادة مجموعة السبع (G7) بتجنب الإجراءات المقيدة للتجارة، والحفاظ على الأسواق المفتوحة والشفافة، ودعوة الآخرين للقيام بالمثل. كما التزم القادة بزيادة مساهماتهم فى برنامج الأغذية العالمى، ودعوا إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، من أجل معالجة تأثير الأزمة الروسية-الأوكرانية على الزراعة العالمية والأمن الغذائى، كما دعوا– أيضًا- إلى استمرار تبادل المعلومات عبر نظام معلومات الأسواق الزراعية. 

كما التزم قادة مجموعة السبع- منذ أيام- بمعالجة عواقب الأزمة العالمية على الأمن الغذائى من خلال جهد مشترك للمجموعة، وبالتعاون الوثيق مع الهيئات الدولية، مثل: برنامج الأغذية العالمى، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، والمؤسسات المالية الدولية.

كما اقترحت منظمة (الفاو) إنشاء مرفق تمويل استيراد الأغذية العالمى (FIFF)، من أجل تخفيف تكاليف تمويل استيراد الأغذية على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.. حيث تقدر المنظمة التكلفة الكاملة للمرفق بحوالى 25 مليار دولار، لكنها تقترح ربط المشاركة بالتزامات البلدان بالاستثمار فى ممارسات الزراعة المستدامة، وبالتالى تقليل السعر الإجمالى للبرنامج.

ودعا خبراء آخرون مجموعة السبع و«الصين» إلى تخفيف عبء الديون عن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مما يسمح لهم باستخدام احتياطياتهم، لتغطية التكلفة المرتفعة لواردات الغذاء.  

وضعت الأزمة الروسية- الأوكرانية الأمن الغذائى العالمى تحت ضغط شديد، حيث أضافت تهديد آخر لقائمة التهديدات على ملايين الفقراء حول العالم..ففى السنوات المقبلة، سيستمر تغير المناخ، والنزاعات الداخلية، والصراعات الدولية، وتداعيات الفيروس، بجانب فرض القيود والعقوبات المتنوعة، التى لا يدفع ثمنها سوى أكثر من 800 مليون شخص يعانون من الجوع، وأكثر 45 مليون شخص يعيشون فى مجاعة حول العالم قابلين للزيادة بوتيرة سريعة، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة.