السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. أموال الصدقات بين الاقتصاد الوطنى و«بزنس» الجمعيات

الطريق الثالث.. أموال الصدقات بين الاقتصاد الوطنى و«بزنس» الجمعيات

أقدر أهمية الحوار السنوى حول أموال الصدقات خلال شهر رمضان، لأنه يخص ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام الخمسة، ومهمًا بعد أن تزايدت حصيلتها فى السنوات الأخيرة وقدرت بالمليارات من الجنيهات، فأمست محركًا مؤثرًا فى الاقتصاد الوطنى، وكان من بواعث هذه الزيادة بالإضافة إلى حرص المسلمين على تأدية فريضة الزكاة، الاستفادة من مستجدات العصر التى وفرت للمتبرعين قنوات شرعية متعددة ومتنوعة تضمن لهم وصول صدقاتهم إلى مستحقيها، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه الأموال فى خدمة المجتمع.



 

وتمثل تبرعات المصريينَ خلال الشهر الكريم حوالى 70% من حصيلة التبرعات السنوية، ولعل كاتبِنا الراحل وحيد حامد هو أبرز من تحدث عن «مليارات التبرعات» وأثار الأسئلة المهمة والفارقة حول طرق جمعها ومسار صرفها، وكان ذلك فى صحيفة «المصرى اليوم» عام 2016 فى مقاله الشهير «تبرعوا لإهانة مصر!»، الذى تسبب فى معركة قضائية بينه وبين إحدى المستشفيات الخيرية المعروفة، وقد استهل الأستاذ وحيد (رحمه الله) مقاله قائلًا: «لا أحد على الإطلاق ضد فعل الخير أو يتنطع وينكر وجود هذه الأمراض المتفشية فى عمق المجتمع المصرى والتى تتطلب فعلًا المساندة والمساعدة والدعم بكل أشكاله.. ولكن عندما يتحول الأمر إلى التجارة بالأمراض والتهويل فى أمرها بقصد جمع المال، فهذا أمر لا يجوز ولا يحتمل ولا يتفق مع أبسط المبادئ الإنسانية».

إن ضخامة الأموال وكثرتها تثير شَهِيَّة الكثيرين، وتدفعُهم للتكالُبِ عليها، وهى أموال للأسف لا يعلم من تبَرَّعوا بها أوجُهَ صرفِها، ولا يعلمون أيضًا أن جزءًا معتَبَرًا من هذه الأموال أصبحَتْ تلتهِمُهُ الفضائيات العربية والمصرية على سبيل الإعلانات، بدلًا من أن تصل إلى مستحقيها الأصليين.

وسبق أن تحاورت عام 2013، مع الراحل الأستاذ عبدالله كمال، حول قضِيَّةِ التبرُّع بأموال الزكاة والصدقة إلى الجمعيات الخيرية فى ظِلِّ ما أثير حول انتماء بعض هذه الجمعيات وتبعيَّتِها لجماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، كنا فى أوائل شهر رمضان الذى بدأ عَقِب أيام قليلة من بيان (3 يوليو) الشهير ثمرةَ (ثورة 30 يونيو)، التى عزَلَتْ محمد مرسى وأسقطَتْ جماعَتَه، فانكشَفَتْ مع هذا السقوطِ شبكةُ العلاقات التى شَكَّلَتها هذهِ الجماعة المارقة لتفرض هيمنتها على جزء كبير من أموال الصدقات عن طريق جمعيات شرعية مشهرة ومنتشرة فى ربوع مصر، مما استدعى من الدولة مصادَرَة أموال عددٍ من هذه الجمعيات حتى لا تُستغلَّ فى تمويل أنشطة إرهابية. 

وفى حوارى مع الصحفى الكبير (رحمه الله) انبرى يُدافِعُ (اقتصاديًا) عن أنشطةِ الجمعيات بشكل عام وأن هناك ضرورةً مجتمعيةً لتصريف أموال كثيرة، يعجز أصحابها فى الوصول إلى مستحقيها وفق القواعد الشرعية، بينما كانت لى وجهة نظر مختلفة ربما يكون من المفيد إعادة طرحها.

فى رأيى أن على كل متبرع بالصدقات تأديةً لفريضة الزكاة (أو تطوُّع الصدقة)، أن يبذلَ قدرًا من الجهد فى توصيل هذه الأموال إلى مستحقيها، فليس الغَرَض دفعَ المال فقط، ولكنّ هناك جزءًا تربويًّا شرعه الله فى ركن «الزكاة»، وهذا الجزء لا يتحقَّق إلا بالسعيِ والاجتهاد للوصول إلى مستحقيها، والتعامل معهم وإدراك حقيقة ظروفهم وأشكال معاناتهم، والتحرِّى عن ذلك بالتواصل المباشر معهم، إن هذه العلاقة من شأنها أن تصنع الكثير فى نفوسنا، سواء عند الغَنِيِّ أو الفقير. 

وللأسف فإن قدرًا كبيرًا من الاستسهال عند كثيرٍ من القادرين، يتجسَّد فى اكتفائِهِمْ بتوزيع أموال الزكاة على حساباتٍ بَنكِيَّة تخصُّ جمعيات خيرية، ويظنُّون أنهم هكذا قد قاموا بتطبيق الفريضة، ربما ألتمِسُ العذر لغير القادرين (صحيًا) منهم، أو الأثرياء الذين تُستَحَقُّ عليهم مبالغ كبيرة للزكاة يصعب عليهم تصرفيها بشكل مباشر، لكن أن يكتفى المجتمع كله بالجمعيات، لتصريف أموال الزكاة، فتلك مشكلة كبيرة تستحق أن نتوقف أمامها بالدراسة والتحليل، واستقراء نتائجها جيدًا.

لهذا فإنى أشجع كلَّ مبادرة فردية لتصريف ما تيسر من أموال الصدقات، عن طريق التواصل الشخصى المباشر مع أصحاب الحاجات، وهى تجربة رائعة تلبِّى حاجةً حقيقيةً فى المجتمع، أتمنى أن تستمر وتتزايد طالما بقيت فى الإطار المسموح به قانونًا، وداخل دوائر العائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو الجيران.

ويستمر الحوار حول مصارف الزكاة ويحتد أحيانًا، بسبب نشاط المؤسسات والجمعيات الخيرية (المنوط بها وفقًا للقانون جمع أموال الصدقات)، وتنافسها فى سبل جنى هذه الأموال، وإبداعها فى خطط التسويق والترويج لأنشطتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومع تزايد مساحة التواجد الإعلانى والإعلامى لهذه المؤسسات وتشعبها، تثار الشكوك حول المشروعية الدينية لما تقوم به بعض هذه المؤسسات، خاصة فيما يتعلق برعايتها الإعلانية لبعض الإنتاج الدرامى المرئى والمسموع خلال الشهر الكريم، كجزء من خططها التسويقية المبتكرة.

فماذا سيكون شعورك عندما تستيقظ فى صباح رمضانى مبارك، وتجلس تتابع التليفزيون أو تستمتع للإذاعة، وتجد أن الجهة التى تبرعت لها بأموالك هذا العام هى الراعى الإعلانى لمسلسل (أو برنامج) ما، ربما تراه أنت عملا تافها ورديئا، وإذا خيروك ربما تراجعت عن التبرع وصرفت هذه الصدقات بنفسك فى مصارف أكثر قيمة وأهمية.

ووفق رأى سابق لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، فإنه «يجوز إنفاق جزء من الزكاة فى رواتب العاملين بالجمعيات والهيئات التى تقوم على جمعها، وشراء أجهزة ومعدات ولوازم لتحصيل أموال الزكاة، وكذلك إنفاق جزء منها فى الإعلانات باعتبارها وسيلة لإبلاغ الأغنياء بوجوب الزكاة عليهم، وإرشادهم إلى الجهات التى تساعدهم على توصيل زكاتهم لمستحقيها من الفقراء والمساكين والمرضى والمحتاجين».

ويستند هذا الرأى على أن العاملين فى جمع الزكاة لهم فيها نصيب شرعى، وفقًا لقول الله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».