الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

فى «جزيرة غمام»: عبدالرحيم كمال على خطى أنور عكاشة ونجيب محفوظ

فى عمله الجديد «جزيرة غمام» يؤكد الكاتب عبدالرحيم كمال اسمه كواحد من مؤلفى الدراما التليفزيونية الكبار، بجوار أسماء مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحسن زايد، وغيرهم من الكتاب الذين أعطوا للدراما المصرية تميزها ومذاقها الخاص.



 

فى زمن الورش التى ليس لها صاحب والفورمات الهجينة، ونظام الصناعة الذى فتت استقلالية وسلطة المؤلفين والمخرجين وحولهم إلى «أنفار»، ينتمى عبدالرحيم كمال لتقاليد المدرسة القديمة، حيث لكاتب السيناريو عالم خاص به ووجهة نظر وهم اجتماعى وحرص على وجود معنى لكل قصة وكل جملة حوار يكتبها.. يحترم عمله، فينتقل الاحترام للمنتج والمخرج والممثلين، وصولاً إلى المشاهد.

أكثر ما يلفت النظر فى «جزيرة غمام» هو الجدية التى يتعامل بها كل فرد من فريق العمل مع النص، وهو أمر أصبح نادرًا هذه الأيام، حيث يغلب الميل إلى إنهاء العمل بأقصى سرعة وأسهل طريقة ممكنة، وحيث يتم التأليف بعد بداية التصوير وأثناء بث الحلقات.

يبدو «جزيرة غمام» كجزيرة منفردة وسط أعمال رمضان الحالى، فى فكرته وعالمه ومستواه الفنى. وبجانب النص الجيد، أو ربما بسببه، فقد تحول العمل إلى مباراة فى لعبة جماعية يتنافس فيها كل لاعب لتقديم أفضل ما لديه. على رأس هؤلاء المخرج حسين المنباوى الذى أدرك خصوصية عالم السيناريو وعثر على الطريقة المثلى لتنفيذه. المنباوى تألق منذ عامين فى مسلسل مشابه هو «الفتوة»، وهو هنا أكثر ثقة وتمكنًا من أدواته (باستثناء بعض الملاحظات مثل التتابع الزمنى السليم للمشاهد النهارية والليلية أو قيادة المجاميع). وتظهر موهبة المنباوى فى اختيار فريق العمل المناسب وتحقيق التجانس بينهم، من موقع الجزيرة والديكورات والإضاءة والتصوير والموسيقى، ويظهر الاختيار الصائب والتجانس كأفضل ما يكون فى فريق الممثلين الذين يقدمون معزوفة تمثيلية موسيقية تذكر بأعمال جماعية البطولة لا تنسى مثل «الشهد والدموع» و«ليالى الحلمية» و«زينب والعرش». ويصعب على المرء أن يكتفى باسم، أو اسمين، أو ثلاثة، كأبطال للعمل. من المخضرمين هناك طارق لطفى ورياض الخولى وفتحى عبدالوهاب ومحمود البزاوى، إلى أحمد أمين ومحمد جمعة، وصولاً إلى فريق الشباب الأصغر سنًا، يشبهون سبحة من الأحجار الكريمة، ووسطهم تلمع مى عز الدين كحجر ياقوت أحمر. التمثيل فى «جزيرة غمام» يبين بوضوح أن النص والحوار والمخرج الجيدين هى أساس عمل الممثل، ويكفى أن تقارن مثلاً بين أداء وفاء عامر فى مسلسل «راجعين يا هوى» وأدائها فى «جزيرة غمام».

ينتمى «جزيرة غمام»، مثل «الفتوة» الذى كتبه مؤلف موهوب آخر هو هانى سرحان، إلى عالم فتوات نجيب محفوظ. وإذا كان «الفتوة» أقرب إلى «الحرافيش»، فإن «جزيرة غمام» أقرب إلى «أولاد حارتنا»، وخاصة الفصل الخاص بـ«رفاعة»، المستلهم بدوره من قصة المسيح عليه السلام.

يتحول رفاعة فى المسلسل إلى عرفات، الزاهد، المسالم، صاحب الكرامات والمعجزات، فى عالم يسوده القبح والعنف وتحركه المؤامرات والشهوات. هناك خطوط شبيهة جدًا برواية «أولاد حارتنا» والقصة الدينية، مثل عمل عرفات كنجار، ومعجزاته الخاصة بالخبز والطعام وسمك الصيد وتبرئة المرضى، ومثل شخصية العاهرة التائبة، «العايقة» فى المسلسل، وهى امتداد لشخصية «ياسمين» فى رواية محفوظ، ومريم المجدلية فى القصة الدينية.

رغم التشابهات (التى كانت تستدعى ربما إشارة أو إهداء إلى اسم نجيب محفوظ) هناك أيضًا عالم عبدالرحيم كمال الخاص الذى يتمثل فى رؤيته للواقع المصرى منذ تسعينيات القرن الماضى وحتى الآن، حيث يسود الصراع بين السلطة السياسية وجماعات المتطرفين الدينيين، وحيث تتخفى المصالح والمطامع الشخصية خلف الشعارات السياسية والدينية. وفى مقابل هذين النموذجين هناك النموذج الصوفى، الذى يجمع بين عقيدة إنسانية متسامحة وإيمان بالحرية والديموقراطية. هذا الواقع الذى كان محور عمله «القاهرة كابول» فى العام الماضى من خلال الشخصيات التى لعبها كل من فتحى عبدالوهاب وطارق لطفى وخالد الصاوى ونبيل الحلفاوى. 

فى «جزيرة غمام» يظهر أيضًا هذا الصراع متلحفًا بالتاريخ، حيث تدور الأحداث فى بداية القرن العشرين، وتروى على لسان أحد سكان الجزيرة كحكاية سياسية رمزية للرئيس أنور السادات، الذى بدأت معه هذه الصراعات التى أنهكت المجتمع والعقل المصرى. فوق ذلك، يبعد «جزيرة غمام» عن الرمزية فى «أولاد حارتنا»، والواقعية التسجيلية فى «القاهرة كابول»، لينسج حكاية شعبية خيالية مليئة بالشخصيات والأحداث المثيرة، لا نعلم بعد إلى أين ستمضى بسكانها، وبنا.