الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روضة رمضان.. مع المفتى د. شوقى علام فى حديثه الرمضانى: الصوم يستهدف تزكية النفس.. وليس المشقة والتعذيب والإرهاق للإنسان

مع بدءِ أيامِ  شَهْر رمضان  حرصنا على أن نكونَ معكم من خلال روضة رمضانية  تقدم مادةً صحفية من نوع خاص تُشبع رغبة القارئ فى معرفة رأى الدين فى بعض القضايا وتأخذ بيده للجلوس على مائدة أحد كبار العلماء للتعرُّف على رأى الدين فى العديد من القضايا؛ حيث خصَّصنا فى «روضة رمضان» هذا العام حوارًا أسبوعيًا مع فضيلة المفتى د.شوقى علام، الذى يتسمُ بغزارة العلم والفقه، فضلاً عن كونك تشعر بالألفة معه كونه يحمل صفة العالِم  الفقيه.



كما كان لنا فى الروضة تحقيقٌ فى عدد من الموضوعات التى نعرضها تباعًا كل أسبوع نتعرَّف من خلالها على رؤية تنويرية دينية صحيحة تثير الوعى الدينى، وتسهم فى تعميق الفهم الصحيح للدين.

ولم نتجاهَل فى «روضة رمضان» هذا العام من طرح عدد من الفتاوَى التى تساعدنا فى رمضان على تجاوُز بعض الأمور التى قد تلتبس لدَيْنا خلال الشهر الكريم.

 

يحمل الصوم فى طياته الكثير من المعانى والرسائل التى تمثل حياة جديدة للصائم، وفى الجزء الثالث من لقاء فضيلة المفتى د.شوقى علام، تناولنا العديد من الأمور المهمة المتعلقة بثمار الصوم، والرد على من يدعى بأن فريضة الصيام هى تعذيب للنفس، كما تطرق المفتى إلى عدد من القضايا المهمة التى تتعلق بالدعاء.. والقنوت الذى يحدث حوله خلاف من البعض، كما لم ننس فى اللقاء تناول قضايا المرأة المتعلقة بالصوم.

وكانت بداية اللقاء الثالث مع فضيلة المفتى من استفسار حول من يعتبرون صوم رمضان تعذيبًا للإنسان لما يحمل فى طياته من مشقة وصبر على الامتناع عن الطعام والشراب لمدة شهر كامل، حيث أوضح د. شوقى علام أن مفهوم الصوم هو الامتناع عن تناول جميع المفطرات بنية التقرب إلى الله تعالى من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، ومن ثَمَّ فإن هذه العبادة تجعل المسلم يتحلى بالصبر على الطاعة، وعلى ألم الجوع والعطش، وحاجات النفس وشهواتها؛ والصبر على أذى الناس؛ وبهذا المعنى يرسخ الشرع الشريف العلاقة بين الصوم والصبر، وأن عبادة الصوم تمثل طريقًا مختصرًا إلى التحلى بخلق الصبر، ذلك الخلق الذى حثَّ الله تعالى عباده بالتخلق به».

ومع هذا، والتوضيح لفضيلة المفتى، أنه لا يفهم من الصبر أن هذه العبادة تحمل فى طياتها المشقة والتعذيب والإرهاق؛ وإنما تقوم بترسيخ تزكية النفس حتى يتحقق المسلم الصائم بمقام التقوى والمراقبة لله تعالى؛ ففى الصوم تعويد الصائم على حبس النفس عن حاجاتها وشهواتها؛ لأن الصوم وقاية وجُنَّة للمسلم، ففى أثنائه تحبس نفس الصائم على فعل الطاعات والأعمال الصالحات واجتناب النواهى والشهوات.

وشدد على أهمية الابتعاد فى رمضان وفى غيره عن الجدال وبذاءة اللِّسان وفُحشِ القولِ والغِيبَةِ والنَّمِيمَة؛ لأن المِرَاء والجِدَال وغيرها من آفات اللِّسان تُبطِل الأعمال؛ قال صلَّى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ، ولَا يَجهل، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى صَائِمٌ»، موضحًا أن أن المسلم فى حال صومه كما هو مطالب بالامتناع عن تناول جميع المفطرات بنية التقرب إلى الله تعالى من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، فهو مطالب أيضًا بالإمساك عن الأخلاق السيئة والسلوكيات المذمومة وضبط متطلبات النفس البشرية، فإن لم يتحقق بذلك كله فقد نقص أجر صيامه بل قد يصل الأمر إلى عدم قبوله منه.

 صلة الرحم 

وفى لفتة تمثل إنسانية الشرع الحنيف فى تحقيق الترابط والاستقرار المجتمعى تحدث المفتى عن أحد الأمور التى لا بُد من الاهتمام بها فى شهر رمضان وهى صلة الأرحام حيث اعتبر شهر رمضان فرصة عظيمة للاهتمام بصلة الأرحام وإنهاء أى خصومات أو قطيعة بين الأهل، موضحًا أن الرحم مشتقة من اسمه عز وجل الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله، واستشهد فضيلته بقول الحق تبارك وتعالى فى الحديث القدسي: «أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِى فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ وَمَنْ بَتَّهَا أَبَتُّهُ».

وشدد على خطورة الجفاء الذى يحدث داخل الأسر لا سيما من الأبناء للآباء والأمهات لدرجة تصل بالبعض إلى القيام بالحجر على الأب أو الأم وتصرفاتهما وهو فعل مذموم، لافتًا إلى أن الله تعالى أوجب وكذلك رسولُه صلى الله عليه وآله وسلم بِرَّ الوالدين والإحسانَ إليهما فى مواضع كثيرة؛ منها قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا، بل وقَرَنَ ذلك بعبادته، وقرن عقوقهما بالشرك به سبحانه؛ قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، كما قرن الشكر لهما بشكره سبحانه وتعالى بقوله: أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ، وأكَّد سبحانه وتعالى على برِّ الوالدين حتى فى حال أمرهما لولدهما بالشرك؛ قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا

 إجابة الدعاء 

وينتقل المفتى فى حديثه إلى نقطة مهمة وهى تحقق إجابة الدعاء والذى يحرص عليه كثيرون فى شهر الصوم، حيث شدد على طلب الكسب الحلال لارتباطه الوثيق بالدعاء المستجاب؛ وقال: «لا عجب من ذكِر الله عز وجل عن استجابته لدعاء من يدعيه بعد آيات الصيام؛ فكلها أعمال صالحة ترتبط ببعض، كما أن للدعاء آداب لا بد من مراعاتها حتى يقع على مراد الله تعالى، ومن غير أن تتحكم فيه الأهواء، ومن هذه الآداب -بل من أهمها-: عدم الاعتداء فيه؛ وقد نهى الله تعالى عن ذلك فى القرآن الكريم حيث قال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.

وأكد أن الإنسان لا بُد أن يوقن بإجابة الله عز وجل لدعوته لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللهَ لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ»، ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وأنتم موقنون بالإجابة»؛ أي: وأنتم على يقين بأن الله لا يردكم خائبين؛ لكرمه الواسع، وعلمه المحيط، وقدرته التامة، وذلك يتحقق بصدق رجاء الداعى وخلوص نيَّته.

وحول دعاء القنوت والخلاف حوله ؛ حسم د.شوقى علام الأمر قائلًا : يجوز شرعًا القنوت فى الصلاة ويجوز الدعاء بصرف المرض ويكون عامًّا للمسلمين ولكافة البشرية، فى الصلاة وخارجها، كما يجوز القنوت لذلك فى جميع الصلوات المكتوبات؛ عملًا بقول بعض العلماء، أو الاقتصار عليه فى صلاة الفجر خروجًا مِن خلاف مَن قصره عليها من الفقهاء.

 المرأة والصوم 

وفى خلال اللقاء لم يكن من الممكن إهمال المرأة وبعض الأمور المتعلقة بها فى الصوم، حيث انطلقنا من وضع المرأة من التكليفات الشرعية واعتبار البعض أن معظم تلك التكليفات تأتى بصيغة موجهة للرجال، وهنا يوضح المفتى أن جميع التكليفات الشرعية فى القرآن والسنة على العموم تشمل الرجل والمرأة، إلا إذا دل دليل على أن هذا الخطاب خاص بفئة معينة فيبقى خاصًّا بها كبعض التكليفات الخاصة بالمرأة نظرًا لطبيعتها الخاصة الأنثوية ويظهر هذا الأمر أكثر فى جانب العبادات.

المفتى شدد أيضًا على أن المرأة ليست أقل من الرجل فى حبها للعبادة والتدين الحقيقى بل من يتأمل طبيعة المرأة يجد عندها رقة ممزوجة بالعزم فى استقبال التكليفات، بل إن المرأة تتفوق على الرجل فى السعى إلى معرفة الحكم الشرعى وطلب الفتوى وهذا يدل على رغبتها فى التديُّن الصحيح والمنضبط على أكمل وجه.

وعن حدوث الجنابة فى الليل قال فضيلة مفتى الجمهورية: يستحب الغسل قبل دخول الفجر إذا كان هناك استطاعة ولكن الصوم صحيح إذا نوى الصوم وهو جنب، ويجب الغسل قبل أداء الصلوات، وهو مثل الاحتلام فى نهار رمضان، فالمحتلم أثناء صومه فى نهار رمضان وهو نائم لا إثم عليه ولا قضاء عليه وصومه صحيح.

وعن الحيض قال المفتى أنه على المرأة الفطر إذا جاءها الحيض ولو فى الساعات الأخيرة من صيامها، وعلى المرأة الصوم إذا انقطع دم الحيض قبل الفجر، وعليها فى هذه الحالة أن تنوى الصوم قبل الفجر، وتأخير الغسل إلى ما بعد ذلك لا يؤثر فى صحة الصوم.

وأشار المفتى إلى أنه لا مانع شرعًا للمرأة من تناول الدواء لقطع حيضها مؤقتًا لإدراك عبادة مؤقتة؛ كصوم رمضان، بشرط أمن الضرر، على أن يكون ذلك تحت إشراف طبيب ثقة متخصص، وإذا ارتفع الدم عنها فإنها تُعدُّ طاهرة.