الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنوز آمال العمدة..محمود السعدنى سوء الحظ كثيرًا مثل حُسن الحظ!

هذا هو الولد الشقى الذى احتفظ على مر السنين بحيوية قلمه، وشباب العبارة، والتحقيق والتعليق، يستطيع انتزاع ضحكة من قلب القارئ، أو ابتسامة ساخرة مع قدرة رائعة على إيصال المعنى الذى يسكن داخل الحروف وبين السطور..



وهذا حوارى معه الذى أهديه لمجلة روزاليوسف..

 آمال: أستاذ محمود السعدني.. هل كانت لديك معتقدات ثبت خطأها على مر العمر؟

محمود السعدني: كثيراً جداً لدرجة أننى أحياناً يخيل لى أننى عشت فترات من حياتى فى خرافة أو كذبة كبيرة، أو أننى ريفى نزل حياة المدينة فضحك الناس عليه.

 آمال: وفى هذه الخرافة الكبيرة ما الذى لم يتحقق من أحلامك؟

محمود السعدني: %90 من أحلامى لم يتحقق، لكنى سعيد بالنسبة البسيطة التى تحققت لأن أهم أحلامى الخاصة بتكوين أسرة وأحفاد ألعب معهم تحققت وهى تساوى الدنيا كلها. وأيضاً أننى استطعت بفضل الله أن أواصل مشوار الصحافة والكتابة حتى هذه السن، لكن أيضاً كان من أحلامى أن أكون كاتباً متفرغاً للكتابة الأدبية، وألا تفرمنى مفرمة الصحافة، لكنى لم أتمكن من تحقيق ذلك، وكان من أحلامى مثلاً أن أكون زعيماً سياسياً ولم أتمكن من تحقيق ذلك وثبت لى أن الأعمال ليست بالنيات، وفى شبابى كنت أتمنى أن أكون لاعب كرة لكنى أصبحت كرة تلعب بها الأيام، لكن فى النهاية أنا سعيد بما تحقق من أحلامى وأحمد الله عليه، وأتمنى أن يحفظ الله هذه النعمة لي.

 آمال: هل هناك يوم يمكن أن تسميه «يوم من عمرك»؟

محمود السعدني: هناك أيام كثيرة تعد أياماً من العمر، وليس يوماً واحداً، لكن أهم يوم بالنسبة لى هو اليوم الذى عدت فيه إلى مصر عام 1983 بعد رحلة عذاب بالخارج، ولجوئى لأناس لا يستحقون، لدرجة أنى ظننت فى يوم من الأيام أننى لن أرى مصر مرة أخرى، وكان معى أفراد أسرتى وكانوا همى الأكبر فقد تعبوا جداً معى وهذا ماآلمنى بشدة. لكن حينما عدت إلى مصر وتنسمت هواءها وسرت على أرضها وبدأت أسير بين الناس فى الأسواق ثم أعاود سيرتى الأولى فى العمل والاندماج فى الحياة أدركت بأنى عدت للحياة، ولذلك لا يمكن أن أنسى يوم عودتى إلى مصر أبداً. 

 

واجهت غدر الصحاب وغفرت لهم

 

آمال: هل صادفت غدراً لم تستطع تجاوزه؟

محمود السعدني: من عادتى أن أنسى الغدر، وأنسى أخطاء الآخرين، لكنى لا أنسى العمل الجيد، ولا أنسى من ساعدنى فى المحنة ولا الموقف الطيب الذى يتخذه أى شخص فى أزماتي. وفى عام 1961 خرجت من سجن الواحات وكان معى قائمة كتبت فيها أسماء من سأعذبهم وأرمى بهم فى المعتقلات حينما أصل للحكم، لكن بمرور الأيام أصبح معظم أصحاب هذه الأسماء أصدقاء لي، فقد غُدر بى كثيراً لكنى أنسى فوراً. 

 

حظى السعيد تساوى مع حظى التعيس

آمال: محمود السعدنى يعتبر نفسه من السعداء أم من التعساء؟

محمود السعدني: سوء الحظ كان كثيراً مثل حسن الحظ، فهما عندى بنسب متساوية، فمن سوء الحظ مثلاً أننى ذهبت إلى أماكن وعشت فى بلاد لم أتمنى زيارتها أو العيش يها، فقد قذفت بى الحياة إلى أماكن لم أكن أتصور أنى سأقذف إليها، ومن سوء حظى أنى سجنت مرتين دون ذنب مني، لكن فى المقابل كان حسن الحظ كثيراً فى حياتي، وأعتبر نفسى من المحظوظين جداً لأننى وفقت فى أشياء كثيرة جداً فى حياتي، وخاننى التوفيق فى أشياء أخرى، ولكنى سعيد بحياتي.

 آمال: لمن تقول هذا المثل «ما محبة إلا بعد عدواة»؟

محمود السعدني: أتوجه بهذه العبارة إلى مأمور سجن الواحات الخارجة المرحوم الصاغ «شنيشن» الذى كنت أكرهه وأنا فى السجن ثم صادقته بعد ذلك، وأتضح لى أنه كان رجلاً حقيقياً ومن أعظم الرجال لأنه كان قائداً حقيقياً استطاع أن يضبط السجن دون ضحايا، ورغم أنه كان قاسياً بعض الشيء لكن قسوته لم تتسبب فى سقوط قتلى كما حدث فى سجون أخرى، بل أعتقد أنه حمانا من هذا المصير، وأنا أدعو لهذا الرجل الآن بالرحمة، ويشاركنى فى ذلك كل من كان فى سجن الواحات، وأرجو من الله أن يكون الصاغ «شنيشن» فى جنات النعيم الآن.

آمال: هل علمتك الدنيا أسرارها أم عَلّمت عليك بأظافرها؟

محمود السعدني: علمتنى أشياء كثيرة، لكن معظمها جاء متأخراً بعد فوات الأوان، ولهذا فلم استفد منه ولو كانت قد علمته لى من البداية لاستفدت، لكنى تعلمت فى الوقت الضائع، وبالتالى عَلّمت عليا بأظافرها أكثر.

آمال: هل تحمل أوجاعاً فى عقلك الباطن تثير دموعك؟

محمود السعدني: أحد الذين وثقت فيهم وآمنت لهم وصادقتهم فترة طويلة من الزمان، اكتشفت بعد فترة طويلة أنهم كانوا يبيتون لمحوى من الوجود، واستغربت جداً من كيفية استطاعتهم حمل كل هذا الحقد فى نفوسهم لى ويرسمون فى نفس الوقت على وجوههم علامات الصداقة والود، فالممثل يفعل ذلك لمدة 25 دقيقة فقط، لكن كيف يستطيع إنسان أن يفعلها لمدة 25 عاماً كاملة.

 

آمال: ماذا فاجأك داخل أسوار السجن.. وماذا أدهشك خارجه؟

محمود السعدني: دهشتى خارج أسوار السجن مائة ضعف دهشتى داخل أسواره.

كنت أتصور إنى أرسطو هذا العصر

آمال: هل عشت حباً بالبنطلون القصير؟

محمود السعدني: عشته طبعاً، وكان عقلى تافهاً جداً ومع ذلك كنت أتصور أننى أرسطو ذلك الزمان، وكان هذا أيام الحرب العالمية الثانية حيث أحببت فتاة مهاجرة من الإسكندرية، وكان عمرى وقتها 12 عاماً وعشت قصة حب لطيفة حتى عادت أسرتها للإسكندرية فانتهت القصة عندئذ.

 

آمال: ما الذى يخيف محمود السعدني؟ وهل نجحت فى تخطى هذه المخاوف؟

محمود السعدني: الخوف من الفشل ومن خيبة الأمل، وكان هذا يلازمنى فى شبابى وفى مرات كثيرة تصورت أنى انكسرت، ثم عدت مرة أخرى سليماً، ثم عشت فترة طويلة أخشى الانكسار وهكذا دارت الأيام بى على هذا النحو، حتى وصلت الآن إلى نهاية المباراة ولم يعد هناك ما يقلقنى والحمد لله.

أنا قطار أسير بغير قضبان

 آمال: هل يخطط محمود السعدنى لأيامه أم يتركها للصدفة؟

محمود السعدني: لم يحدث يوماً أن خططت لأيامي، بل أعيش فى الحياة وكأنى قطار يسير بغير قضبان، لكن الحقيقة أنا عملت من أجل المستقبل، فلم أتهاون فى عملى أبداً، ولم أتخل عن واجب عليَّ، فمنذ أن كنت محرراً بالقطعة حتى أصبحت رئيس تحرير وعضو مجلس إدارة وأنا ملتزم تماماً بعملي.

آمال: هل تحتفى بعيد ميلادك كيوم متميز جاء لنا بشيخ الساخرين؟

محمود السعدني: أحتفل بعيد ميلادى كل سنة لسبب بسيط وهو أن عيد ميلادى فى نفس يوم عيد ميلاد ابني، والأغرب من ذلك أن نفس اليوم 20 نوفمبر هو يوم ميلاد والدي، لهذا فأنا أحتفل فى هذا اليوم بعيد ميلاد ابنى أكرم ورغماً عنى يحتفلون بعيد ميلادى أيضاً.

 آمال: محمود السعدنى مدين لمن؟

محمود السعدني: أنا مدين لعشرات الألوف من الناس، فأدين لمن علمونى وربونى ومن دفعوا بى للأمام، ففى الصحافة أدين للكثيرين مثل أحمد قاسم جودة وكامل الشناوى ومأمون الشناوى وإحسان عبد القدوس ومدين لأول من قبل أن يصدر لى كتاب وهو صديق صمم على إصدار كتاب لى على نفقته حينما قرأ قصصى وهو الأستاذ صلاح نور، وغير هؤلاء الكثيرين حتى تلاميذى أدين لهم.

 

آمال: وهل تدين بدين عائلي؟

محمود السعدني: فى العائلة أنا دائن ولست مديناً، فأنا أعتقد أنى صنعت كل ما يمكن صنعه من أب لأولاده.

 آمال: هل هناك سؤال ظل أمام عينيك حتى الآن بلا إجابة؟

محمود السعدني: هناك أسئلة كثيرة استوقفت نظرى وجعلتنى أفكر فيها، لكنى سرعان ما أمر على ما يدهشنى مرور الكرام لأن هناك حديثا قدسيا يدفعنى للمضى إلى الأمام بدون توقف عند هذه الأسئلة يقول «والله لأرزقن ما لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل»، وكنت أتمنى أن يضع الناس جميعاً هذا الحديث القدسى نصب أعينهم لأنه فعلاً يعطى للإنسان طاقة للمرور على ما فى الحياة من عجائب وغرائب مرور الكرام.

 آمال: هل فى حياتك ورود أم أشواك أكثر؟

محمود السعدني: كل من الورد والشوك يفعل مهمته التى خلق لها فى حياة أى إنسان، ولهذا فأنا أسعد بالورد جداً، وأحزن من الشوك لكنى أعلم أنه يؤدى دوره. ويكمل: هناك أشواك وورود، لكنى أعتقد أن الورود أكثر فى حياتى الشخصية والعملية، وفى حياتى بشكل عام، فقد قابلت فى رحلة حياتى كل أصناف البشر من نصابين وكذابين ومدعين وجهلاء وطيبين وصادقين لكن بشكل عام فإن الأحداث السعيدة أكثر فى حياتي.

 آمال: هل قابلت فى حياتك النبات اللبلابى المتسلق الذى يصعد على أكتاف غيره؟

محمود السعدني: لا بد لكل إنسان أن يقابل هذه النوعية من البشر، فمن مواصفات الحياة أن يكون فيها هذه النوعية. ويضيف: لا يمكن منع هذا المتسلق من الصعود، فهو يتسلق على أكتاف من حوله، لكنى كما قابلت هذا المتسلق، فقد قابلت العظماء والخيرين ومن وضعونى فوق أكتافهم لأصعد وأصنع مستقبلي. ويكمل: فقد قابلت كامل الشناوى مثلاً ووجدته كالبحر يحتضن العشرات من الشباب الواعدين، وقابلت رجلاً أسميته الرجل الشجرة وهو زكريا الحجاوي، فالإنسان يقابل هذا وذاك، وأنا مؤمن بأن كل إنسان يحصل على نصيبه من الحياة.

أحب نساء إحسان أكثر من نساء نجيب وإدريس 

 آمال: من تحب أكثر نساء إحسان عبد القدوس أم نساء نجيب محفوظ أم نساء يوسف إدريس؟

محمود السعدني: نساء إحسان أفضل وأجمل وأحلى، ونساء نجيب محفوظ من طبقات معينة، ولهن سلوك معين ورائحة معينة، وهم غالباً من حوارى القاهرة القديمة، ونساء يوسف إدريس بعضهن عاهات، ولهذا فأنا أحب نساء إحسان عبد القدوس أكثر.

آمال: هل تحتفظ المرأة بعد الزواج بكل خصالها المليحة قبل الزواج؟

محمود السعدني: لفترة معينة لكن الحمل والولادة والحياة تغير كل شىء، لكن الحقيقة أن الزواج حظوظ ويشبه البطيخة التى تفحصها من الخارج عند شرائها لكننا لا نعلم ما بداخلها، والمعاينة من الداخل تأتى بالممارسة، وكل إنسان وحظه.

 

آمال: ما أهم ما يتمتع به الرجل الأعزب؟

محمود السعدني: أن يأتى فى البيت فى الوقت الذى يحلو له، لكن فى بعض الأحيان يكون الزواج أفضل فى هذه الحالة.

آمال: لماذا يهرب الزوج إلى المقهى؟

محمود السعدني: هذا هو الحال عندنا فى مصر، فنحن لم نعتد على حياة الاختلاط، فيحب الرجل أن يجلس مع رجل مثله، ويجتمعا على المقهى ويعتاد على ذلك حتى تتكون «شلة» تعتاد على هذه الجلسة يومياً.

آمال: من يظلم الآخر الزوج المصرى أم الزوجة؟

محمود السعدني: المرأة مظلومة بطبيعة الحال فى بلادنا، لأنها فى درجة أدنى من الرجل فى العالم الشرقى كله. آمال: هل تضايقك المرأة المتسلطة؟

محمود السعدني: لا تضايقنى فقط، بل قد تجعلنى أهاجر، فالتسلط عيب غير طبيعى وصفة سيئة سواء كانت فى المرأة أو الرجل، ولو أن العالم الشرقى يسمح للرجل بالتسلط.

 

آمال: لو كانت الزوجة هى وزيرة المالية فى البيت.. فهل تغضب؟

محمود السعدني: لا.. لأن المفروض أن تكون هى وزيرة المالية فى البيت.

 

آمال: الشره للمال عند المرأة.. كيف تراه؟

محمود السعدني: ليس شرهاً.. بل حب الاستمتاع بالمال وشراء مستلزماتها وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالمال، لكن على السيدة أن تراعى ألا يكون هذا على حساب بيتها وأولادها وإلا فستكون مخطئة وقد تؤدى إلى خراب البيت.

 

آمال: أيهم أقرب إليك زوجتك أم أولادك أم أحفادك؟

محمود السعدني: لا أفرق بهذا الشكل، فأنا أحب أحفادى وأشعر معهم أنى ولدت من جديد، خاصة أنى أمتلك الوقت لأن أجلس معهم، فأنا لم أستمتع بأولادى لأنى كنت مشغولاً بعملي، ولهذا فالعلاقة بينى وبين أحفادى أقوى من علاقتى بأولادي.

آمال: وما الذى يغيظك من امرأة ما؟

 

محمود السعدني: الإلحاح الذى قد تفسد المرأة به حياتها.

 

آمال: هل فى حياة محمود السعدنى بصمات لنساء؟ محمود السعدني: طبعاً.. هناك بصمات جيدة وأخرى غير على الإطلاق للنساء فى حياتي، لكن بشكل عام فهى لم تترك بى جروحاً، فلم تكن سيئة بشكل كبير حيث تزوجت وأنجبت مبكراً، وأعطيت لأسرتى اهتماماً كبيراً وهذا جعل حياتى أفضل وأكثر استقراراً.

 

آمال: هل تخاف من المرأة؟

محمود السعدني: المرأة تكون مخيفة فى أحيان كثيرة، فهى إذا اغتاظت أو شعرت بإهانة أو شعرت بخيانة يكون على الرجل أن يأخذ حذره منها، وعلى الرجل أن يعمل على عدم الوقوع مع المرأة فى تناقض حقيقى أو خلاف حقيقى أو عداء حقيقي.

 

آمال: هل زوجتك فيها ملامح من والدتك؟

محمود السعدني: هى ربة بيت ماهرة جداً ومحافظة جداً وهذه كانت ملامح والدتى أيضاً، وأيضاً هما مدبرتان، فقد استطاعت والدتى تربيتنا رغم الفقر الذى كنا نعيش فيه وكانت تدير البيت بأقل الإمكانات وزوجتى أيضاً كذلك. أذكى امرأة فى التاريخ هى أمي

 

آمال: الملل الزوجى هل سببه المرأة أم الرجل؟

 

محمود السعدني: ليس الرجل ولا المرأة بل الوقت.

آمال: هل هناك ملهمة فى حياتك؟

محمود السعدني: بل هناك ملهمات كثيرات ومتنوعات.

 

آمال: الشك آفة عند الرجل أكثر أم المرأة؟

محمود السعدني: عند المرأة.

آمال: من هى أذكى امرأة فى التاريخ؟

محمود السعدني: أمي.

 آمال: كلمة فى مفكرتك لأى امرأة…

محمود السعدني: أقول لها كما قال كامل الشناوي:

كونــــى كمــــــــا تبغـــــين        لكن لن تكوني

فأنا صنعتك من هوايا        ومــن جنونـــي

ولقد برئت من الهوى        ومن الجنــون

 آمال: هل كان زواجك وردياً؟

محمود السعدني: أحمد الله أن كل سنوات زواجى كانت وروداً، وأثمرت عن هالة وأكرم وأمل وهبة وحنان، والحمد لله عشت حياة أسرية رائعة لدرجة أننى أشعر فى حياتى العائلية وكأننى أسبح فى تيار من الموسيقى والغناء والشعر.

 آمال: وهل قابلت أشواكاً فى الصداقات؟

محمود السعدني: كثيراً جداً، وفى الماضى لم أكن أعذر أحداً، أما الآن فأنا أعذر الناس، وذات مرة أصيب الفنان محمد رضا فى حادث وأشرف على الموت، فزاره كل أصدقائه عدا زكريا الحجاوي، فغضب محمد رضا جداً وتوعد زكريا الحجاوي، ولكن فى يوم كنت أركب سيارتى مع زكريا الحجاوى وشاهدت محمد رضا وهو يجلس عند كبابجى بميدان التحرير، فتوقفت أمام المحل دون أن يدرى زكريا شيئاً ودخلنا المحل وتقابلا معاً فصافح محمد رضا زكريا بغضب وعاتبه زكريا بشدة لكن زكريا قال إن لديه عذراً خطيراً فسأله رضا عن هذا العذر، فرد الحجاوى بالقول «لأن أنا راجل ندل جداً، أزور صاحبى السليم والغنى ولا أزور المريض والفقير»، لكن محمد رضا قال له إنه لا يصدق ذلك وانقلب الأمر إلى سخرية حتى تصافحا ونسى رضا ما حدث.

 آمال: اشتهرت بجرأتك التى جلبت إلى حياتك الكثير من المتاعب، هل ندمت؟

محمود السعدني: هذا صحيح جداً، فقد ذهبت إلى الكثير من المعتقلات والسجون والمنافى فى الواحات، ودخلت محكمة الجنايات حوالى 16 مرة، ومحكمة الجنح أكثر من 50 مرة، ولكنى لم أندم، فهذه حياتى وأحمد الله عليها.

 آمال: حدثنى عن ذكريات الجنح والجنايات؟

محمود السعدني: أول مرة كنت صحفياً صغيراً، وكنت معجباً جداً بالشيخ مصطفى إسماعيل رحمة الله عليه، فكتبت كلمة عنه فى شهر رمضان مقالاً قلت فى آخره «الشيخ مصطفى إسماعيل يشرب الكوكاكولا و.. يدخن السجائر.. فأنا شخصياً من عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل»، ولم تكن الجريدة التى نشرت واسعة الانتشار، لكنى فوجئت بقضية مرفوعة ضدي، فأصبت بما يشبه الجنون فقط كانت المرة الأولى التى يحدث لى فيها ذلك، وكنت مندهشاً أيضاً لأنى أحب الشيخ مصطفى إسماعيل ولم أهاجمه، ونصحنى البعض بزيارة الشيخ مصطفى إسماعيل والتفاهم معه، فذهبت إليه وفوجئت بأنه لا يعلم أى شىء وأن محامى هو الذى رفعها من نفسه، وتنازل عنها الشيخ مصطفى إسماعيل ولكن بعد أن قضيت خمسة أيام فى معاناة بسببها.

 آمال: باطل أراد به حق ورفضه محمود السعدني.. ما هو؟

محمود السعدني: لسوء تدبيرى تصورت فى يوم من الأيام أننى أستطيع أن ألعب سياسة على أرض الآخرين، فاكتشفت هناك أن المطلوب منى فقط أن أكون قفازاً فى يد من أقيم عندهم، فرفضت وكان جزاء هذا الرفض بالغاً.

 آمال: المؤكد أن فى حياتك مواقف ساخرة أنتزعت ضحكاتك ألهمتك فيما بعد لتكون شيخ الساخرين.. فحدثنى عن واحدة منها؟

محمود السعدني: المواقف الضاحكة فى حياتى لا حصر لها، ولكن هناك موقف لا يمكن أن أنساه وحدث خلال دراستى الابتدائية، وتوفى والد أحد زملائنا فقررنا أن نذهب للعزاء، فارتدينا الطرابيش والبدل ذات البنطلون القصير، وذهبت مع صديقى عبد المنعم للعزاء، وجلسنا فى السرادق وكان فيه حوالى 800 شخص، وتصادف أن جلست بجوار شيخ كان كلما سار الخادم أخذ منه فنجان قهوة وشربه دفعة واحدة، وظننت أن هذا تعبير عن الحزن فبدأت أشرب فنجاناً من القهوة كلما شرب هو، حتى شربت حوالى ستة فناجين، ووجدت عبد المنعم لا يشرب مثلنا، فقلت له إن الشيخ يشرب القهوة دليلاً على حزنه ولا بد أن يشرب مثلنا، فقال لى إنه ليس شيخاً بل تربي، فاستغرقت فى الضحك وفوجئت بالتربى يلتفت لى ويصفعنى على وجهى فيطير الطربوش من على رأسى فازددت ضحكاً، فضحك عبد المنعم أيضاً فصفعه الرجل الجالس بجواره من الجهة الأخرى فقمنا وجرينا فى السرادق وظل المعزون يطاردوننا وضحكاتنا تعلو.

ولمدة خمسين عاماً بعدها ظللت أموت من الضحك كلما رأيت صديقى عبد المنعم فى أى عزاء.

 آمال: كيف ترى الفشل، هل لك من فلسفة خاصة تفسره؟

محمود السعدني: الفشل كثير فى حياتي، لكن كان دائماً لديَّ ثقة فى النجاح، فلم أكن أشعر بالفشل، وكنت أعتبره مجرد تباطؤ فى الطريق سيتلوه سرعة حتى الوصول إلى الغاية.

 آمال: وما هو أكبر انتصار فى حياتك…

محمود السعدني: أكبر انتصار هو عودتى لمصر عام 1983.

 آمال: وما هى أصعب دمعة سقطت رغماً عنك؟

محمود السعدني: لا أحب إظهار دموعى لأحد، لكنها ظهرت بالتأكيد فى كتاباتي، أما أكبر دمعة فكانت حينما سافرت إلى بلد شقيق مع عائلتى واستأجرت بيتاً وألحقت أولادى بالمدارس، ولكن قبل دخول المدارس بأسبوع واحد صدر قرار بطردى من البلد، وعندئذ كانت أكبر دمعة شعرت بها فى حياتي، فلقد اسودت الدنيا أمام وجهي، ودعوت الله أن أموت وقتها حتى لا يتأثر مستقبل أولادى بسببي، لكن الحمد لله عبرنا المحنة وتخرج كل أولادى فى الجامعات وإن تأخر بعض أولادى بعض الشىء.

 آمال: هل هناك شجرة صداقة نسيت أن ترويها فى زحام الحياة؟

محمود السعدني: نسيت الكثير من الأشياء لكن لا يمكن أن أنسى أصدقائى فهناك أصدقاء أعرفهم منذ أكثر من 60 عاماً، والحقيقة أننى قد أنسى بشكل مؤقت لكن أعود فوراً وأروى صداقاتى بالتواصل وتبادل الزيارات والذكريات ولا يمكن أن تمر عدة أيام دون أن نتزاور، لكن ما يؤرقنى بالفعل أن معظم أصدقائى قد توفوا، فمجموعة الماضى الجميل زكريا الحجاوى وأنور المعداوى والشيخ عبد الحميد قطامش والدكتور عبد الحميد يونس والدكتور عبد القادر القط ومحمود شعبان ونعمان عاشور وحسن فؤاد وعبد الرحمن الخميسى وسعيد أبو بكر لم يبق منها إلا أنا فقط.

 آمال: نبات الظل ينمو بعيداً عن الشمس ولا يحتاج للضوء أو الظهور ويعطى بلا مقابل.. فمن هو نبات الظل فى حياتك؟

محمود السعدني: هناك كثيرون من هذا النوع فى حياتي، فمثلاً أول شخص أصدر لى كتاباً كان اسمه صلاح نور، وكان وكيلاً لوزارة الشئون الاجتماعية، وموظفاً يحب الأدب، ورأى قصصى فصمم على نشرها على نفقته الخاصة، ورفض أن يوضع اسمه عليها، وهناك الكثيرون ممن ساعدوني، ففى مرض ابنتى هالة ساندنى الكثيرون وساعدونى وأحاطونى بكل الرعاية حتى شُفيت، حتى فى السجن ساندنى سجانون وضباط ولازالت علاقتهم بى قوية حتى هذه اللحظة.

 آمال: من هم الخضرة التى تزين حياتك؟

محمود السعدني: الآن هم أحفادى الثلاثة محمود وأكرم ومصطفى.