
حسن عيسى
ماكلتش رز وكدهوّن!.. كنافة أمى
منذ سنوات طويلة جدًا وأنا أقرر فى بداية شهر رمضان أن أنتهز أيام الصيام وأعتبرها فرصة للإقلاع تمامًا عن التدخين وشرب القهوة الصباحية بكميات كبيرة طالما أستطيع الاستغناء عنها طول أيام الشهر الفضيل، إلا أنى أعود لعادتى القديمة للتدخين والقهوة فور انتهاء شهر رمضان مباشرة.. كما فعلتْ ريما التى رجعت لعادتها القديمة وكِدَهُوَّن..
سيظل السؤال الخالد فى وجدان المصريين: صايم ولا زى كل سنة؟ من علامات قدوم رمضان بداخلى حيث اعتاد المصرى الأصيل إلقاء هذا السؤال العبثى بشكل روتينى لكل من يقابله فى طريقه طوال أيام وليالى رمضان ويكون هو أول من يضحك عليه وكأن النتيحة الرسمية لشهر الكريم مثلها مثل أغنية رمضان جانا وفرحنا به أهلا رمضان وكدهًون.
وفى طفولتى كنت أتاكد من قدوم رمضان فى بيتنا عندما تختارنى أمى من دون إخواتى جميعًا لتسند لى مهمة تكسير بلح الفطر ونزع النواه من داخله باستخدام إيد الهون النحاسى وهى مهمة لو تعلمون عظيمة جدا بالنسبة لى كطفل صغير فقد كانت تشعرنى بأهميتى العائلية وتميزى الشديد بين إخوتى الذى جعل أمى تثق فى القيام بهذه المهمة الشاقة مع الحرص على فصل البلح عن النواه بمنتهى الدقة وكأنى أقوم بإحدى التجارب النووية التى سيتوقف عليها مصير الصائمين فى العالم نظرًا لما يمثله الخشاف فى نفوس المصريين كجزء أساسى من أهم ملامح هذه السفرة فى الشهر الكريم فكيف نصوم دون أن نفطر على بلح وخشاف وكدهون وبعد أن أثبت نجاحى فى مهمة تكسير البلح أسندت أمى لى مهمة أكثر دقة وتحتاج لمهارة وفن وتخطيط وموهبة لا يمتلكها غيرى من أفراد الأسرة ألا وهى مهمة إعداد السلطة الخضراء قبل مدفع الإفطار بقليل حتى تحتفظ بطزاجتها ولقد تعاملت معها كلوحة فنية أعيد تشكيلها يوميًا لمدة ثلاثين يومًا لأثير إعجاب أسرتى بقدرتى على الإبداع فى رص وترتيب قطع الطماطّم والخيار والجزر والبصل بشكل فنى مميز ومن كانت سعادتى عندما يشيد أبى بتصميم طبق السلطة اليومى وكدهون.
ولا أنسى أبدًا احتفالية القطايف والكنافة التى تجيد صنعها أمى بالعسل وبالمكسرات والكريمة فقد كان لها طعم ورائحة محبب ومختلف تلك التى نشتريها اليوم جاهزة من محلات الحلويات الرائعة ولكنها خالية من روح أمى.
ولقد كان للمسحراتى سحر كبير بداخلى يوازى أسطورة بابا نويل وإن كان يتميز عن بابا نويل بأنه يتعمد يوقظنا من النوم لنستمتع بصوته وطبلته بعكس بابا نويل الذى يأتى ويذهب أثناء نومنا فلا نراه أبدًا رغم أنه يترك لنا الهدايا تبقى طبلة عم منعم المسحراتى أحلى هدية بالنسبة لي وهو يهتف بأسماء جميع أفراد الأسرة بالترتيب على حسب أعمارهم وأظل أنتظر سماع اسمى مصحوبًا بطبلة عم منعم وكأنى أستلم جائزة التفوق على كل ما بذلته من جهد خلال نهار رمضان وكدهون.
كبرت قليلاً وارتبط رمضان بداخلى بأسئلة الجمهور المتكررة كل عام لمشايخ الفضائيات من نوعية هل الشطافة تفطر يا مولانا؟؟ أو اللبوس كدواء مضطر لتناوله أثناء الصيام؟؟ وكذلك السؤال عن الحقنة فى نهار رمضان؟؟ وكيفية إنقاذ الصيام إذا سهى الصائم وشرب أو أكل بالخطأ ؟ وتتوج هذه الأسئلة دائما بالسؤال الرومانسى جدا وهو عن القبلة بين الزوجين تفسد الصيام يا مولانا؟؟ وعادة يرد الشيوخ على هذه الأسئلة البرئية كل عام بنفس الإجابات المعتادة بكل جدية وحزم حتى أصبحت من ضمن طقوس رمضان بداخلى التى أنتظرها من العام للعام وكدهون ويبقى الفانوس المصرى أبو شمعة من أجمل مفردات رمضان لأبناء جيلى وأكبر مغامرة طفولية مسموح بها فى ذلك الوقت نظرا لأننا نلعب بالنار «لإشعال شمعة الفانوس» وتلك مغامرة مثيرة عندما نطفئ الأنوار ونشعل الشموع ونضعها فى قلب الفانوس ونشكل دائرة كبيرة يشترك فيها كل أطفال الأسرة والأسر المجاورة وتتحول الفوانيس مجتمعة لعقد براق مصنوع بدقة من الزجاج الملون والنحاس ونور الشمعة يرقص بداخله على نغمة أغنية وحوى يا وحوى ينير ليل رمضان بالبهجة والضخكات الأطفال البرئية وكدهون.
كانت الإذاعة هى شريك الأساسى للأسرة المصرية على الإفطار ببرامجها الخفيفة ذات الإيقاع السريع دون أى ابتذال أو سطحية ثم يأتى ميعاد الضحكة مع ثنائى البهجة فؤاد المهندس شويكار حيث قدما المسلسل الرئيسى فى الإذاعة لسنوات عديدة حتى صارا من ضمن ياميش رمضان وبعدها تأتى فوازير الإذاعية الشهيرة آمال فهمى وصلاح جاهين حيث ينصت الجميع لسماع الفزورة التى تكررها المذيعة مرتين على التوالى وكل أفراد الاسرة متحفز حتى يصل للإجابة الصحيحة قبل الآخرين وينتهى الإفطار لتنتقل بمنتهى السرعة للصندوق السحرى فى ذلك الوقت وهو التليفزيون المصرى وحواديته الشيقة التى لا تنتهى حتى مطلع الفجر وكدهون.
اكتشفت منذ سنوات قليلة مقدار الخديعة التى تعرضنا لها كأطفال أبرياء أن بوجى وطمطم عبارة عن أرنب وقرد رغم أنهم إخوات ولكنا تغاضينا عن تلك الخديعة لا وصدقناهم وتابعناهم لسنوات كثيرة بمنتهى المتعة والاستمتاع بشخصياتهم الطيبة خصوصا طنط شفيقة ومرمر وزيكا وزيكو وعم شكشك وفلافيو وأصبحنا أسرة واحدة نضحك معهم وعليهم ونستفيد من أخطائهم وكدهون.
وبالنسبة لى كانت أغنية محمد منير بكار أبو كف رقيق وصغير ومعزته رشيدة وصاحبه حسونة أهم كثيرًا من المسلسل نفسه وأحيانًا بأكتفى بالاستماع بالأغنية فقط لأتأكد أننا فى رمضان فعلا وكدهون.
تحتل فوازير عمو فؤاد الصدارة فى قلب وعقل كل طفل مصرى كأحد أهم طقوس رمضان أداء فؤاد المهندس المنغم وصوته المليء بالطيبة والحنية وضحكته البرئية وكأنه طفل كبير يشارك الصغار عالمهم بمزيد من البهجة والفرحة والمعلومات العامة البسيطة التى تحفز الطفل على البحث والتفكير والقراءة بعيدا عن المناهج الدراسية الجافة وكبرنا وأصبح عمو فؤاد جزءا مهما من وجداننا وأحيانًا أجد نفسى الآن أدندن عمو فؤاد عمو فؤاد بيلف بلاد عمو فؤاد رايح يصطاد وكدهون رمضان يعنى ذكريات طفولتنا ولمة العيلة وفرحة العبادات والعطاء وعمل الخير وكدهون شهر له روح جميلة وذكريات قديمة وبهجة فى القلوب ومحبة للجميع.