الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك..حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان الاحترام المتبادل للسيادة والخصوصية ضرورى لوقف صدام الحضارات "1"

حقك..حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان الاحترام المتبادل للسيادة والخصوصية ضرورى لوقف صدام الحضارات "1"

تطل نظرية صدام الحضارات من بين ثنايا الصراع المحتدم بين روسيا والغرب على الأرض الأوكرانية، وتفتح باب الجدل اللامتناهى حول كل كثير من الأفكار ربما أخطرها الخلافات الثقافية وفى مقدمتها قضية حقوق الإنسان واختلاف زاوية النظر إليها، حيث يرى الغرب الليبرالى أنه يمتلك الصوابية المطلقة فى تطبيق نظرياته المتعلقة بحقوق الإنسان وأن على العالم قبول تلك النظريات، ولا ترى سبيلا لتطبيق ذلك الفهم خارج إطار الضغط السياسى المستديم على الأنظمة السياسية الرافضة والمتمسكة بالخصوصية الثقافية والتمايز الحضارى الفاصل بين الغرب والشرق. 



وطفت على السطح كلمات الفيلسوف الروسى ألكسندر دوجين وأحد المتنبئين بالعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا عن أن أصل الصراع نابع من رفض روسيا لتحكم العالم أحادى القطب والبحث عن عالم متعدد الأقطاب، وأن يفرض الشرق احترامه، سواء على المستوى الأمنى أو الاقتصادى أو السياسى، وان تحترم الليبرالية الغربية تنوع الشرق وتمسكه بخصوصيته الثقافية وإرثه الحضارى الممتد عبر مئات السنين.

ما قاله دوجين وما تنبأ به صمويل هنتنجتون من حالة الصراع بين الحضارات والصدام المتوقع بينها تحول من حالة النظرية الجامدة إلى واقع صراع دموى تتخوف البشرية من تحوله إلى تراشق بالصواريخ النووية.

حالة الحرب بين الشرق والغرب انتقلت من البرودة إلى السخونة واندفعت موجاتها مثل الحمم المتدفقة عقب انفجار البركان، تتقدمها قضية حقوق الإنسان، بعدما تحولت إلى قضية محورية فى الصراع الدائر، وتمسك كل طرف بوجهة نظره رغم أن التوافق السابق على الاعلان العالمى لحقوق الإنسان والذى صاغته الأمم المتحدة من أجل تحقيق الحرية والعدل والمساواة بين كل البشر فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان محاولة لجبر خاطر البشرية بعد مذابح الحرب.

وبعد أن تحول الإعلان إلى واقع برزت اتجاهات متباينة حول إشكالية العالمية والخصوصية الثقافية؛ أولها الاتجاه الذى يدعو إلى عالمية الحقوق وتوحيد تطبيقها على جميع الأسر البشرية دون استثناء أو تمييز، وثانيها الاتجاه المتمسك بالخصوصيات الثقافية، والذى يدعو إلى تطبيق حقوق الإنسان على نحو يتوافق ويضمن احترام الخصوصيات التى تميز كل الشعوب والمجتمعات، وأخيرا الاتجاه الذى ينادى بالتوفيق بين عالمية حقوق الإنسان والخصوصية الثقافية.

وتتجلى أهمية الموضوع فى أن جدلية حقوق الإنسان والخصوصية الثقافية تعانى من صراع فى المفاهيم والرؤى وتوظيفات سياسية، من قبل الفاعلين الدوليين، وتتعامل بعض المؤسسات الدولية معها بشكل انتقائى ومعايير مزدوجة تسعى للتدخل من خلالها فى شئون الدول الداخلية.

التنازع بين عالمية وخصوصية حقوق الإنسان، أثير أثناء المؤتمر الدولى لحقوق الإنسان المنعقد بفيينا سنة 1993، والذى أكد فى تقريره الختامى على كون جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة، وبعدها شكلت قضية العالمية والخصوصية مثار جدل فى مجتمعات العالم النامى، نظرا لسيطرة الغرب على المفاهيم والقضايا والانتقائية فى ذلك حيث يتم تقديم بعض الحقوق على الأخرى، على خلاف ما تحتاجه الشعوب فعليا فى مرحلة ما، واستخدام ذلك ضد الدول من نافذة وجوب تطبيقها فى كافة المجتمعات الإنسانية أيا كان موقعها، وتجاهل التمايزات الاجتماعية والسياسية والثقافية التى تميز كل مجتمع عن الآخر.

المدهش هو تعامى الغرب عن انتهاكات حقوقية تحدث على أرضه أخطرها مظاهر العنصرية أو كراهية الأجانب والتى تتنافى كليا مع المبادئ الحقوقية، وتؤكد أن استخدام حقوق الإنسان ما هو إلا أداة للهيمنة والسيطرة والتدخل فى شئون الدول لتوجيهها فى مسارات تخدم مصالح الدول الكبرى بل يمكن النظر إليها على أنها صورة استعمارية جديدة تستخدم حماية حقوق الإنسان.

وذلك ليس وليد اللحظة بل إنه كان واضحا منذ البداية حيث قام الغرب باستخدام حقوق الإنسان، كأداة إيديولوجية هجومية، سلطت لفترة طويلة على بلدان المعسكر الشرقى، قبل انهيار الاتحاد السوفياتى، ولذلك ليس من المستبعد اليوم توظيفها واستثمارها لإحكام السيطرة على العالم النامى ومنعه من الالتحاق بأى معسكر آخر بخلاف المعسكر الغربى، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف بلورت الدول الغربية خطابا هجوميا آخر، مفاده أن تمسك الدول بخصوصيتها الثقافية، ومقاومتها لما تحاول الدول الغربية فرضه ما هو الا تبريرا للانتهاكات الموجوده، رغم أن الحقيقة تقول عكس ذلك حيث تحاول القوة الناعمة الغربية طمس هويات الدول عبر أدوات العولمة المتعددة خاصة فى حقل الإعلام والسوشيال ميديا، وفرض قيم معينة عبر متابعة برامج منصات دولية مثل نيتفليكس، من بينها قبول الشواذ جنسيا فى المجتمعات العربية وهى مسألة تمس العقيدة الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود حيث أجمعت الأديان السماوية على رفض الشذوذ والالتزام بفطرة الإنسان وكيان الأسرة.   

انطلاقا من تلك النقطة المحورية سنرى أن الضغط الغربى فى كثير من القضايا الحقوقية يتعارض بشكل أساسى مع القيم الثقافية والهوية الثابته للمجتمعات الشرقية بصفة عامة، وبالتالى ليست كما يصورها الغرب على أنها خلافات مفتعلة، أو صراعات يتم استغلالها سياسيا وإيديولوجيا، بل هى بل هو صراع بين مرجعتين مختلفتين؛ ومن حق الجميع بحسب مرجعيات حقوق الإنسان أن يدافع عن نفسه وعن هويته الثقافية وخلفيته الحضارية.

مجريات الأمور تدفع باتجاه اقتناع الغرب أن حدود حقوق الإنسان تنتهى عند حدود نظرته، كما أنه يظهر بوضوح شعور الغرب بتهديد دائم من طرف أى نظام اجتماعى وقيمى يختلف عنه، وعليه فالغرب له نظرة خاصة للحقوق، ويعتبر أن جميع الأفراد المنتمين إلى ثقافات أخرى ولديهم نظرة مختلفة حول محتوى حقوق الإنسان، هم مضطهدون يجب تحريرهم من هذه النظرة التسلطية وغير العادلة.

الخاسر الأكبر من حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان هو مفهوم سيادة الدول، حيث أصبح التدخل الخارجى حاضرا وبقوة وبشكل يمس قدرة الشعوب غير الغربية على حكم نفسها بنفسها، بل حتى بين القوى العظمى بعضهم البعض، وربما إشارة الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال خطابه فى بولندا لضرورة عدم استكمال الرئيس فلاديمير بوتين لمدته فى خضم العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا والتى تعارضها الولايات المتحدة يعطى دلالة لمنطق تفكير الدول الغربية ولسعيها لإزاحة قيادات غير مرضى عنها غربيا من الحكم.

صحيح أن بايدن تراجع عن تصريحاته، واعتبرها الاعلام الأمريكى «زلة لسان»  لكنها دالة على منطق التفكير الغربى ومدى احترامهم لقواعد الديمقراطية حينما تأتى بنتائج غير مرضى عنها غربيا، وتساهلها مع تغييرات أنظمة الحكم بطرق غير ديمقراطية إذا ما توافقت مع الهوى الغربى.  

ولكن هل أصبح لحقوق الإنسان كل هذا التاثير فى النظام الدولى؟

الإجابة نعم، وتحديدا فى الشرق الأوسط لأنها أصبحت جزءا من السياسات التدخلية للقوى الغربية وهى القوى العظمى المهيمنة على النظام العالمى الجديد. 

هذه السياسات التدخلية ظهرت الشرق الأوسط عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر وغزو العراق، ووضعتها تحت مسميات عده مثل الهيمنة الأمريكية، والعالم أحادى القطبية، وقد مارست الولايات المتحدة هيمنتها بأكثر طريقة بالتدخل العسكرى كما حدث فى العراق، وتمكنت بسطوتها الإعلامية من صياغة خطابا دعائيا صورت فيه الغزو كمقدمة لإحداث تحول ديمقراطى فى العراق،  ومع تولى الرئيس السابق باراك أوباما مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة، تخلت الولايات المتحدة عن سياسة الدبابة وبدأت فى تبنى خطاب منظمات حقوق الإنسان ودعمها للتسلل من خلاله إلى داخل العديد من الدول وتحقيق المصالح الأمريكية بوجه حقوقى يخفى قبح التدخل فى الشئون الداخلية للدول وكسر سيادتها الوطنية.

لكل قوى عظمى فى عالم متعدد الأقطاب طريقتها الخاصة فى العمل، وقد اختارت القوى الغربية نشر الديمقراطية ودعم منظمات حقوق الإنسان منهج لدبلوماسيتها الخارجية، وكانت المفاجأة أن هذا الدعم لم يمنع الولايات المتحدة من الانسحاب من المجلس الدولى لحقوق الإنسان اعتراضا على بعض الانتقادات التى طالتها لاحتجازها أطفالا جرى فصلهم عن آبائهم المهاجرين عند الحدود المكسيكية الأمريكية، والتى وصفها مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان بأنها «غير رحيمة»، لكنها رغم الانسحاب لم تتخل عن إصدار تقرير سنوى عبر وزارة خارجيتها عن حالة حقوق الإنسان حول العالم والاعتماد فيه على تقارير مؤسسات حقوقية دولية ومحلية لإدانة الدول محل الاستهداف المباشر وغير المباشر، وهو ما يدفعنا للربط بين استخدام الولايات المتحدة لحقوق الإنسان بشكل مكثف فى سياستها الخارجية وبين حروب الجيل الرابع وهو المصطلح الذى صاحب انهيار الدولة الوطنية فى كثير من بقاع الشرق الأوسط، وسيطرة الإسلام السياسى بشكل سريع على مقاليد الحكم بدعم أمريكى أوروبى غير مسبوق، وهو ما مهد الطريق بعد ذلك لسيطرة تنظيمات إرهابية مثل داعش على مساحات واسعة من دولتى العراق وسوريا والتمدد نحو ليبيا ودول الساحل والصحراء فى أفريقيا.

وللحديث بقية.