ماكلتش رز وكدهوّن!.. أين قهوتى؟

 منذ سنوات طويلة جدًا وأنا أقرر فى بداية شهر رمضان أن أنتهز أيام الصيام وأعتبرها فرصة للإقلاع تمامًا عن التدخين وشرب القهوة الصباحية بكميات كبيرة طالما أستطيع الاستغناء عنها طول أيام الشهر الفضيل، إلا أنى أعود لعادتى القديمة للتدخين والقهوة فور انتهاء شهر رمضان مباشرة.. كما فعلتْ ريما التى رجعت لعادتها القديمة وكِدَهُوَّن..

 

ورغم سعادتى العظيمة بأيام وليالى الشهر الكريم وطقوس رمضان الجميلة وصلاة التراويح والاتفاق غير المعلن بين المصريين على وضع الفانوس العملاق فى مدخل البيوت..

وتعليق الزينات والإعلام الخيامية على كل الشرفات وكأنه فرح جماعى يشترك فى إحيائه  كل أفراد الشعب على اختلاف طبقاته وثقافاته يظل رمضان يجمعنا على نفس العادات والتقاليد كما تجمعنا طبلة المسحراتى على السحور ولمّة العيلة وجرعة المسلسلات التليفزيونية الرهيبة والاعلانات الضخمة وأغنية «مرحب شهر الصوم مرحب» المقررة علينا منذ عشرات السنوات حتى أصبحت من ضمن مفردات رمضان وكِدَهُوَّن.. إلا أنى أظل أفتقد لفنجان القهوة وسيجارتى الصباحية أكثر من شعورى بالجوع والعطش مما يجعلنى أعيش حالة من توتر طول الوقت مع انعدام رؤية وتركيز حتى انطلاق مدفع الإفطار وكِدَهُوَّن.. وبما إنى سأحرم من شرب قهوتى الصباحية لمدة ثلاثين يومًا بسبب الصيام فقد قررت أن أشربها مساءً وفى هدوء تام قبل السحور مباشرة وليكن ما يكون وكِدَهُوَّن.. وحتى لا تشعر بى زوجتى وأتعرض للوم وعتاب والتحذير من السهر وعدم القدرة على النوم بعد تناوُل القهوة فى المساء وبالتالى سأستيقظ متأخرًا ويضيع اليوم التالى وثواب الصيام ومواعيد العمل وتوصيل الأولاد للمدرسة وبالتالى ستضطر هى لأن تقوم بهذه المهمة مما يهدد يومها كله بالضياع مما يهدد أمن واستقرار الأسرة وكِدَهُوَّن.. وستستمر فى تأنيبى بمنتهى الهمة والنشاط على تناوُل القهوة فى المساء وتستمر فى التأنيب هذا دون مَلل أو كلل حتى فجر اليوم التالى مما يفقدنى معه تناولها أساسًا وكِدَهُوَّن.. قررتُ أن أصنع جريمتى هذه فى هدوء الليل والليل سَتّار وبعد أن نام الجميع مشيت على أطراف أصابعى كراقص باليه محترف حتى لا أحدث ضجة ويقع المحظور وتستيقظ زوجتى من غفلتها ويحدث ما لا يُحمد عقباه وكِدَهُوَّن.. كللت مهمتى بنجاح ووصلت البلكونة دون أن يشعر بى مخلوق وجلست فى هدوء أصنع قهوتى بمزاج العاشقين وعلى السبرتاية القديمة كما كانت تفعلها فردوس محمد ومارى منيب فى أفلام زمان بمنتهى المتعة والاحتراف لا يعوق اندماجهما فى التمثيل مصحوبًا بصوت النشيد الوطنى لشهر رمضان؛ مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت بأمان تنبعث من كل أجهزة الإذاعة والتليفزيون فى الشارع والشوارع المجاورة وفوانيس رمضان خلق بهجة فى النفوس واشعلتُ سيجارتى واستعداد لأول رشفة من قهوتى المسائية والاستمتاع بنجاح مغامرتى الصغيرة هذه إلا أن متعتى ما لبثت أن تحولت لصدمة واندهاش عميق بدخول زوجتى فى كامل نشاطها وحيويتها وهى تحمل صينية فاخرة عليها فنجان قهوة وزجاجة مياه معدنية مشبرة وجلست إمامى ترتشف قهوتها وهى تقول لى بشماتة وبتشفى لا يليق بأول أيام رمضان؛ أنت لمّا عملت دوشة فى المطبخ وفضلت تخبط فى الحلل وبتدور على برطمان البُن والسبرتاية القديمة صحيتنى من نومى مفزوعة واتخضيت عليك افتكرتك بتمشى وأنت نايم يا حرام وبعدين لقيتك دخلت البلكونة ولعت السبرتاية وبتعمل قهوة بمزاج شجعتنى أشرب قهوة أنا كمان لأنى كنت عايزة أشربها قبل ما أنام كنت مكسّلة بس قمت عملتها بسرعة على ماكينة القهوة اللى بالكهرباء وكِدَهُوَّن.. بقيت وحدى أقاوم إحباطى لفشلى فى أول مغامرة أقوم بها منذ عشرين عامًا فنظرت لها فى ذهول من هول المفاجأة وكيف أحدثت ضجة أيقظتها من نومها رغم كل هذا الحرص من جانبى والذى جعلنى أنى أسير على أطراف أصابعى وكِدَهُوَّن.. واصلت حديثها قائلة: أنا لو ماشربتش قهوه دلوقتى هافضل طول اليوم أعانى من صداع رهيب وما قدرش أروح الشغل ولا أعمل أى حاجة لغاية الفطار وكِدَهُوَّن.. هاجمتنى أسئلة كثيرة بداخلى تتساءل كيف مع كل هذا الحرص الذى ذهب مع الريح مع اقتحامها خلوتى وإفسادها لحالة الاسترخاء والمتعة المصاحبة لتناول القهوة مع السيجارة بمفردى فى البلكونة وكِدَهُوَّن.. تأكدت بالدليل لفعلى أنى مراقَب فى منزلى صباحًا ومساءً ولا جدوى من أى محاولة ساذجة منّى للهروب من هذه  المراقبة الزوجية حتى فى رمضان وكِدَهُوَّن.. وبعد أن استوعبت الصدمة قررت أن أتعامل مع الواقع بعقلانية وألا أسمح لأى إنسان أن يفسد مغامرتى وأن أستمتع بقهوتى بمشاركة زوجتى العزيزة التى قفذت فجأة من جوارى كإحدى بطلات القفز السريع فى الأولمبيات فور أن سمعت دقات طبلة المسحراتى  لتحضر سحور أول أيام الشهر الكريم وتوقظ الأولاد من نومهم حتى يتمكنوا من الصيام  لأول مرة فى حياتهم وبقيت أنا بمفردى فى البلكونة أرتشف باستمتاع آخر فنجان قهوة قبل الصيام وكِدَهُوَّن.. رمضان كريم.