السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بفضل القرارات الإصلاحية الجريئة الاقتصاد المصرى قادر على تخطى الأزمات

رغم إعلان الحكومة تخفيض توقعاتها الاقتصادية للعام المالى والذى سيبدأ فى شهر يوليو المقبل، وعزمها إعادة هيكلة الموازنة العامة بما يتسق مع مستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية، ووضع حلول وتوقعات للتعامل مع السيناريوهات الأكثر تشاؤمًا، للتخفيف من حدتها مع خفض عجز الموازنة إلى 6.1 % من الناتج المحلى الإجمالى، فإن ضبابية المشهد الآن هى التى تحكم أغلب آراء الاقتصاديين والمحللين فى تفسيرهم للوضع الاقتصادى الأسوأ الذى يمر به العالم، فالاقتصاد المصرى عانى الأمرين قبل 8 سنوات، وكنا على حافة مرحلة كارثية كانت ستؤدى بنا إلى إعلان الإفلاس، خاصة فما يتعلق بالوضع المصرفى، حيث اقترب الاحتياطى النقدى من أقل مستوى له فى التاريخ؛ حيث وصل إلى 13 مليار دولار فقط، وهو ما لا يكفى السلع الرئيسية سوى لبضعة أشهر، بالإضافة إلى غياب التمويل عن المشروعات القومية والمشروعات الإنتاجية والمدن الصناعية الجديدة، وغياب الاستثمارات بسبب الانفلات الأمنى، بل خروج استثمارات من السوق نظرًا للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية وانقطاع الكهرباء والغاز عن المصانع وتوقف الإنتاج فى بعض المصانع.



ولا يمكن أن ننسى التحديات والأزمات الكبيرة التى مر بها الاقتصاد المصرى كأحداث شرم الشيخ وطابا ودهب عام 2006، والأزمة المالية العالمية وأزمة ارتفاع أسعار الغذاء عامى 2007 و2008، وثورة 25 يناير 2011، والانفلات الأمنى، وأحداث الإرهاب الدامية، وعندما بدأنا نشهد حالة من الاستقرار السياسى ونجنى ثمار الإصلاح الاقتصادى، جاءت أزمة وباء جائحة كورونا التى أصابت العالم، وما كاد العالم يتعافى من هذه الأزمة، حتى بدأت أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة، ثم جاءت الحرب الروسية والأوكرانية.

 تغير مؤشرات الاقتصاد

قبل 2014 كانت مؤشرات الاقتصاد المصرى أسوأ ما يكون، وكلها تغيرت تماما فكانت معدلات النمو قبل تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم ضعيفة جدًا وسجلت 3.7 % تقريبا فى 2013، لكن حاليًا ومع الدفعة الكبيرة للاقتصاد المصرى وصلنا إلى 5.6 %، وهذا يعود فى المقام الأول إلى استمرار النشاط الاقتصادى للقطاعات المختلفة فى مصر بصورة جيدة منذ بدء برنامج الإصلاح وتوفير عملة صعبة بصورة منتظمة ومحاربة وجود سعرين للدولار إلى جانب بعض الإصلاحات الهيكلية لمواجهة الترهل والبيروقراطية فى جهاز الدول الاقتصادى.

 

تعافى النشاط الاقتصادى خلال السنوات الماضية

فضلاً عن تعافى النشاط الاقتصادى خلال السنوات الماضية والمرونة الكبيرة، مما نتج عنه انتعاش فى الاستثمارات سواء المباشرة أو غير المباشرة، وانعكس هذا على حجم الصادرات والصناعة الوطنية، حيث ارتفعت الصادرات السلعية لـ 25 مليار دولار بجانب تحول مصر إلى مركز إقليمى للغاز واكتشافات بترولية بالجملة، مشيرًا إلى أن الإنجازات الخاصة بالدولة انعكست على ملف الحياة الاجتماعية بعد ضبط الموازنة وتوجيه الفائض للأغراض الأخرى الخاصة بتنمية حياة المواطن، بمخصصات تخطت 89 مليارًا لدعم السلع 37 مليارًا للأجور و20 مليارًا لتكافل وكرامة وغيرها من المخصصات.

وهذا ما أكده د.خالد الشافعى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية قائلاً لنا: إن الاقتصاد المصرى سجل عدة قفزات ويمكن وصفها أنها كانت بداية حقيقية لجنى ثمار برامج الإصلاح الاقتصادى الذى تقوم عليه مصر منذ منتصف 2016 ومنها انحسار الموجة التضخمية بصورة ملحوظة وتحقيق فائض أولى فى الموازنة العامة للدولة.

 مراحل الإصلاح

واجهت السياسة النقدية الكثير من التحديات كالتراجع الحاد فى معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى، والانخفاض الشديد فى حجم تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، وارتفاع معدل التضخم، والتدخل الحكومى فى السياسة النقدية والمصرفية، وانخفاض الاحتياطى من النقد الأجنبى، ووجود سوق موازية أو سوداء للصرف الأجنبى، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع حجم القروض المتعثرة، وجاءت عمليات الإصلاح المصرفى لضمان وجود مؤسسات قوية تعمل بكفاءة وقادرة على مواجهة التحديات، ومع وضع إطار جديد للسياسة النقدية يتسم فى ظل نظام مرن لسعر الصرف مع المحافظة على حرية تدفقات رءوس الأموال، وخلق سوق موحدة للصرف الأجنبى، ويعكس العرض والطلب، وجاءت المرحلة الثانية 2009 إلى 2011 والتى استهدفت استثمار المرحلة الأولى لتعزيز الثقة فى سوق الصرف والسياسة النقدية ورفع كفاءة أداء وسلامة الجهاز المصرفى وزيادة تنافسيته ومقدرته على إدارة المخاطر، وتطبيق مقررات بازل والتى استمرت من 2009 حتى 2

 انهيار الجهاز المصرفى خلال 2011

أصعب فترة مر بها الجهاز المصرفى المصرى هى بعد ثورة 25 يناير 2011، فقد انهار النظام السياسى والأمنى، وحدثت حالة من الزعر لدى المستثمرين مصريين أو أجانب، وأدى عدم الاستقرار إلى هروب لرءوس الأموال، وتراجع التدفقات من النقد الأجنبى من السياحة والاستثمار الأجنبى، وحدث تراجع فى معدلات النمو الاقتصادى - حيث أسفرت عن تحقيق معدل نمو سالب 3.8 % فى النصف الأول من عام 2011، وارتفع عجز الموازنة خاصة مع تلبية المطالب الفئوية، وكذلك العجز الدائم فى ميزان المدفوعات، وهو ما دفع إلى تعويض العجز بالاعتماد على العالم الخارجية من منح وودائع وقروض، وارتفع التضخم الذى كان جزءا كبيرا منه بسبب تراجع قيمة الجنيه المصرى، ونهض البنك المركزى بدوره فى محاربة التضخم، واتخذ العديد من الإجراءات منها: خفض نسبة الاحتياطى القانونى من 14 % إلى 10 % لتوفير المزيد من السيولة للبنوك. والإبقاء على سعر الفائدة 9 % للإيداع و10 % للإقراض. والإعلان فى يناير 2016 عن مبادرة الجهاز المصرفى بضخ 200 مليار جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة.

 تعويم الجنيه

وشهد عام 2016 استمرارًا فى نقص المعروض وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وأدى ذلك إلى التدهور المستمر لقيمة الجنيه المصرى، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 7.63 جنيه مصرى إلى 8.88 جنيه مصرية مع وجود فجوة بين سعر الصرف الرسمى وسعر الصرف فى السوق السوداء، وذلك أدى إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار. وقام البنك المركزى برفع الفائدة لتصل إلى 11.75 % للإيداع و12.75 % للإقراض، ولكن معدلات التضخم وصلت إلى 14 % فى 2016. ولتأتى قرارات الإصلاح الاقتصادى فى 3 نوفمبر 2016، فتم الإعلان عن تحرير سوق الصرف (تعويم الجنيه المصرى) وتخفيض الدعم على المنتجات البترولية، وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة الجنيه بنحو 50 % وارتفاع سعر المنتجات البترولية إلى 45 %، ووصل سعر الدولار أمام الجنيه المصرى إلى 13.5 جنيه مصرى مقابل 8.65 جنيه مصرى، وارتفع أيضًا فى نهاية شهر نوفمبر إلى 17.7 جنيه، ثم ارتفع مرة أخرى فى 20 ديسمبر ليصل إلى أعلى سعر 19.13 جنيه، ويرفع البنك المركزى الفائدة إلى 14.7 % للإيداع و15.7 للإقراض ويطرح عدد من البنوك وعاءً ادخارياً بفائدة 20 % لامتصاص السيولة، وخفض التضخم، وكانت النتيجة انتهاء السوق السوداء، وتراجع التضخم، وتحسن قيمة الجنيه أمام الدولار.

وخلال الفترة من 2017 حتى بداية 2020 استطاعت السياسة النقدية، بالتنسيق مع الحكومة تحت مظلة القيادة السياسية الواعية، ففى عام 2017 تحسنت قيمة الجنيه من 19.13 جنيه للدولار إلى 17.6 جنيه بقيمة انخفاض 1.53 جنيه، واستقر قيمة الجنيه خلال عام 2018 مع انخفاض بسيط فى قيمته 20 قرشاً، وفى عام 2019 بدأ التعافى فى الاقتصاد والتحول الحقيقى نحو النمو، حيث وصل معدل النمو 5.6 % مقارنة بالسنة الماضية 5.3 %، واستقر الجنيه عند 15.9 جنيه للدولار.

 جائحة كورونا

وجاءت الجائحة فى مارس 2020، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية والنقدية، والقدرة على مواجهة المخاطر من قبل البنك المركزى والحكومة، تمكّن الاقتصاد من تحمل تبعات أزمة فيروس كورونا التى أصابت كل دول العالم.

واتخذ البنك المركزى العديد من الإجراءات لحماية القطاع المصرفى، وحماية مكتسبات الإصلاح الاقتصادى، وفى الوقت نفسه تنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة، مع الحفاظ على مستويات التضخم، وقيمة العملة المصرية.

وتمثلت أهم تلك المبادرات والإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصرى، فى تأجيل جميع الاستحقاقات الائتمانية للعملاء لمدة 6 أشهر اعتباراً من 16 مارس 2020، وطبقت على المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، مع عدم تطبيق عوائد وغرامات إضافية على التأخر فى السداد.

البنك المركزى يطلق عدة مبادرات لدعم القطاع الخاص بقيمة 100 مليار جنيه

وأطلق البنك المركزى أيضاً عدة مبادرات لدعم القطاع الخاص الصناعى والزراعى والمقاولات بقيمة 100 مليار جنيه بعائد 8 فى المائة متناقص، ومبادرة أخرى لدعم قطاع السياحة بقيمة 50 مليار جنيه، ومبادرة التمويل العقارى لمتوسطى الدخل بقيمة 50 مليار جنيه بعائد 8 فى المائة متناقص أيضاً، بجانب المبادرة الرئاسية للتمويل العقارى لمحدودى ومتوسطى الدخل بقيمة 100 مليار جنيه بعائد 3 فى المائة متناقص.

د. على عبدالرءوف الإدريسى الخبير الاقتصادى قال: قبل برنامج الإصلاح الاقتصادى كانت مصر تطبق سياسات اقتصادية كلية غير متسقة وغير فعالة، مما أدى إلى تراكم اختلالات اقتصادية كبيرة، وزيادة كبيرة فى عجز الموازنة وبجانب عدم فعالية السياسة النقدية التيسيرية وسعر الصرف الثابت أدى إلى انخفاض بالغ فى احتياطيات النقد الأجنبى وارتفاع التضخم وارتفاع الدين العام إلى مستويات لا يمكن الاستمرار فى تحملها. وقد انخفضت معدلات النمو وارتفعت مستويات البطالة.

استعادة الاستقرار الاقتصادى الكلى

وأضاف: كانت أهم أولويات الإصلاح الاقتصادى هى استعادة الاستقرار الاقتصادى الكلى وتجنب وقوع الأزمة، فعلى سبيل المثال، أدى التحول إلى نظام سعر الصرف المرن إلى استعادة التوازن فى سوق الصرف الأجنبى، والقضاء على مشكلة نقص النقد الأجنبى، وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة المصرية خطة طموحة ثلاثية الأعوام لكبح عجز الميزانية الذى بلغ أعلى المعدلات على مستوى المنطقة حيث تجاوز 10 % من إجمالى الناتج المحلى، كذلك قامت الحكومة بتضييق السياسة النقدية عن طريق رفع أسعار الفائدة. وقد كانت هذه الإجراءات بالغة الأهمية لتخفيض الدين العام كنسبة من إجمالى الناتج المحلى والحد من التضخم.

دعم الوقود

وتابع: هناك عنصر آخر مهم فى برنامج الإصلاح الاقتصادى وهو معالجة دعم الوقود، الذى كان يستنزف مبالغ طائلة من الميزانية، فقد أدى هذا الدعم إلى جعل سعر الوقود فى مصر من أرخص الأسعار فى العالم، مما شجع فرط الاستهلاك وعاد بالنفع على ميسورى الحال أكثر بكثير من الفقراء؛ لأن أصحاب الدخول المرتفعة أكثر استهلاكًا للوقود.

وقد أدى الإلغاء التدريجى لدعم الوقود إلى إفساح مجال أكبر فى الميزانية للإنفاق الاجتماعى الموجه بدقة أكبر للمستحقين، وزيادة الاستثمارات فى مجالات الصحة والتعليم ومشروعات البنية التحتية والمشروعات القومية».

معدلات الأداء الاقتصادى تبهر مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية

ولا يمكن أن نغفل معدلات الأداء الاقتصادى التى تحسنت بشكل مذهل أبهرت مؤسسات التمويل والتصنيف الدولية مقارنة بعام 2014، ولولا أزمة «كورونا» لحققت مصر قفزات فى مؤشرات الأداء المالى، حيث سجلنا منذ الأزمة المالية العالمية أعلى معدل نمو بنسبة 5.6 ٪ فى العام المالى 2018/2019، وقد حققت مصر ثانى أكبر معدل نمو اقتصادى فى العالم بنسبة

 3.6 ٪ خلال العام المالى 2019/ 2020، الذى شهد بدء «الجائحة» بتداعياتها وآثارها السلبية، وفقًا لصندوق النقد الدولى.

وجاءت مصر بحسب «بلومبرج»، ضمن الاقتصادات العشرة الأسرع نموًا فى العالم خلال عام 2020، واحتلت، وفقًا للإيكونومست، المرتبة الثانية عالميًا فى معدل النمو بعد الصين فى الربع الأخير من العام المالى 2018/ 2019، وتوقعت مؤسسة «هارفارد للتنمية الدولية» نمو الاقتصاد المصرى سنويًا بمتوسط 6.8 ٪ حتى عام 2027، وذلك انعكاسًا لتنوع وتطور القدرات الإنتاجية لمصر، ورفع البنك الدولى، فى أحدث تقاريره، توقعاته لمعدل النمو من 3.3 ٪ للعام المالى 2020/ 2021، إلى 5 ٪ فى العام المالى الحالى.

وحصدت مصر فى ظل برنامج الإصلاح الاقتصادى إشادات دولية عديدة على مدار السنوات الأخيرة، خصوصًا فى ظل تمكنها من مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية الكبرى والتى أثرت على العديد من القطاعات.