الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«طرطوس» قد يصبح مركزًا لتصدير القمح الروسى إلى دول المنطقة موانئ سوريا.... سلاح روسيا لفك الحصار

تتجه موسكو بشكل قوى إلى ربط موانئ الساحل السورى بميناء شبه جزيرة القرم الذى تسيطر عليه موسكو منذ سنوات، وذلك أملا فى استخدام ذلك الربط لفك الحصار الذى فرض عليها بعد فرض عقوبات قاسية استهدفت اقتصادها عقب غزوها لأوكرانيا.



من الطّبيعى أن تعيد موسكو رسم خريطة جديدة لتجارتها الخارجية، وقد تكون سوريا من الدول التى ستكون حاضرة على تلك الخارطة لأسباب سياسية متعلّقة بالتحالف القائم بين البلدين، وتعرضهما لعقوبات غربية مشتركة واقتصادية، وخاصة أن العقوبات الغربية على روسيا قد تستمر طويلًا، وربما تزداد شدتها خلال الفترة القادمة، تبعًا لنتائج العملية العسكرية فى أوكرانيا.

وتعتبر سوريا من أكثر الدول العربية المنخرطة فى الصراع الروسى الأوكرانى، سواء على المستوى الميدانى أو السياسى، فهى الدولة العربية الوحيدة التى أيدت العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا دون أى شروط أو تحفظ، وعارضت القرار الأمريكى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو القرار الذى أدان دخول روسيا أوكرانيا.

أرض ممهدة

منذ عام 2015، وحتى الآن، ثبتت روسيا فى سوريا «موطئ قدم» كبيرة، وبينما جعلت من نفسها طرفا أساسيا فى أى مسار سياسى يؤدى إلى «الحل»، انتشرت عسكريا فى مناطق متفرقة، أبرزها قاعدة «حميميم» ومرفأ طرطوس، كما هيمنت على قطاعات اقتصادية رئيسية، بموجب عقود طويلة الأمد.

كما أعلنت وزارة الاقتصاد السورية، فى وقت قريب سبق إعلان بوتين الحرب على أوكرانيا، أنها بصدد تأسيس شركة نقل بحرى مشتركة مع شبه جزيرة القرم، إلى جانب خط بحرى بين الجانبين.

وقال وزير الاقتصاد فى حكومة دمشق محمد سامر الخليل، فى تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية، إن «خط النقل البحرى مع جمهورية القرم سينعكس إيجابا على الاقتصاد السورى وسيوفر كلفة زمنية مهمة باعتبارها أقرب الموانئ الروسية إلى سوريا».

وأوضح الوزير أن «هناك خطة عمل مهمة بين البلدين، ما تم فى البداية هو تبادل معلومات تتعلق بالمواد التى سيكون هناك تبادل تجارى من خلالها حول كمياتها وأسعارها ووفق جداول توريد، وسيكون هناك تأسيس شركة نقل بحرى مشتركة وبأن يكون هناك خط بحرى بين البلدين خاصة أن موانئ شبه جزيرة القرم هى أقرب الموانئ الروسية إلى سوريا ولا تحتاج الرحلة البحرية بين البلدين إلا إلى 5 أيام فقط وبالتالى هناك تقنين فى الوقت والتكلفة».

تعاون اقتصادى ملح

تشكل القواعد الروسية فى طرطوس واللاذقية على الساحل السورى أماكن استراتيجية، الأمر الذى دفع وزير الدفاع الروسى سيرجى شويغو إلى قطع انشغاله بغرفة العمليات العسكرية فى موسكو، والقيام بزيارة إلى قاعدة حميميم فى سوريا وتفقد المناورات الروسية فى البحر المتوسط.

وفقا لمعهد دراسات الشرق الأوسط، أصبح التعاون الاقتصادى بين روسيا وسوريا أمرا ملحا بعد الغزو الروسى لأوكرانيا حيث يمكن أن تصبح سوريا الملاذ الآمن لروسيا لإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية.

وأشار المعهد إلى أن مراجعة روسيا لعملية استثمار مرفأ طرطوس يمكن أن تجعلها تستفيد من أهميته الاستراتيجية كقاعدة اقتصادية متقدمة فى ضوء محاولات الغرب تطويق روسيا.

ووفقا للخبير فى شئون الشرق الأوسط بالمعهد، أليكسى كليبنيكوف، التنسيق بين موسكو ودمشق يعنى أن سوريا لا تزال تمثل أولوية قصوى بالنسبة لروسيا. وقال كليبنيكوف أن اللحظة الحالية بالكاد يمكن أن تغير النهج العام لروسيا تجاه سوريا.

ومن بين الأفكار المهمة التى شجعت المسؤولين السوريين على الموافقة على الطلب الروسى المتعلق باستثمار المرفأ قبل عدة سنوات، هو إمكانية تحول هذا المرفق الحيوى المهم إلى محطة اقتصادية إقليمية تتولى مثلًا تصدير القمح الروسى إلى دول المنطقة، إضافةً إلى تطوير بنيته التحتية، ليكون قادرًا على تلبية الزيادة المتوقعة فى المستوردات العراقية التى تجرى عبره، وهو معروف منذ سنوات طويلة بالمرفأ العراقى، نسبةً إلى استحواذ المستوردات العراقية على القسم الأكبر من عمله. 

وقد أصبحت روسيا الدولة الأولى فى تصدير مادة القمح لسوريا، إضافة إلى الاتفاق على بناء أربع مطاحن للحبوب فى محافظة حمص بكلفة 70 مليون يورو، كما أنها لا تمتلك مخزونًا استراتيجيًا كافيا من القمح اللازم لصناعة الخبز، حيث تعتمد على الشحنات المستوردة كتلك الآتية من روسيا لسد حاجتها من هذه المادة الاستراتيجية.

ويتطلب التعاون من سوريا أن تقدم فرصًا مغرية وتوفر المقومات اللازمة لبيئة أعمال ناجحة، علاوةً على محاولة خلق شراكات استراتيجية بين المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال فى كلا البلدين، فهناك وجهات استثمارية أخرى إقليمية ستكون منافِسةً على استقطاب رؤوس الأموال الروسية، مثل الدول التى امتنعت عن التصويت على قرارٍ فى الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين العملية العسكرية الروسية، وتلك التى لم تفرض أى عقوبات أو قيود على تعاونها الاقتصادى مع روسيا.

 تنفيذ فعلى

ووفقا للوكالة الفرنسية، هناك ارتباطً كبيرً بين الملف السورى والأوكرانى، سواء حدث اتفاق بخصوص أوكرانيا أم لم يحدث، وبالتالى توسع التعاون الاقتصادى بين البلدين أمر حتمى فالمشروعات الروسية فى سوريا، والتى جرى إبرام عقود بشأنها بين مؤسَّسات سورية وشركات روسية، يمكن أن تشهد أيضًا إجراءات عمليّة تدخلها فى خانة التنفيذ الفعلى، وذلك من قبيل البدء بعمليات التنقيب الفعلى عن النفط والغاز فى المياه الإقليمية السورية.

ويواصل القطاع الخاص السورى مع نظيره الروسى، لبحث سبل زيادة التعاون الاقتصادى والاستثمارى بين البلدين، والاتفاق على مشروعات مشتركة تعود بالنفع على الجانبيين.

وتقوم الحكومة السورية بتقييم موضوعى لمعوّقات المناخ الاستثمارى فى البلاد، والخطوات والإجراءات العاجلة المفترض اتخاذها لتحسين بيئة الأعمال وطمأنة المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب.

 الاستثمار مقابل الإعمار

ووفقا لمركز «كارنيجى» للشرق الأوسط، تُعلّق موسكو آمالها الأكبر على الصين، فهى الجهة الأكثر ترجيحًا لتمويل إعادة الإعمار السورية فى المدى الطويل، فالصين – شأنها فى ذلك شأن روسيا – ترى فى الأسد حصنًا ضد التطرف الإسلامى فى المنطقة. 

كما أن تداعيات الحرب الأوكرانية أثرت على قطاعات النقل وأسواق المال السورية وأدت إلى ارتفاع كبير فى تكاليف التوريد، مما انعكس سلبا على سوريا.

ولجأت الحكومة إلى رفع أسعار المشتقات النفطية من غاز وبنزين والسولار لتضيف مزيدا من الأعباء على السوريين، مسببة زيادات متتالية وكاوية فى أسعار السلع التى يدخل الوقود فى إنتاجها ومنها وقود الأفران.

وتشهد الليرة السورية انهيارا غير مسبوق فى قيمتها، وهو ما يؤثر على جيوب المواطنين لاسيما الفئة العاملة لدى مؤسسات الدولة، التى تتقاضى أجورها الشبه ثابتة بالعملة السورية فرواتبهم لا تتعدى الـ40 دولارًا شهريًا».