السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر «شرف» بين فكّى  الإخوان واليسار؟ "9"

كيف ولماذا حكـــم السيسى مصـــر «شرف» بين فكّى الإخوان واليسار؟ "9"

نتذكر سويًّا ما حدث فى 25يناير حتى المرحلة الراهنة التى يحكم فيها الزعيمُ «السيسى» مصرَ، ومع كل سَطر تتكشفُ أمامَنا خيوط ملتفة ومكعبلة نسجَها شخوصٌ دخلوا حيز الأحداث باحثين عن دور ويرون الوطنَ (كعكة سُلطة) يجب أن يقضموا منها إذا لم يقدروا على التهامها كاملة، وآخرون يقدّمون مَظلمتهم من حُكم سابق تخلص من فشلهم فاعتبروه جائرًا ولم يتحمّل موهبتهم التى هى غير موجودة أصلًا، ولكنهم وهم يعرضون الجور عليهم يدفعون الثمَن معلومات عن فترة كانوا فيها ضمن السًُّلطة، وبمعنى أدق رجال الحكومة، ومن هذه النوعية الأخيرة ظهر د. «عصام شرف» فى ميدان التحرير يروى مَظلمته من دولة «مبارك» ويدلق المعلومات من فمه لمن يريد أن يعبئها ليستغلها.



ورُغْمَ أن «شرف وشفيق» تزاملا فى حكومة «نظيف»؛ فإن ميدان التحرير الذى كان يُعتبر السلم الخلفى لتنفيذ أجندات خارجية وداخلية نصب العداء لـ«شفيق» ونادى بـ«شرف» بعد أن انفضت الثورة النظيفة التى لم تحصل على حقها سوى ثلاثة أيام فقط؛ ليعتلى المنبر الثورى الفوضى والانتهازية السياسية من كل التيارات والأحزاب والحركات.. فى هذه الأجواء ظهر «عصام شرف» مرّة يؤمَّ الصلاةَ وأخرى يهتف مع اليسار بعد أن أفضَى بكل ما لديه عن عمله فى بلاط دولة «مبارك»، ونسى أنه كان وزير نقل أخفق فى عمله وتم الاستغناء عنه ولكن بدهائه الريفى أراد أن يقوم بغسيل سمعته عن فترة ولّت من حياته ويرمى بها على مَن يصيبه الهدف.

وفات على «شرف» أن مَن حوله درسوا شخصيته ووجدوه الرجُلَ المناسبَ لينفذ أجنداتهم جميعًا ويفسح مجالًا للمتنطعين سياسيًّا تحت مسمى «نشطاء» ليدخلوا دهاليز السُّلطة فى مصر ناهبين وليس مساعدين لنجدة البلاد والعباد، ظهور «شرف» فى التحرير وميله مرّة يمينًا إلى التيارات المتأسلمة وتارة يسارًا إلى تيارات هذا الاتجاه مجتمعة، ظهر للجميع صورة يمكن استغلال بطلها هذا الرجُل الذى فقدَ ظلَّه، وصارت النية مبيتة للتخلص من «أحمد شفيق» ورفع «عصام شرف» على الأعناق والوصول به ليترأس مجلس الوزراء وبعدها سيصير هو المنفذ لكل طلباتهم وأهدافهم ومتأكدين من أنه سيفعل هذا؛ لأنه لم يحلم بهذا فى يوم ما، وكل من حوله يدركون قدراته السياسية المحدودة التى لم يقدر مهنيًّا وهو وزير على توظيفها فكيف وهو المسئول عن حكومة كاملة فى ظرف عصيب للغاية!..

المهم حُمل «شرف» على الأعناق ونادت التيارات السابق ذِكْرها بأن الميدان يريده بأن يكون رئيس وزراء أنه الرجُل العبقرى الذى ظلمه «مبارك» ورجاله كما يدّعون وكأنه كان معروفًا قبل أن تأتى به حكومة «نظيف».. المهم أنهم تخلصوا من «أحمد شفيق» وأتوا برجُلهم حامل أجنداتهم.. فماذا حدث؟.

المجلس العسكرى و«شرف» الميدان

كان المجلس العسكرى يراقب عن كثب هذه الصورة مثلثية الأبعاد؛ ضلع إخوان وأربابهم، وضلع تيارات اليسار، وقاعدة المثلث هى: «عصام شرف» الذى يرتكن عليه الضلعان متوهمين أنه المنفّذ لأهدافهم، فهم يرونه سهل المراس والتأثير عليه، والأكثر أنهم مَن وضعوه على هذا الكرسى؛ فإنه لم ينصع لهم، فالتلويح له جاهز للتنفيذ.

كان المجلس العسكرى قد حدّد ميعاد الاستفتاء على التعديلات الدستورية ليكون يوم 19مارس 2011م، وهو محدد من أيام حكومة «شفيق» التى انتهت بإقالته فى 3مارس ليُنَصّب بدلًا منه وفى اليوم نفسه «شرف»، وعليه قال المجلس العسكرى لشرف إن مهمة إنجاز الاستفتاء هى من الضرورات الأولى حتى يتم تسيير حالة البلاد ولا يعطل الدستور، ولعِلْم المجلس بأن فى جيوب «شرف» أجندات للآخرين هم الذين يُحرّكونه، فبَعد أن شكل حكومته اجتمع المجلس العسكرى معه هو وعشرة من الوزراء الذين يحملون حقائب وزارية اقتصادية وخدمية، وبناءً على ما تم فى هذا الاجتماع قام «شرف» بإصدار بيان إلى الشعب المصرى قال فيه إن حكومته تستمد شرعيتها من ثورة 25يناير وأنها ستعمل على تحقيق أهدافها والوقوف بحسم ضد مخططات الثورة المضادة، وأنه إدراكًا من مجلس الوزراء لأهمية الدور الوطنى الذى يقوم به جهاز الشرطة؛ فإنه يهيب بالمواطنين التعاون والمساندة للشرطة للقيام بواجبها للقضاء على البلطجة التى شاعت، وأن القانون سيعاقب كلَّ من يتعرّض للمنشآت العامة والشرطية بصفة خاصة، وأن من حق النيابة والقضاء التفتيش على الأماكن المشتبه فيها، وأن المجلس سيقوم بإجراء حوارات وطنية مع كل أطياف الشعب وأحزابه ونقاباته ومنظماته وشبابه، وحثّ المواطنين على الامتناع عن الأعمال التى تعطل عَجَلة الإنتاج، وكان يقصد الاحتجاجات الفئوية التى زادت فى أثناء وزارته عمّا كانت عليه أيام «شفيق»، وكان المجلس العسكرى قد قام أثناء حكومة «شفيق» بتعديل قانون العقوبات وتغليظها فى المساس بأمن الوطن وترويع المواطنين حتى وصلت إلى الإعدام، وبسريان هذا القانون صارت حكومة «شرف» منفذة له.

ولكنْ بعد أيام قليلة من هذا البيان، قام مستشارو «شرف» الذين أحضرهم معه، سواء مَن فُرضوا عليه من الميدان أو مَن كان يعمل معه أيام أن كان وزير نقل.. المهم أنهم تهافتوا ليزفّوا لنا خبرًا مطلوبًا نشرَه على وجه السرعة يقول: (إن عصام شرف وأسرته تناولوا طعام الإفطار فى صباح يوم سبت بأحد المطاعم الشعبية المتخصصة فى وجبات الفول والفلافل بوسط البلد بالقاهرة، وقد انتابت مشاعر الدهشة والفرحة رُوّاد المطعم؛ خصوصًا من الشباب الذين كانوا بدورهم يتناولون وجبة الإفطار بالمطعم نفسه وأعربوا عن تمنياتهم لرئيس الوزراء بالنجاح فى هذه المرحلة، وأن حضوره مع أسرته يُعَد عودة للأمن والاستقرار).. انتهى البيان المهم الذى تصارع فيه كل مستشارى «شرف» ليعلنوا لنا مطالبين بسرعة نشره.. والحقيقة أنا لم أكتب هذا التزييف والهراء الذى هو سيناريو وإخراج من أتوا بشرف رئيس وزراء، هل هناك أكثر من ذلك فجاجة؟!.

شرف وسيناريو الأجندات

لم تهدأ الأطراف التى أتت بـ«عصام شرف» حتى وضعوا أذيالهم فى كل مكان بمجلس الوزراء، منهم المستشارون والمساعدون وأسماء كُثر كان على رأسهم «معتز عبدالفتاح وأحمد السمان وآخرون».

وقام «شرف» بإيعاز ممن يحركونه بإقالة د. «يحيى الجمل» الذى كان يشغل نائب رئيس الوزراء، فقام بدوره بكتابة استقالته وقدّمها للمجلس العسكرى الذى رفضها وأصَرَّ على وجوده بمجلس الوزراء وإلغاء قرار «شرف»، ووجّه المجلس لشرف كلامًا محددًا وصريحًا بأن يكف عن الإقالات التى صارت تصدر يوميّا أو الاستغناء كما حدث مع «مجدى راضى»- المتحدث الرسمى- محاولًا وضع «أحمد السمان» الذى كان يعمل مدير عام الأخبار بقناة «أون. تى. فى» بدلًا منه، وقد قام «شرف» بهذا بعد أن طالبه بذلك النشطاء وزادوا أن يستغنى عن 12 وزيرًا فى حكومته، وهو ما رفضه المجلس العسكرى جملة وتفصيلًا، وقالوا له: نعلم بالأجندات التى تحملها ولا تتخذ قرارات تحاسب عليها قانونيًّا وشعبيًّا. عند ذلك صار «شرف» فى موقف لا يُحسَد عليه، فكان يمكث اليوم بطوله فى مجلس الوزراء لا يبارحه حتى إن اجتماعاته وُصفت بأنها أطول اجتماعات فى تاريخ مجلس الوزراء منذ إنشائه، ولكنْ الحقيقة كان «شرف» يحبس نفسَه فى اجتماعات لا طائل منها، ولكن خشية المواجهة مع أصحاب الأجندات المكلف بها، وكل يوم تزداد حكومته أزمات وتعقيدات، ففيها كانت واقعة مشينة للفتنة الطائفية بمحافظة قنا عندما تم تعيين محافظ مسيحى هو اللواء «عماد شحاتة ميخائيل» وبتقليب من أرباب الجماعات المتأسلمة وعلى رأسهم «الإخوان» مُنع من دخول المحافظة وأرسل «شرف» أحد مستشاريه الناشطين ليقيم هناك ثلاث ليال ويدلى بتصريحات تؤجّج الموقفَ، ويزيد الطين بلة ما فعله «شرف» نفسُه عندما قام بالتواصل مع أهالى قنا عبر تويتر الذى لا يعرفونه والحقيقة أن هدفه كان التواصل مع أربابه من «الإخوان».

توالت الأحداثُ الاقتصادية فى حكومة «شرف»، وكان من الوزراء الذين لم أنسهم د.«جودة عبدالخالق» الذى كان يحمل حقيبة وزارة التضامن وهو المفروض اتجاهه اشتراكى ينتمى إلى «حزب التجمع» الذى يؤمن بالمساواة بين البشر، إلّا أنه كان متعجرفًا لا يتحدث مع الصحفيين إلا وهو واضع رِجْلًا على رِجْل، والأكثر أنه دومًا عصبيًّا من أى سؤال مش على مزاجه، وأيضًا مستهزئًا من كل شىء وكأنه هو الوحيد الذى مَنَّ الله عليه بنعمة الفهم، وأتذكر له فى أحد اجتماعات مجلس الوزراء تركه فى منتصف الانعقاد، وجاء إلى حُجرة الصحفيين لعَقد مؤتمر معنا لأن لديه جديدًا عاجلًا، وكانت الطامّة الكبرى عندما تفوَّه «جودة» وزَفّ بُشرَى فحواها واسمها «البطاقة الذكية» لتحقيق وصول عدالة الدعم لمستحقيه، هذا الدعم الذى سبقه اللواء «محمود نصر» مسئول الشئون الاقتصادية فى المجلس العسكرى وصرّح قائلًا بأن المستفيد منه 6 ٪ فقط من فقراء مصر فى حين يستفيد منه الذين لا يستحقونه بنسبة 28 ٪، ومع هذا فإن «جودة» كان «منشكحًا» على الآخر وهو يذكر أن أرقامًا مثل زيادة عدد البطاقات من 12 مليونًا لتصل إلى 17٫5 مليون بطاقة وأنه سوف يُطبق مبدئيًّا بالسويس ثم تُعَمم، ونسى «جودة» أن ما قاله بالنص موجود فى مَحاضر اجتماعات مجلس الوزراء لحكومة «أحمد نظيف»، وأن هذا سمعناه مرارًا وتكرارًا من «مصيلحى» فى دولة «مبارك»، ولم أسكت وتوجهتُ له بهذا الكلام وقلتُ له إنه قديم؛ ما الجديد؟! فرد علىّ بأنه يأخذ الدراسات القديمة فى الوزارة ويحدّثها، وعندما قلتُ له لم أجد فيما قاله تحديثًا، فرد هاربًا ليعود إلى اجتماع المجلس مرّة أخرى، وهكذا صارت حكومة «شرف» تعيش فى جلباب «نظيف»، علاوة على تفاقم المشاكل الجديدة التى لم تكن موجودة أيام «نظيف» وأنها وُلدت من رحم يناير 2011م، والأكثر من ذلك أن حكومة «شرف» كانت تضع كل يوم مشاريع بتعديل قوانين أو استصدار جديد، ولكن شدة خوفه من كل الأطراف تؤجلها «وصارت تلك القوانين كعب داير فى أروقة المكاتب.. المهم عنده أن يكون الإعلام بفَرعَيْه الصحافة والتليفزيون حاضرين علشان يقول إنه بيجى من 9 صباحًا حتى مثلها مساءً».

ماذا فعلت الكويت والإمارات مع شرف؟

بعد شهرين بالتمام مِن ترأس «شرف» مجلس الوزراء ظهرت مشاكل اقتصادية لم تكن فى الحسبان نتيجة ثلاثة أشياء قام بها، الأولى هى التصريحات المتضاربة والزج بالبنك المركزى فى كل صغيرة وكبيرة وهو الذى يعانى من انخفاض ودائع المصريين وتهاوى البورصة والأكثر الوعاء الادخارى للدولة الذى وصل إلى حد الكفاف، الأمر الثانى هو كم المستشارين والمساعدين الذين زج بهم «شرف» حوله بمجلس الوزراء بضغوط ممن صعّدوه ليكون رئيس وزراء، وقد طالب وزير المالية فى حكومته «سمير رضوان» بأن يوفر لهم بندًا ماليًّا لهؤلاء، ما جعل «رضوان» يشكوه للمجلس العسكرى لضيق يد وزارة المالية، الشىء الثالث الوعود الكاذبة التى كان يدلى بها «شرف» للوقفات الاحتجاجية التى كانت تأتى وتزيد كل يوم حول مبنى مجلس الوزراء، منهم مَن يطالب زيادة رواتب، وآخرون يريدون التعيين، والأكثر المتاجرون من البلطجية الذين أوعز لهم النشطاء بأن يتباكوا بأن لهم أولادًا شهداء ليحصلوا على تعويضات، وكان المجلس العسكرى هو الذى يقوم بدفع رواتب الموظفين وتعويضات الشهداء من عائد مشاريعه الاقتصادية، وهو ما دعا المشير «طنطاوى» بتوجيه خطاب شديد اللهجة لشرف ليكف عمّا يفعله فى حق البلد، والأكثر أنه قام بتوبيخه هو وحكومته التى لم تقدر على دفع عَجَلة الإنتاج والاقتصاد، وأن عليه أن يتخلص من هذا الكم من المستشارين الذين لا يقدّمون شيئًا وأن المجلس العسكرى فى حل من توفير مكافآت لهم وأن مَن يريد أن يساعد رئيس الوزراء يكن بشكل تطوعى ودون مقابل أو بشىء رمزى لزوم المصروفات فقط.

ولأن «شرف» خشى أن يواجه من حوله ومَن أتوا به إلى بلاط الحكومة؛ فإنه قام بمحاولة مغازلة دول الخليج لمساعدته بعمل مشاريع استثمارية بمصر، واستأذن المجلس العسكرى الذى وافق له على القيام بالزيارة، ولكن المشير قال له إن المجلس العسكرى لن يتدخل فى هذه الزيارة من قريب أو بعيد، وليتحمل هو فقط- أى «شرف»- مسئولية ذلك. وبالفعل قام «شرف» بالاتصال بسفارتى الكويت والإمارات بمصر، وطلب منهما تحديد موعد للزيارة، وبعد أيام قليلة كان الرد موافقة الكويت، وعلقت الإمارات ردَّها بأنها ترحب بالمصريين فى كل وقت، ولكنْ للحكومة شأن آخر، فهى ترحب بها من حيث المبدأ فقط. ولكن أثناء زيارة «شرف» للكويت وصله اعتذار الإمارات، والطامّة الكبرى كانت فيما أعدته الكويت لشرف والوفد المرافق له.

لقاءات شعبية فى عباءة اقتصادية

كانت المحطة الأولى للزيارة هى مكان الضيافة الذى كان إشارة من حكومة الكويت لتفسر ماذا تعنى لها هذه الزيارة، وفى قصر «بيان» وهو أحد القصور التى يعتز بها الكويتيون؛ لأنه لم تطله يد الغزو العراقى وظل شامخًا، كانت الاستضافة ليس فقط لرئيس الوزراء والوفد الوزارى الذى معه، ولكن أيضًا لنا نحن -الإعلاميين- رُغْمَ صغر عددنا؛ لأن العدد الأكبر كان قد ذهب إلى الإمارات لانتظار حضور «شرف» ولم يعلموا أنه تم الاعتذار عن الزيارة.. المهم أن استضافة الإعلاميين فى نفس مقر المسئول كان على غير عادة البروتوكولات المتبعة، لكنه كان رسالة كويتية بأن الجميع مصريون وأنه فى هذا الظرف الذى لم تتضح فيه الصورة فأنا أتعامل معكم كمصريين فقط ليس بينكم مسئول. الدلالة الثانية كانت من «مجلس الأمة الكويتى» لشرف ومَن معه؛ لأن الكويتيين أرادوها زيارة شعبية لا رسمية، وكانوا متألمين جدّا لأننا فى مصر لم ننتظر حتى ينهى «مبارك» مدته وتنتقل السُّلطة بشكل سلمى، وأيضًا أعربوا بشكل كويتى شعبوى بأن لمبارك كل التقدير عندهم؛ لأنه وقف بجانبهم فى محنة الغزو العراقى لهم. مجلس الأمة عَقد لقاءً ساوَى بالحضور فيه بين الإعلاميين والوزراء وأجلسونا فى صالون واحد جنبًا إلى جنب، وكان الحديث علنيًّا ومقصودًا، وبداية تحدّث «جاسم الخرافى» شقيق رجل الأعمال الذى وافته المنية فى مصر قبل الزيارة بأسبوع، وقال إن شقيقه كان ببيروت وسافر للقاهرة، ولم يكن مخططا لها، ولكن القَدَر جعله يذهب للبلد الذى أحبه مصر ليموت فيه. وأشار «جاسم» إلى أن الاستثمار الكويتى لم ولن يخرج من مصر. وأكد على أن قلوبهم على مصر وحريصون على استقرارها، وأنهم يترقبون دورها الفاعل فى النطاق العربى؛ خصوصًا القضية الفلسطينية.

وقام «جاسم» باصطحاب «شرف» ونحن معه لتفقد قاعات مجلس الأمة وتوجّه بمطالب أكثر منها استفسارات من رئيس الحكومة المصرية، فركزوا على أنهم لا يريدون من مصر تطمينات؛ لأن استثماراتهم فيها واجب قومى، وهم لا ينسون وقوف مصر فى أزمتهم أثناء الغزو منذ عشرين عامًا، وأن مصر لديها الثروة الحقيقية وهى البَشَر، ولكن هناك مشكلة صعبة فى التوازن، ولذا يجب أن ترسى قواعد يتقبلها الشعب والمستثمر معًا، عند ذلك قال «شرف» كلامًا عكس ما يفعله تمامًا وعكس الحقيقة أيضًا، ولكنه استرسل فى قول الآتى: (نعطى رسالة للشفافية والوضوح ليحس المواطن بهذا وهى العدالة الاجتماعية التى قامت من أجلها الثورة، والقطاع الخاص له أهمية قصوى، والشىء الجديد أن يتمتع المواطن بفوائد الاستثمار؛ خصوصًا الفقير، والمستثمرون العرب حريصون مثلنا على هذه الاستفادة لتلك الفئة، ولا نريد أن نسمى أنفسنا حكومة تسيير أعمال، ولكننا حكومة فى مهمة وطنية جاءت فى ظرف مُعَين، والأمن القومى ليس عسكريّا فقط، ولكنه التنمية الشاملة بكل مراحلها)، ولكنَّ النواب الكويتيين لم يعيروا كلامه أهمية وقالوا له المهم إعادة الاستقرار إلى الشارع المصرى. فرد عليهم «شرف» كذبًا وقال: (أيام حكومة د. «أحمد شفيق» كان هناك 180 مظاهرة فئوية فى اليوم، أمّا الآن فوصلت إلى 14 فقط).

«معصومة» وقضاة مصر

د. «معصومة صالح» وهى أول وزيرة كويتية، وكان ذلك عام 2005م، ثم أول نائبة منتخبة بجدارة وشعبية بالغة فى عام 2009م، قالت: (مكانة مصر عند الكويتيين كبيرة وليست لها حدود، ونتمنى لكم التوفيق لترتيب البيت الداخلى، وعندنا أمل كبير للتغلب عليها، فمصر هى نبض الوطن العربى، ونأمل أن تستقروا بشكل سريع للالتفات لوضع الأمة التى هى فى حالة من التردى والتعدى على حقوق الشعوب وأن يكون لها دور ريادى لأن أكثر المستفيدين من الفوضى فى المنطقة إسرائيل التى تعيش العصر الذهبى الآن)، قام بتطمين «معصومة» وزير الخارجية «نبيل العربى» الذى كان ضمن الوفد مع «شرف» وقال لها: (لم ننسَ البُعد العربى، وفيما يتعلق بإسرائيل نسير فى ثلاثة اتجاهات، الأول رفع الحصار عن غزة، وسيحدث هذا خلال أسبوع لأنهم جار مباشر لنا ولهم طلباتهم الحياتية، والثانى محاولة المصالحة بين الانقسامات الفلسطينية وهى صعبة، والثالث ندعو لعَقد مؤتمر دولى ليس لمعالجة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن لإنهاء الصراع).

بعد انتهاء اللقاء مع نواب الشعب طلب رئيس مجلس الأمّة بأن يدخل نحو عشرة من القضاة المستشارين والخبراء المصريين الذين يعملون بالكويت، ولكنهم وصلوا إلى سنّ التقاعد، فلم تفرط فيهم الكويت لخبرتهم وجعلتهم يعملون مستشارين للمجلس، كانت من ضمنهم سيدة تبلغ من العمر 70 عامًا، وهى د. «عزيزة الشريف» التى يعتز بها الكويتيون لخبرتها.. دخول هؤلاء القضاة لم يكن فقط من قبيل الترحاب بنا، ولكن تعبيرًا من مجلس الأمة الكويتى ليأخذ قضاة مصر حقوقهم التى قدّم بها المستشار «أحمد الزند» الذى كان وقتها رئيس نادى قضاة مصر، والذى كتب مذكرة لشرف قبل سفره إلى الكويت لرفع رواتب القضاة المصريين بالكويت أسوة بنظرائهم الكويتيين؛ لأن المصريين هم الذين علّموا الكويتيين، ودخول هؤلاء القضاة كان ليذكّروا «شرف» ما طلب منه فى مصر، وبالفعل تمت مقابلة مع رئيس الوزراء الكويتى وقتذاك «ناصر الجابر الصباح»، وقد تم العمل بالمذكرة، ويُعتبر القضاة هم الفئة الأكثر عددًا بالجالية المصرية بالكويت؛ حيث التعاون «المصرى- الكويتى» فى القضاء جاء ضمن اتفاق تم توقيعه عام 1977م لإعارة قضاة مصريين إلى الكويت.

لا نريد خليفة لله سُنّيًّا أو غير سُنّى فى مصر

كان إصرار الكويتيين على أن تكون زيارة «شرف» شعبية غير رسمية، حتى المذكرة التى قدّمها لرئيس الحكومة الكويتية قبلت منه على أن حاملها وفد شعبى مصرى، وهو ما جعلهم لا يفرّقون بين الإعلام والوزراء، وكانت من أهم اللقاءات الشعبية هو لقاء الجالية المصرية فى الحرم الجامعى الكويتى وحضره أساتذة الجامعة الكويتيون، وهناك علمتُ أن عدد المسيحيين المصريين عشرون ألفًا مقابل أسرتين فقط مسيحيين كويتيين، وأن هناك الكنيسة المرقسية المصرية التى يقام فيها القداس فى الأعياد وتبادُل التهانى، أذكر هذا لأن لقاء الحرم الجامعى كان عبارة عن تبارى تيارات سياسية دينية، وذلك عندما قام «توفيق الواعى» من جماعة الإخوان المصرية ويقيم بالكويت، ويعمل أستاذ عقيدة ودعوة بالجامعة الكويتية، إلّا أنه ادّعى بأنه محكوم عليه بعشر سنوات من جراء محاكم عسكرية استثنائية وأحكام عُرفية، وأنه لم يدخل مصر منذ عشرين عامًا، ولكن الحقيقة أنه كان موجودًا فى القاهرة عام 2009م وقمتُ بالاتصال به فى مصر لمناقشته كتابه عن «الدولة الدينية» التى يرى وجوب إقامتها فى المنطقة العربية، وادّعى أيضًا «الواعى» أنه يتجول بين ألمانيا وإنجلترا والكويت لأنه ممنوع فى مصر.

هذا جعل أستاذ سياسة مصرى بالكويت يُدعى «محمد السيد سليم» بأن يقول: (أطالب بألّا تقوم الناس برحلات الحج والعمرة وتذهب هذه الأموال إلى مصر. نريد استنهاضًا قويًّا للمجتمع المدنى الذى أثبت صلابته)، وقام دكتور يُدعى «فهد» كويتى ليرد على الاثنين فقال: (أنا أيضًا أعتبر مصريًّا وعشتُ عشر سنوات ودرستُ بالأزهر الشريف، ومصر والكويت يد واحدة لأننا لا ننسى قبل النفط كيف تلقينا العناية والرعاية بكل أنواعها من مصر حتى إرسال القوافل الطبية، وأنصح المصريين بأن يحموا الديمقراطية من أى خليفة سُنيًّا أو غير سُنّى، وكان فى هذا ردًّا على «الواعى وسليم» فى وقت واحد.

«الجمل» يلاعب «شرف»

بعد أن سَحب ملف التعليم من الدكتور «يحيى الجمل»، الذى أخذ يتلاعب فيه ويعين كل يوم رئيس تحرير من خياله ويسربه للإعلام، ما أحدث بَلبَلة فى الوسط الصحفى، عند ذلك أسند الملف إلى «عمرو عزت سلامة» الذى كان يشغل وزير البحث العلمى، ومع أن «سلامة» هو الآخر لم يفهم فى الملف إلّا أنه بشكل أو بآخر التفّ حوله المغرضون وأصحاب المصالح، وفى النهاية أنتج بعض الأسماء لتترأس الصحف والمجلات، وعند ذلك وجد «الجمل» أنه لم يَعد يقوم بعمل يُذكر، فكان يتحين فرصة غياب «شرف» خارج البلاد فى أى مهمة يقوم بها ولا يدّخر وسعًا فى الاتصال بالإعلام لعَقد مؤتمر صحفى على أى شىء وينتع من قلبه بالساعات ولسان حاله يقول: رئيس الوزراء مش موجود، وبما أننى النائب فأنا القائم بالأعمال حتى إشعار آخر.. فيترك مكتبه بمجلس النواب ويأتى زاحفًا حتى مَقر مجلس الوزراء بأى حجة، المهم الإعلام يبقى شاهد على وجوده.

ولاتزال فترة «عصام شرف» مليئة بالمفاجآت؛ خصوصًا وهو يُردد بأنه (حكومة وطنية) حتى ينسى الناس أنه حكومة (تسيير أعمال)، معتقدًا أن هذا يُعطى له صفة الدوام على كرسى مجلس الوزراء الذى مكث عليه 8 أشهُر فقط.