الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

منورة بأهلها.. يكشف الظلام الدامس

«قاهرة المعز، مصر المحروسة، مدينة الألف مئذنة» كلها ألقاب اشتهرت بها مدينة القاهرة التى يُنظر إليها الآن نظرة مختلفة سوداوية، نظرة تُعبر عن فساد وظلمة فترة التسعينيات وبداية الألفية، ونور أهلها الخدّاع الذى يلمع ظاهريا ولكن باطنه ظلام دامس، نظرة تعميمة ظالمة نقلها لنا مسلسل (منورة بأهلها) الذى يُعرض على منصة «شاهد»، وكأنها النداهة التى تسحب كل من يبحث عن رونقها الخدّاع، وتحوّله لعنصر فاسد حتى وإن كان الخير بداخله.



(منورة بأهلها)، عمل فنى من نوع دراما الجريمة الذى يجمع بين لغز جريمة قتل وأصابع الاتهام الموجهة لكل من لديه الدافع للقتل، فى إطار حبكة الكشف التى تجعلك كمشاهد تجمع خيوط الأحداث مثل لعبة الـ puzzle  المستخدمة فى بوستر العمل الفنى، فتشك فى كل الشخصيات لتبحث مع المسئول عن التحقيق عن القاتل، فتتحول من مجرد مشاهد لمشارك فى الأحداث، تفكر وتحلل وتتهم وتبرئ، مما يدمجك أكثر فى أحداث العمل ويجعلك أكثر تعلقًا وعمقًا فى الشخصيات، إلى جانب الدراما التى يتفنن مؤلف العمل «محمد أمين راضى» فى عرضها من خلال رسم متقن للشخصيات من الناحية الجسمانية والنفسية، فترى بعينيك جمال قوام «مارى» التى تجسدها «ناهد السباعى» وملابسها الجريئة التى تعكس جرأتها وتمردها ورغبتها فى التحرر والانطلاق، وترى عجز «سلوى» الجسمانى التى تجسد شخصيتها «ليلى علوى» فتفهم سبب الجبروت والقسوة التى تملأ روحها، و«عادل» الذى يقوم بدوره «باسم سمرة»، تلمس مثليته فى لغة جسده وشكل ملابسه والألفاظ التى تلازم لسانه، تلك احترافية نفتقدها مؤخرًا فى معظم الأعمال الفنية، إلى جانب الإيقاع السريع للأحداث وتسلسلها فى تناغم وسلاسة رغم تعقيدها.

ورغم فكرة تعميم الفساد فى قاهرة المعز، فإن العمل تطرق لموضوعات جريئة وواقعية حتى وإن خفى الأمر على الكثير، مثل الـ dark web وما يتضمنه من تجارة أجنّة ودعارة ومصارعة بالحيوانات المفترسة وفكرة بحث أغنياء العالم شديدى الثراء عن الخلود من خلال الخلايا الجذعية للأطفال الرضع، كل تلك الموضوعات حقيقة وليست فانتازيا كما يعتقد البعض، ومناقشتها جرأة وتميز ومحاولة لردعها ولو على الشاشة، كما برزت براعة الكتابة فى استخدام الرموز طوال الأحداث وخاصة رمزية شخصية «عاصم»، بالرغم من حيرة الجمهور فى ماهيته فإن المقصود هنا هو أن الفساد قد يكون أى شخص سواء رجل دولة أو صديقًا أو حبيبًا أو شخصًا لا أضواء مسلطة عليه من الأساس، وأيضًا سؤال المشاهدين عن «القتيل» فى نهاية الأحداث، هل قُتل رمز التوبة الوحيد المتمثل فى شخصية «مارى»، أم قُتل رمز الفساد ومحرّكه المتمثل فى شخصية «عاصم»، كل تلك التساؤلات مقصودة وتعودنا عليها من المؤلف «محمد أمين راضى»، خاصة مع إنهاء الموسم الأول بجملة «القضية لم تُغلق بعد» فهل المقصود هنا تلك القضية أم القضية الأكبر وهى فساد المجتمعات؟.. ذلك هو السؤال الأهم.