الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. فتافيت السكر

كدهوّن!.. فتافيت السكر

قيراط حظ ولا فدان شطارة وكدهًون ربما كان هذا المثل القديم ينطبق تماما على رحلة الفنان الشاطر جدًا عبد المنعم إبراهيم صاحب الملامح الطفولية والنظرات الحائرة والإيفيهات الخالدة فى الفن والسينما بشكل خاص لتفرده بحالة فنية خاصة جدا جعلته فاكهة فى معظم أفلام الخمسينيات وأوائل الستينيات حتى إنه شارك نجم نجوم الكوميديا فى ذلك الوقت إسماعيل ياسين أكثر من فيلم وأفرد له مساحته الخاصة فى الإضحاك والبهجة بجانبه فضحكنا وهو يقول للشاويش عطية أثناء مشاجرته معه جملته الشهيرة «يا لك من شنقيط».



حيث كان يلعب دور مدرس لغة عربية فى فيلم «إسماعيل يس فى البحرية» ويتحدى نفسه مرة أخرى ليقدم نفس الشخصية فى فيلم السفيرة عزيزة ليضحك الجمهور بشدة وهو يستغيث من سكينة الجزار ويصيح بالفصحى الغوث الغوث الغوث وفاجأنا بصوت هند رستم يخرج من حنجرته فى فيلم إشاعة حب فلم يكتف بذلك فقد أخذ نفس الوضع الذى يتخيل عليه هند رستم وهى تقول جملتها الخالدة (ياسونة يا خاين أحبك أعشقك أعبدك ولا نرى غير عبدالمنعم إبراهيم وهو يرتدى بيجاما كستور مقلمة نائما على السرير وكأنه فعلاً صاحب هذا الصوت المفعم بالأنوثة والإثارة فيفجر الضحكات حتى يومنا هذا ولا ننسى إطلاقا دوره كمجنون فى فيلم إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين وهو يرتدى بدلة وكرفت بدون بنطلون ويصمم على أكل أذن زينات صدقى وهكذا صار هو قطعة فتافيت السكر التى تضاف لأى فيلم فى ذلك الوقت حتى يزداد حلاوته ويرسم البسمة على شفاه الجمهور بعفويته وتلقائيته ولكنه مع ذلك عندما حصل على البطولة المطلقة فى فيلم سينمائى بعد طول كفاح وجهد فى الأدوار الثانية والثانوية  كانت فى فيلم سر طاقية الإخفاء فلم يكن مناسبا تماما لما ينتظره منه جمهوره، فكان يختفى معظم الوقت وبحث الجمهور عن نجمه بلا جدوى، فلم يجد غير صوته فقط كأنه بصدد مسلسل إذاعى لأنه طوال الأحداث يرتدى طاقية الإخفاء فيختفى من على الشاشة ولم يجد الجمهور أمامه غير الفنان توفيق الدقن هو من يملأ الشاشة ضحكا وصخبا وأكشن وتعشقه برلنتى عبدالحميد وهو يطارد زهرة العلا، بينما بطلنا مختفٍ فى أول فرصة حقيقية له كنجم أول على الشاشة لم يساعده الدور كى يأخذ المكانة التى تستحقها موهبته الفريدة وكدهون وخرج الجمهور من الفيلم يردد إيفيه توفيق الدقن العلبة دى فيها فيل ولم يذكر أى إيفيه قاله بطل الفيلم على غير عادته مع جمهوره وكدهون؟.

يعود عبد المنعم إبراهيم مرة أخرى للأدوار الثانية وأحيانا الثانوية بمنتهى الرضا والمحبة وكأن البطولة السينمائية كانت شيئًا عابرا فى مسيرته الفنية وكدهون فقد كان مؤمنا بأنه مشخصاتى شاطر وخفيف الظل سواء كان بطلا أو دورا ثانيا، وأحيانا دور ثانوى لم يكن يعبأ بمساحة دوره طلما أنه سيشخص ويضحك الجمهور ولو لحظات صغيرة  وكدهون.

كم كانت سعادتى عظيمة عند عودتى من المدرسة وأجد فيلم سكر هانم يعرض على شاشة التليفزيون ظهرا وكأنه مكافأة عظيمة بعد يوم دراسى مزعج (من وجهة نظرى كطفل) فأجلس أمام شاشة التليفزيون منبهرا بذلك الساحر الذى يمتلك القدرة على التحول من عصفور ذلك الصعلوك الفقير إلى سكر هانم المليونيرة المتصابية وقبل أن تندمج وتصدق يذكرنا برجولته المخفية تحت الفستان والباروكة فيهيم بجمال سامية جمال وكريمان ويغرقهما فى جحيم من القبل على رأى الأستاذ عبدالوهاب أتابع كل تفاصيل تحول هذا الرجل إلى أنثى؟ كيف تغير شكل جسمه وخطواته وأسلوب كلامه؟ كيف فعلها هذا المشخصاتى الشاطر وجعلنا نعتقد بالفعل أنه امرأة؟ وكيف استحوذ بمفرده على وجدان الجمهور وإثارة ضحكاتنا أطفالا وكبارا رغم وجود القصرى وحسن فايق  ورقصات الجميلة سامية جمال إلا أن ظهور سكر هانم كفيل بسحب البساط عن الجميع.

كنت أستعجل الأحداث حتى يصل عبدالمنعم إبراهيم وأتامل قدرته الفائقة فى التحول من رجل لأنثى بكل ما تحمله الكلمة من تفاصيل عديدة وتحكم بكل  أدواته الفنية والجسمانية حتى يقنع المشاهد بأنه بالفعل سكر هانم وكدهون.

عاد عبدالمنعم إبراهيم مرة أخرى ليتحدى نفسه مرة أخرى وقدرته على التحول لامرأة تختلف تماما عن بهجة سكر هانم وخفة دمها فها هو يلعب فى فيلم أضواء المدينة شخصية امرأة تركية مزعجة وعصبية وشمطاء وبأداء أكثر إتقانًا وتوهجًا مع التركيز على التفاصيل والاكسسورات والباروكة يجبرنا على الاعتراف بقدرته الفائقة على التشخيص والتقمص حتى ولو كان دور امرأة عجوز ترقص وتغنى وتمثل وكدهون.

أنه ياسين السيد عبد الجواد ذلك الرجل خفيف الظل الذى عشق المرأة وأخلص للحب ذاته ووهب نفسه لحياة الليل والغوانى ومارس الحياة بكل متناقضاتها، ولكنه كان أجرأ من والده السيد عبد الجواد وتمسك بحبه من زبيدة العالمة وأشهر زواجه على الملأ ولم يخجل من الزواج من عالمه فى شارع محمد على وتحدى جبروت أبيه واستقل عنه فى بيت يضمه بحبيبته وشريكة حياته فى خطوة عجز سى السيد بكل جبروته عن اتخاذها وفضل أن يحيى حياة مزدوجة بالنهار بشخصية الرجل الوقور الورع وليلا يتحول لزنديق وزير نساء وكدهون تلك الشخصية المركبة التى قدمها عبدالمنعم إبراهيم بتلقائية وبساطة وخفة ظل يحسده عليها كل فناني تلك الفترة وربما الفترات التالية فكيف يتعاطف الجمهور مع رجل شرقى هلاس يتزوج حبيبة أخيه الشهيد ويخونها مع نساء منحرفات وتزوج عشيقة والده؟؟! وكدهون لينهى رحلته الفنية بأدوار تراجيدية عظيمة كدوره فى مسلسل أولاد آدم والشهد والدموع وزينب والعرش ليرحل فى هدوء كما عاش حياته فى هدوء راضيًا بنصيبه من النجومية تاركًا رصيدا عظيمًا من البهجة فى وجدان المصريين.