الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب غيرت ثوابت ومبادئ راسخة فى القارة العجوز أوكرانيا.. نقطة تحول لقواعد الغرب فى مكافحة الإرهاب

مع تدافع وتيرة الأزمة الأوكرانية اتخذت دول الاتحاد الأوروبى العديد من الخطوات لتغيير ثوابت عميقة لبعض دول القارة العجوز، فلم تكن العملية العسكرية الروسية فى كييف مجرد خطوة يحاول البعض التوصل لحل لها، بل أصبحت تبشر بنهج سياسى جديد لدول الاتحاد الـ27، حيث عملت العديد من الدول الأوروبية على تغيير جذرى فى مبادئها وثوابتها، حتى فى بعض الدول الحيادية مثل سويسرا وفنلندا والسويد، للمرة الأولى أظهرت هذه الدول اتجاهها نحو محاربة الجانب الروسى والوقوف مع حلفائها الغربيين والعمل على فرض عقوبات موحدة فى محاولة لإنقاذ قوة الاتحاد أمام الطوفان الروسى.



 الأمن الأوروبى.. تحول غير مسبوق

تغير الأمن الأوروبى بعد العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا أكثر مما تغير فى السنوات الـ33 السابقة، فقد جاءت التغييرات السياسية والدفاعية للدول والمؤسسات الأوروبية مفاجئة ودراماتيكية، لقد كان تحولًا غير مسبوق، لكنه أيضاً وقت غير مسبوق فأزمة الحرب وما يصاحبها من تدفق لاجئين إلى أوروبا، عملت على تفكيك نظام ما بعد الحرب الباردة. علاوة على ذلك، أثبتت الإرادة الأوكرانية للقتال أنها حاسمة فى التأثير على التغييرات فى السياسة الأوروبية.

وكان التغير الأهم، هو إعلان الحكومة الألمانية عن استثمار إضافى بقيمة (100) مليار يورو فى الدفاع، وبأنها سترسل مساعدات دفاعية إلى أوكرانيا. جاء ذلك فى أعقاب إجراءات غير عسكرية، وعقوبات اقتصادية بما فى ذلك وقف خط أنابيب نورد ستريم (2)، وعزل روسيا عن نظام سويفت المالى. وبذلك، تكون الحكومة الألمانية الجديدة قد قلبت عقوداً من السياسة الوطنية الدبلوماسية المتسقة. فى حين يمكن اعتبار هذه الزيادة فى الإنفاق بمثابة تراجع لسنوات من الإنفاق الدفاعى المنخفض، والتى يمكن أن تغير التوازن العسكرى الأوروبى بشكل كبير.

كما أعلن الاتحاد الأوروبى عن حزمة دعم عسكرى بقيمة (500) مليون يورو لأوكرانيا، والتى وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها «لحظة فاصلة»، لتشكل قفزة فى السياسة الدفاعية والخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبى وذلك بعد تفاعل بطىء فى بداية هذه الأزمة. بالإضافة إلى ذلك، وافقت جميع الدول الأعضاء على استقبال اللاجئين الأوكرانيين لمدة ثلاث سنوات دون أوراق لجوء، مع توقعات بنزوح سبعة ملايين أوكرانى، مما يدل على الدعم القاطع فى منطقة حساسة بالنسبة للاتحاد الأوروبى. كذلك خطوة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بالتقدم رسميا بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى وناشد بتسريع العملية.

وللمرة الأولى تراجعت كل من فلندا والسويد، الدولتين غير المنتسبتين تاريخياً إلى الناتو، عن رفضهما الانضمام إلى المنظمة، وأنهتا فعلياً حيادهما بإرسال مساعداتهما العسكرية إلى أوكرانيا، من جهة أخرى، حولت سويسرا وإيرلندا حيادهما ودعمتا العقوبات التى تستهدف روسيا. كل هذه تمثل تحولات مهمة لعقود من السياسة الوطنية المتسقة.

 التحول فى سياسات الدفاع

تعتبر ألمانيا قلب الاتحاد الأوروبى وهى الحصن المنيع للحفاظ على سياسات القارة العجوز وتمسكها، وكان الدور الألمانى بارزًا بصورة قوية فى فترة حرجة، بعد خروج انجيلا ميركل من المشهد السياسى، والتداعيات الاقتصادية الحرجة لما بعد أزمة كورونا، إلا أن المستشار الألمانى الجديد أولاف شولتس، انتهج سياسة قوية للحفاظ على قوة الاتحاد الأوروبى.

وكانت ألمانيا قد اتبعت خلال الحرب الباردة، التى بدأت فى أواخر الستينيات، سياسة «السياسة الشرقية» – مبدأ (الأوستبوليتيك) أى سياسة التقارب مع موسكو وتطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفيتى التى بدأها المستشار فيلى برانت فى السبعينيات، والتى لا يزال يُنظر إليها على أنها احتمال لتحقيق التقدم الديمقراطى من خلال الحوار.

 

وهذا يعنى تفضيل الدبلوماسية، ومحاولة الانخراط مع روسيا على جبهات متعددة، وتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين مثل نورد ستريم(2)، والإيمان بهذه الأدوات باعتبارها مخرجاً لأى صراع. حيث ترى ألمانيا نفسها كجسر بين الحلفاء الغربيين وموسكو، فى محاولة لتحقيق التوازن بين التزاماتها تجاه الشركاء بينما تحاول أيضاً الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا.

وقد حرصت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل من جهتها، طيلة سنواتها الـ(16) فى السلطة، على المحافظة على العلاقة مع روسيا، فى محاولة لفصل الخلافات الجيوسياسية عن المصالح الاقتصادية بين البلدين. ودافع المستشار أولاف شولتس، الذى تولى منصبه فى ديسمبر 2021، عن السياسات التى كانت قائمة. 

إلا أنه بعد تفجير الأزمة الأوكرانية، عمل على رفع نبرته واجراءاته الحاسمة، إذ سارعت حكومته بإرسال (1000) سلاح مضاد للدبابات و(500) من أنظمة الدفاع المضادة للطائرات من طراز Stinger إلى أوكرانيا.

 

كما رفعت برلين الحظر عن دول الاتحاد الأوروبى الأخرى من إرسال معدات ألمانية الصنع. وقال شولتس فى بيان يوم 26 فبراير 2022 الماضى، إن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا تعتبرنقطة تحول لسياسات برلين ودول الاتحاد الأوروبى».

وأظهر شولتس مدى دراماتيكية نقطة التحول هذه، فى خطاب أمام البوندستاج (البرلمان الألمانى)، وصف فيه عملية بوتين العسكرية بـ «تسايتنويندى» أى لحظة فاصلة، وقال إن ألمانيا ستحتاج إلى استثمار المزيد فى أمنها، «من أجل حماية حريتنا وديمقراطيتنا». 

واتجهت حكومة برلين الى زيادة الانفاق العسكرى، حيث قدم شولتس صندوقاً خاصاً بقيمة (100) مليار يورو للاستثمارات فى القوات المسلحة الألمانية (البوندسوير). وبذلك لقد ألزم ألمانيا بإنفاق أكثر من (%2) من ناتجها المحلى الإجمالى على الدفاع – وهو هدف وافقت جميع الدول الأعضاء فى الناتو على تحقيقه، لكن ألمانيا لم تلتزم به فعلياً، إذ بلغ اجمالى نفقات ألمانيا على الدفاع فى عام 2021 ما مجموعه حوالى (47) مليار يورو، بنسبة (%1.5) من ناتجها المحلى الإجمالى.

كما عززت القوات الألمانية فى الجناح الشرقى لحلف شمال الأطلسى، بما فى ذلك عمليات نشر جديدة فى سلوفاكيا، كذلك أعرب شولتس عن استعداده للانضمام إلى الدفاع عن المجال الجوى للحلفاء بصواريخ مضادة للطائرات.

كما عملت ألمانيا على تخفيض الشراكة مع روسيا فى مجال الغاز والطاقة، وذلك من خلال تجميد العمل باتفاقية خط أنابيب نورد ستريم (2)، واتجهت برلين الى مشروعات امدادت طاقة اخرى جديدة وأكثر أمانًا بعيدًا علن الاعتماد الروسى.

وبهذه الخطوات، فك شولتس عقوداً من السياسة الخارجية والدفاعية الألمانية، وهذا ما يمكن وصفه بتحول زلزالى ليس فقط بالنسبة للبلد، ولكن يحتمل أن يكون لأوروبا والعلاقة عبر الأطلسى.

 نقطة فاصلة للسياسة الدولية

وفق دراسة للمركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أوضحت أن اتحاد القارة العجوز اتخذ نهجاً حذراً تجاه أمن دول الشراكة الشرقية مع بداية الأزمة، إذ حاول الاتحاد الأوروبى الابتعاد عن الصراع الروسى الأوكرانى وتجنب الدفاع عن أوكرانيا. وبين عشية وضحاها، أصبح الاتحاد الأوروبى «لاعباً رئيسياً فى مواجهة التهديد الروسى».

كما أنه من المتوقع أن تؤدى العملية العسكرية الروسية الى زيادة الوجود الأمريكى فى أوروبا، ووجود أقوى لحلف شمال الأطلسى على الجانب الشرقى، وتوثيق العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والناتو.

وعلى مدار العملية العسكرية الروسية، وحتى إذا لم يتم قبول أوكرانيا فى حلف الناتو، فالقارة الأوروبية عملت على تجديد وتغيير نهجها المعهود فى الدفاع والسياسة والأمن، وأصبح الإنفاق العسكرى يأتى فى مقدمة التنمية الاقتصادية، وهو النهج الجديد الذى يبشر بقوة الاتحاد الأوروبى بعد فترة طويلة من الجمود وايضًا مرحلة جديدة من التعاون القوى مع واشنطن والاتجاه نحو زيادة التحالف شرقًا وغربًا مع دول جديدة ستمثل نقطة قوية لمواجهة أى هيمنة او خطر روسى سواء من النواحى الاقتصادية او المواجهات العسكرية، كما خلقت الأزمة سياقاً جديداً لإعادة النقاش حول فكرة الجيش الأوروبى الموحد، وتعميق الشراكة عبر الأطلنطى.