الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

روسيا والغرب يتبادلان حجب القنوات والمواقع لوقف شلالات التضليل حروب «العقل الباطن»

فى بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أغلقت السلطات الروسية المكتب المحلى لـ«دويتشه فيله» (الألمانية) لديها، ومنعت بث برامجها عبر القمر الصناعى وكل وسائل البث الأخرى. كان هذا القرار ردًا على منع بث قناة «روسيا اليوم» فى ألمانيا، التى تتعرض لانتقادات عديدة فى الغرب باعتبارها «أداة دعائية للكرملين»، وأنها «تروج لنظرية المؤامرة وتبث معلومات مضللة باسم الدولة الروسية».



 

ودخلت الإدارة الأمريكية على الخط، وأدانت غلق مكتب دويتشه فيله فى موسكو، وقبل أسبوع، أعلن كبير دبلوماسيى الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل حجب كل من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» الروسيتين فى دول الاتحاد، ضمن جهود الاتحاد الأوروبى «لمكافحة التضليل الروسى. واعتبر بوريل الحجب «خطوة حاسمة لإغلاق صنبور التلاعب الروسى بالمعلومات فى أوروبا».

وفى نفس السياق، سارعت بريطانيا بنفس الحطوة، وقالت وزيرة الثقافة البريطانية نادين دوريس إنها تأمل «ألا تعود آلة بروباغاندا بوتين الملوثة إلى الشاشات البريطانية مجدداً»، مشيرة إلى أن «روسيا اليوم لم تعد متاحة على الشاشات فى البيوت البريطانية سواء عن طريق التلفزيون أو (سكاى) أو (فريسات) أو (فرى فيو)».

 عقوبات جنائية

وردًا على كل هذه الإجراءات، تبنى «دوما» (مجلس النواب) الروسى مشروع قانون يفرض عقوبات جنائية بالسجن وغرامات مالية على «المنشورات المزيفة التى تشوه سمعة الجيش الروسى، أو التى تدعو إلى فرض عقوبات على روسيا».

وأشعل هذا القرار غضب وسائل الإعلام المختلفة حيث أعلنت «بى بى سى» تعليق عمل صحافييها موقتاً فى روسيا، رداً على القانون الجديد الذى وصفه مدير عام «بى بى سى» تيم ديفى بأنه «يبدو أنه يجرم عملية الصحافة المستقلة». لكن إنتاج «بى بى سى» للأخبار سيظل مستمراً من خارج روسيا.

وقد حجبت روسيا موقع «بى بى سى» ضمن مجموعة من المنصات الإعلامية التى منعتها السلطات الروسية. فى المقابل، أشار عدد من المنصات الإعلامية الغربية أبرزها «سى إن إن» و«إيه بى سى» و«سى بى أس» الأمريكية و«راى» الإيطالية و«الإذاعة العامة الكندية» و«بلومبيرغ» أنها ستوقف مؤقتاً بث تقاريرها من روسيا، بسبب القانون الجديد و«حماية لمراسليها» مع تأكيد «استمرارها فى نشر المعلومات المؤكدة وغير المضللة، ولكن من خارج روسيا».

 التضليل

وفى سابقة عالمية، أصدر وزير الخارجية أنتونى ج. بلينكن بياناً قبل أيام عنوانه: «استهداف النخب الروسية ووسائل التضليل الإعلامى وشركات الدفاع» جاء فيه: «إننا نستهدف اليوم النخب الروسية وشبكاتهم المالية وأصولهم، ووسائل التضليل الإعلامى الروسية الكبرى التى تسهم فى زعزعة استقرار أوكرانيا، وشركات الدفاع فى الاتحاد الروسى. كما نفرض ضوابط إضافية على تصدير النفط والغاز الروسى. وتوضح هذه الإجراءات أنه لا مكان يختبئ فيه الأفراد والكيانات الذين يدعمون حرب روسيا المروعة ضد أوكرانيا».

وأضاف بلينكن، أن حكومته «تستهدف المتورطين فى حملة التضليل والتأثير المزعزعة للاستقرار التى تشنها روسيا، بما فى ذلك أفراد وكيانات موجودون فى أوكرانيا»، وأن وزارة الخارجية أدرجت على لائحة العقوبات المسؤول الأكبر عن الدعاية فى الاتحاد الروسى والمتحدث باسم فلاديمير بوتين ديميترى بيسكوف، و«أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يعمل على إدراج 26 فردًا وسبعة كيانات مرتبطة بحملة التضليل الروسية الدولية، لا سيما تلك المدعومة من قبل أجهزة المخابرات الروسية. وتستخدم هذه الأهداف المنظمات التى تزعم أنها تعمل كمواقع إخبارية شرعية، ولكنها بدلاً من ذلك تنشر معلومات مضللة ودعاية قومية متطرفة للاتحاد الروسى».

وجاء فى بيان آخر للخارجية الأمريكية، أن جهودها تلك تستهدف الأفراد والمنظمات الروسية التى «تعمل على نشر معلومات مضللة والتأثير فى الأفكار كجزء من غزوها لأوكرانيا». ووصفت الخارجية الأمريكية ما تنشره هذه الكيانات بـ«الروايات الكاذبة التى تعمل على تعزيز الأهداف الاستراتيجية الروسية، وتبرير أنشطة الكرملين بشكل خاطئ».

وعلقت المتحدثة باسم البيت الأبيض جان ساكى على قرار روسيا بقولها «هذا ليس نهجاً جديداً بالنسبة إلى السلطات الروسية. نحن قلقون للغاية بشأن هذا القرار وأيضاً بشأن التهديد الذى تتعرض له حرية التعبير فى روسيا».

 حرب السوشيال ميديا

ويرى الكاتب المتخصص فى شؤون التواصل الاجتماعى بيتر سوتشيو فى مقال نشرته «فوربس» عنوانه: «هل غزو روسيا لأوكرانيا أول حرب سوشيال ميديا؟» «أنه يمكن اعتبار أحداث (الربيع العربى) بروفة لكيفية استخدام السوشيال ميديا لتغطية الأحداث السريعة لإحداث التغيير أو إدانة مسألة ما، أو حتى إسقاط حكومات»، لكنه يضيف «أن حجم ونطاق السوشيال ميديا تغير كثيراً مقارنة مع عام 2011».

مقارنة مع عقد مضى، عدد مستخدمى «فيسبوك» تضاعف أكثر من ثلاث مرات، وكذلك «تويتر» و«إنستجرام» وغيرهما. هذا يعنى أن مقدمى المحتوى تضاعفت أعدادهم، كذلك المتلقون. من جهة أخرى، اعتاد مليارات البشر وتأقلموا تماماً مع فكرة حصولهم على تعددية مصادر الأخبار والمعلومات. لم يعد الصحفيون والمراسلون والمحللون المعتمدون المصدر الوحيد، لا سيما فى أماكن الصراع والعنف التى ربما يصعب الوصول إليها.

ويرى سوتشيو «أن محتوى السوشيال ميديا فى هذا السياق غيّر مفهوم الحرب لدى المتلقين تماماً، بسبب متابعة تفاصيل الحرب بعيون من يعايشوها ويتجرعون مراراتها، وليس صحفيين زائرين أو مهنيين يلتزمون قواعد بعينها».

هذا من شأنه تصعيب عملية كتابة التاريخ من وجهة نظر مرتكبى العنف، حيث البث على الهواء مباشرة، وربما دون كلام.

ويشير سوتشيو إلى «أن وضع السوشيال ميديا فى أوكرانيا حالياً مختلف عما كانت عليه أوضاع الربيع العربى، إذ لا تتخذ الحكومة الأوكرانية خطوات لإسكات الأصوات، بل تبذل الجهود للإبقاء على المنصات مفتوحة».

حجب «فيسبوك» أو «تقييد الوصول» له فى روسيا قوبل برد حاسم ودال ومسيس أيضاً، من قبل شركة «ميتا» عبر تغريدة قال فيها رئيس الشئون العالمية نيك كليغ، إن «الملايين من الروس العاديين سيجدون أنفسهم قريباً معزولين عن المعلومات الموثوقة ومحرومين من طرقهم اليومية للتواصل مع العائلة والأصدقاء، ويتم إسكاتهم من التحدث علانية، وإن الشركة ستواصل بذل كل ما فى وسعها لاستعادة خدماتها حتى تظل متاحة للناس للتعبير عن أنفسهم بشكل آمن». بعدها بأيام قليلة، قررت السلطات الروسية حجب «تويتر» كذلك.

كما أبلغت الهيئة المعنية بتنظيم الاتصالات فى روسيا، مستخدمى تطبيق إنستجرام، بأن الخدمة ستتوقف بعد إعلان الشركة المالكة «ميتا بلاتفورمز» الأسبوع الماضى أنها ستسمح لمستخدمى منصات التواصل الاجتماعى فى أوكرانيا بنشر رسائل مثل «الموت للغزاة الروس».

وحثت رسالة بالبريد الإلكترونى من هيئة «روسكومنادزور» الحكومية السكان على نقل صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم من على إنستجرام، قبل إغلاقه، وشجعتهم على التحول إلى «منصات الإنترنت التنافسية» فى روسيا.

فى ظل هذه الظروف بات المواطن الأوروبى يسمع ويشاهد ويقرأ ما تقوله وسائل إعلام هذه الدول عن الحرب فى أوكرانيا ويطلع على مواقف الحكومات الغربية من الأزمة الأوكرانية بينما تغيب تماما الرواية الروسية وموقف القيادة الروسية عن وسائل الإعلام الغربية.

ولم يعد هناك فى روسيا وسائل إعلام يمكن أن تصنف فى خانة الإعلام المستقل أو المحايد عند تناول حرب أوكرانيا بل تم إغلاقها بقرار من السلطات أو قررت التوقف عن العمل من تلقاء نفسها بعد أن شعرت أنها لم تعد قادرة على العمل بحرية فى ظل الرقابة والقيود الحكومية الشديدة.

ويصف بعض المراقبين أجواء الرقابة على الإعلام فى روسيا هذه الأيام بأنها تتجاوز الرقابة التى كانت سائدة خلال المرحلة السوفيتية وأنها أشبه بأجواء المرحلة الستالينية.