الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حرب أوكرانيا..  العنصرية فى أوضح صورها

حرب أوكرانيا.. العنصرية فى أوضح صورها

إذا كان هناك من تبعات للحرب «الروسية- الأوكرانية» بعيدًا عمّن فاز أو انهزم؛ فهى تلك العنصرية الواضحة والفجة التى لم يستطع أحدٌ أن يتستر عليها، وتجسدت بقوة فى حشود النازحين من ويلات الحرب والدمار  إلى بولندا ورومانيا، بعد أن يتم تصنيفهم وفقًا لجنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية، مفضلين عليهم النازحين الأوكرانيين أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء المتحضرين المثقفين، هذا ما تم توضيحه بالصوت والصورة على وسائل الإعلام الغربية والقنوات الفضائية المهتمة بهذه الحرب، ولولا جهود دول أصحاب الجنسيات غير الأوروبية وقادتها مع الدول المستقبلة للنازحين؛ لما أمكن عودة أبنائنا الدارسين فى أوكرانيا، ولهذا تألمت جدًا من تداوُل مواقع التواصل الاجتماعى مقاطع فيديو وتعليقات، تصور حشودًا من العرب والآسيويين والأفارقة قامت عناصر من قوات الأمن الأوكرانية بصدهم ومنعهم من صعودهم القطار أو الحافلات هربًا من جحيم الحرب، هذا بخلاف تعرضهم للضرب والاعتداءات وتوجيه الأسلحة إلى صدورهم، فى الوقت الذى يفترشون فيه الأرض على جانبى الطريق المخصص للنازحين فى هذا البرد القارس.. هذا المشهد تحديدًا هو ما جعل مندوبة منظمة الصحة العالمية (د.أيودى ألاكيجا) تكتب على صفحتها على موقع تويتر: «إن الأفارقة السود يتعرضون للعنصرية والازدراء فى أوكرانيا وبولندا، وإن الغرب لا يمكنه أن يطلب من إفريقيا الوقوف معه وقفة تضامن، إذا لم يبد أدنى احترام للأفارقة، حتى وإن كان الظرف يتعلق بالحرب»، وأضافت قولها: «تجاهلونا زمن الجائحة وتركونا نموت زمن الحرب»؛ خصوصًا أن أوكرانيا يدرس فيها ما لا يقل عن 16 ألف طالب ما بين مصرى ومغربى وتونسى وجزائرى وهندى وإفريقى وآسيوى بخلاف جنسيات أخرى.



صورة عنصرية أخرى أبرزتها هذه الحرب وضحت فى التغطية الإعلامية؛ خصوصًا فى القنوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية وصحفها، مما جعل بعض المعلقين العرب يرون فيها نوعًا من العنصرية الإعلامية، مثل تعليق (شارلى داغاتا) الموفد الخاص لقناة «سى بى إس نيوز» الأمريكية إلى أوكرانيا؛ حيث قال فى رسالة مباشرة «مع خالص احترامى؛ فإن هذا ليس مكانًا مثل العراق وأفغانستان اللذين عرفا عقودًا من الحروب؛ إنها مدينة متحضّرة نسبيًا، أوروبية نسبيًا؛ حيث لا ننتظر حصول أمر مماثل». ومثل تعليق الصحفى فيليب كوربيه على قناة «بى أف إم تى فى» الفرنسية بالقول: «لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السورى المدعوم من فلاديمير بوتين؛ بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التى تشبه سياراتنا.. ويحاولون النجاة بحياتهم».

هناك أمثلة أخرى كثيرة تبين نظرية الكيل بمكيالين فى التغطية الإعلامية للحرب فى القنوات الفرنسية والأمريكية والصحف البريطانية، عندما نقلت هذه القنوات فيديوهات لمجريات الحرب تصور تدفق عشرات آلاف اللاجئين الأوكرانيين إلى الحدود البولندية وهم يُستقبلون برحابة صدر.. لكن حينما يقف سوريون وعراقيون وأفغان عند تلك الحدود، يصف الأوروبيون الأمر بأنه «أزمة مهاجرين»، رُغْمَ أن العنف والمعاناة فى الحالتين لا يختلف، إلا أن تعامُل الإعلام معهما يختلف. وهذا ما دفع الكثير من وسائل الإعلام المعروفة إلى نشر اعتذارات علنية لتهدئة غضب المعلقين العرب على مواقع التواصل الاجتماعى.

صورة عنصرية ثالثة من نتائج هذه الحرب، وضحت فى تناوُل الكيانات الرياضية الدولية فى التعامُل مع الرياضيين الروس؛ حيث تم منعهم من المشاركة فى أى أنشطة أو بطولات دولية ووصل الأمر إلى إقصاء الفيفا للمنتخب الروسى من المرحلة النهائية لتصفيات كأس العالم 2022 التى ستقام فى قطر حتى ولو تحت راية العَلم الأوليمبى، فى الوقت الذى شهدت أغلب الملاعب الأوروبية تضامنًا مع أوكرانيا، وألغت بعض الفرق عقود رعايتها مع شركات روسية عقابًا لها على خوض دولتهم هذه الحرب، موقف دعائى وعنصرى بجدارة يتميز بالكذب وعدم الصراحة، ويثبت وقوع هذه الهيئات الرياضية تحت سيطرة وهيمنة بعض الدول، وإلا بماذا نفسر فرض عقوبة مالية على اللاعب المالى (فردريك كانوتيه) عندما كشف عن قميصه المكتوب عليه شعار يعبر عن تضامنه مع القضية الفلسطينية خلال إحدى مباريات الدورى الإسبانى.. وبماذا نفسر تعرُّض (محمد أبوتريكة) لعقوبة مالية من الاتحاد الإفريقى للعبة؛ بسبب ارتدائه قميصًا يحمل شعار «تضامنًا مع غزة» خلال مباراة منتخبنا مع نظيره السودانى فى إطار منافسات كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم التى جرت فى يناير 2008 فى غانا.. وبماذا نفسر فرض عقوبة الإيقاف لمدة 10سنوات على لاعب الجودو الجزائرى (فتحى نورين) فى العام الماضى على خلفية انسحابه من مواجهة لاعب إسرائيلى فى أولمبياد طوكيو 2020 لمجرد إقحامه السياسة فى الرياضة، اعتمادًا على الميثاق الأوليمبى الذى يمنع تدخُّل السياسة فى الرياضة، ولكن ليس هناك من ميثاق أو شرف فى الرياضة أو غيرها طالما أن الأمر يخص الكبار والمسيطرين، ولهذا لا عزاء للرياضة التى كانت من المفترَض فيها أن تقرِّب بين الشعوب، التى استغلها البعض لتمرير سياسته التى تخدمه وحده وفى الوقت نفسه تؤكد عنصريته.