الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أكدوا أنها تفسد فنون الكتابة ومزجها بالفصحى تحدده قواعد أدباء ونقاد: اللجوء للعامية عجز وجهل باللغة

الكتاب غذاء العقول، وعالم من الأفكار، ومحفز على الابتكار والخيال، كما أنه وثيقة لتسجيل التاريخ، وحفظ العلوم؛ حيث تتنوع المضامين الثقافية، والمحتويات الفكرية، لتتيح للقارئ الانتقاء والاختيار بما يتلاءم مع ذائقته، وفيما اتخذ البعض الفصحى نهجًا لإيصال أفكاره، سلك آخرون طريق العامية، لتعود إلى السطح مجدداً قضية جدلية قديمة جديدة حول الخلاف بين مؤيدى الفصحى، ومؤيدى العامية.



 

ويؤكد روائيون وأدباء فى تحقيق أجرته مجلة روزاليوسف أن الكتابة بالعامية لا يصح لها أن تبقى مسجّلة بالكتب، حيث يكفى التحدث بها فى الحياة اليومية، كما أن الكتابة بها يعد عجزًا وجهلًا باللغة العربية، بينما يرى آخرون أهمية استخدام العامية فى الحوار، حيث بإمكانها إضفاء الواقعية على الأحداث، وربط القارئ بالشخصيات.

 فراغ ثقافى 

يوضح د. عادل الميرى الفائز بجائزة ساويرس الثقافية عن أفضل عمل روائى فرع كبار الأدباء: «لست مع تأليف الكتب والروايات بالعامية المصرية، لأن العامية لا يصح لها أن تبقى مسجّلة فى كتب، يكفى لها أن تكون موجودة فى الحياة اليومية، كما أعتقد أن السبب الرئيسى فى اللجوء إلى العامية هو الاستسهال، فأغلب الذين يلجأون إلى استعمال العامية فى الكتابة والتأليف لا يجيدون قواعد العربية الفصحى، هى إذن مسألة قصر ذيل».

ويضيف: «لا أعترف بالدمج ولا أعترف أن هناك ما يسمّى عامية راقية، لو فتحنا الباب لاستعمال العامية فى الكتابة سنجد مؤلّفين يستعملون مفردات شديدة الرداءة، كما أن القراءة هى عملية يجب على الإنسان أن يبذل فيها مجهودًا، لفهم النص وفقًا لمفرداته وتركيباته النحوية، أما ترك الكتابة للعامية، التى لا يبذل القارئ فيها أى مجهود سوف ينتهى بنا إلى فراغ ثقافى هائل».

 جهلٌ باللغة

يرى الإعلامى والروائى محمد موافى، أنه باستثناء شعر العامية فإن الكتابة بالعامية عجز وجهلً باللغة العربية، التى تسع جميع قوالب الكتابة، كما أن اللجوء للعامية يرجع إلى الجهل بالفصحى، هذا فى المقام الأول، كما أعتقد أن اتساع السوشيال ميديا شجّع الجميع لكتابة أى شىء من أجل الحضور أو نيل الإعجابات، ثم تصوروا أن مجاملات أصدقائهم على الفيسبوك، تعنى أنهم مبدعون، فقرروا الكتابة وهم بعيدون عن أبجديات الكتابة، ولم يجدوا منفذًا إلا العامية، مع أن بعض هؤلاء لو جرّبوا الكتابة بالفصحى، حتى لو أخطأوا، فسوف يجدون لذة لا تعادلها لذة فى الكتابة.

ويقول: «إن العامية عامية، والفصحى فصحى، ولا أحب الجمع بينهما، ولو دققنا النظر فيمكننا اكتشاف فصاحة كثير من الألفاظ التى نراها عامية، شرط أن نوظفها بمعناها الحقيقى، كما أن القراءة لا تحتاج تشجيعًا، إنما تحتاج نصّا بديعًا وكلامًا يشبه ما يجول فى قلب القارئ، وتشجيع الشباب على القراءة عن طريق العامية يشبه تمامًا إعطاء طفل مصاب بتسوس الأسنان سكر وحلويات بدعوى أنها ستفتح شهيته للأكل، وبحكم الكتابة فأنا أقرأ كل ما أصل إليه ويكون له علاقة بما أكتب، وبعيدًا عن ذلك فأغلب قراءاتى تتوزع على الفلسفة والتاريخ والشعر، والروايات بالطبع».

 لغة ندائية

من جهته، يوضح الناقد الأدبى د.بهاء حسب الله، أن الكتابة بالعامية فى الروايات لها تأثيًر على اللغة العربية، كما أنه ليس محبذًا فى سياق السرد والوصف، ونقل الأحداث، ولكنه قد يكون مقبولًا وواقعيًا فى فن الحوار والجدل الكلامى أو المنولوج الذاتى فى كتابة النص، ورموزنا الكبيرة أمثال نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويحيى حقى كانوا يغلبون الفصحى حتى على الحوار الداخلى فى قلب النص الروائى، أما تأليف الكتب بالعامية يعد عاملاً من عوامل تدمير الفصحى، أو الرغبة فى ذلك، خاصة أن العامية المعاصرة باتت مبتذلة بعد أن تعانقت مع الأغانى الهابطة التى يطلقون عليها أغانى المهرجانات أو الأفلام الرديئة وكذلك بعد أن اختلطت باللغات الأخرى مثل الفرانكو وغيرها، ولهذا فالعامية المعاصرة تخالف وتناقض عاميتنا المصرية القديمة التى كانت جزءا لا يتجزأ من فصحانا الراقية.

ويفسر الأمر بأن الكتابة بالعامية نوع من التجديد ولكن السؤال هنا أى تجديد وحينما نقول الكتابة بالعامية فمن الواجب أن نسأل أنفسنا أى عامية مقصودة؟ هل هى عاميتنا المصرية القديمة التى كانت جزءًا لا يتجزأ من اللغة الفصيحة أو لغة الفصحى، أم العامية الجديدة التى باتت فى حاجة إلى معجم لفك مفرداتها، ابتدعنا عامية جديدة لا تعكس طبيعتنا على الإطلاق عامية بلا خلفية واعية، فأصبحنا نسمع الشباب وهم ينادون على بعضهم البعض بلفظ (يا اسطى) وهو لفظ غريب على مجتمعنا وله سياقه، واستعماله الخاص، لكنه مع انتشاره أصبح لغة ندائية منتشرة، فكيف إذن نثق فى كتاب أو رواية تكتب بهذه العامية الجديدة؟ 

ويؤكد: «إن الحل الأمثل للحفاظ على اللغة هو الإبقاء على فصحانا خاصة وهى فصحى راقية بألفاظها ومفرداتها وتنوع دلالاتها ورموزها، وإذا اضطررنا إلى توظيف العامية فلتكن فى شروح أو توضيحات تخدم فصحانا المثالية، كما نرى فى الروايات المعاصرة تحديدًا، وفى الرواية لا مانع على الإطلاق أن تأتى العامية فى سياق الحوار، ولكن بشرط أن تكون عامية تمثل رقى لغتنا وتفردها وليست عامية من هذا القبيل الجديد، عامية المهرجانات والأفلام المبتذلة والتى انتشرت للأسف على ألسنة الشباب، إن عاميتنا المصرية القديمة والتى نشأت أجيالنا عليها هى عامية راقية نستطيع أن نقول إنها تمثل الوجه المبدع والفاتن لفصحانا، وهى كانت وما زالت جزءًا أصيلًا من فصحانا الخلابة».

 أكثر رواجًا 

 ويرى د. عماد الدين الأكحل، مدير منشورات إبييدى للنشر والتوزيع والترجمة أن «كتابة العمل بأكمله بالعامية، يعد إهدارًا للقيمة الفنية له؛ حيث يقلل فرص انتشار العمل بين القراء فى البلاد العربية الأخرى، كما أن الأصل الوظيفى للغة يتمثل فى سهولة التواصل، وفهم الأفكار، ومن ثم فمن لا يعلم معنى اللفظة العامية بالتأكيد لن يفهم الفكرة كاملة، كما أن الكتب هى أحد مصادر التعلم، فمن المهم رفع المستوى اللغوى والثقافى للقراء من خلال تقديم لغة صحيحة سليمة، كما يجب أن تكون الكتب بأكملها باللغة العربية السليمة، أما الروايات والمسرحيات فلا مانع من وجود الحوارات، أو بعض التعبيرات باللهجة العامية للشخصية إذا كانت هناك ضرورة تستدعى ذلك».

ويضيف أن اللغة الفصحى السليمة هى الأكثر رواجًا وطلبًا، وذلك ما أراه من منطلق خبرتى الشخصية فى مجال النشر، ومن خلال التعامل مع القراء فى معارض الكتاب المختلفة، كما شهد آخر معرض للكتاب زيارة «قارئة عربية» لمنشورات إبييدى، وأبدت إعجابها بعدد كبير من الأعمال، وطلبت العديد منهم ولكن كان شرطها الأوحد أن تكون لغة العمل الفصحى، حتى فى الحوارات كما ينبغى أن تكون الأعمال المترجمة باللغة الفصحى بما فيها الحوارات، لأن استخدام اللهجة العامية يضيف بعداً محلياً على شخصيات العمل ويبعدها عن بيئتها الأصلية ويبدد صوت المؤلف وأسلوبه.

ويوضح أن سياسة النشر لدينا تشترط أن يكون العمل بالفصحى، وفى الروايات لا نقبل أعمالا بها حوارات باللهجة العامية إذا زادت عن %10 من عدد كلمات العمل، وبعض الكتاب يفضلون الكتابة بالعامية، وهؤلاء أحرار فى اختياراتهم ولكننا نرفض هذه الأعمال، وبالتأكيد سيظل العدد الأكبر من الأعمال المنشورة باللغة العربية الفصحى، ولكن لا أتوقع اختفاء كتب العامية، بل سوف تستمر أيضًا بأعداد محدودة للغاية.

 الاختيار للقارئ

فى المقابل يرى الكاتب والسيناريست باسم شرف، أن كتابة الروايات بالعامية يشبه الحكى الشفاهى كما أن جميع المضامين تصلح للحكى سواء بالعامية أو الفصحى، ولست ضد أى نوع من الحكى، حيث يتوقف الأمر على قدرة المتلقى على استيعاب هذا النوع من الحكى أم لا، بالإضافة إلى ذائقة القارئ التى تختلف باختلاف ميوله ورغباته.

ويضيف: «ككاتب أفضل كتابة النص بالفصحى، بينما الحوار بالعامية لإضفاء الواقعية على الأحداث، شخصيات العمل، وفكرة أن الكتابة بالعامية تفقد الفصحى معناها «دا كلام فارغ»، ليس هناك ما يسمى باللغة المقدسة، حيث إن اللغة أداة لإيصال المعنى المطلوب، وليست هدفاً فى حد ذاتها، فهناك أعمال ترجمت بالعامية ولاقت قبولًا واسعًا مثل مسرحيات شكسبير، وبيرتولدبيرشت، ويونيسكو، وصمويل بيكت، كما أن اللغة العامية قد لا تتلاءم مع ميول البعض، لكنها تتمتع بمكانتها ولها أهميتها أيضًا، فهناك أعمال لا استطيع قراءتها بالعامية، لأننى قرأتها فى البداية بالفصحى واستمتعت بها، ومن المحتمل أن أستمتع بها أيضًا إذا تناولتها بالعامية، لا أعلم؟!، فلا يوجد شىء ثابت أو حقيقة مطلقة، ولكن علينا أن نترك حرية اختيار اللغة للقارئ».

 اندثار للغة 

ويقول الروائى بهاء حجازى: « إن العامية أقرب للقراء، وأسهل فى الفهم؛ حيث يزداد معدل القراءة بالعامية عن القراءة بالفصحى، كما أن استخدام العامية فى كتابة الحوار، من شأنه إيصال المعنى المطلوب إلى القارئ بصورة أقرب، إضفاء الواقعية على الشخصيات مثلما كان يكتب أستاذ «نجيب محفوظ» رحمة الله عليه حواره بالعامية، وذلك الأمر كان مأخوذا عليه».

ويضيف: «هناك اتجاه الآن للكتابة بالعامية، الهدف منه توصيل المعلومة بصورة أبسط، وأبرز من يكتب فى هذا الاتجاه الكاتب مؤمن المحمدى، الذى تحدث عن «قريش قبل وبعد ظهور الإسلام» فى سلسلة بالعامية، لكننى لا اميل للكتابة بالعامية لأن ذلك سيؤدى بمرور الوقت لاندثار اللغة، لكن أفضل كتابة الحوار بالعامية فى الروايات لإضفاء الواقعية، اتصال الشخصيات بالقارئ».

 شامخة كالقلاع

ويرى الكاتب الروائى مصطفى منير، أن الأمر يتوقف على مدى ملاءمة القالب فهناك الكثير من الكتب بالعامية وقدمت محتوى جيداً، لأن العامية تتلاءم مع هذا القالب مثل الكتابات الساخرة، كتاب «حكايات الرّوب الأسود» لأدهم العبّودى يتحدث فيه عن إنسانية المحاماة، واستطاع باستخدام العامية إيصال المعنى المطلوب، وإزالة الحاجز بين القارئ وانطباعاته الخاطئة حول مهنة المحاماة.

ويضيف: «هناك من يفضل الفصحى فى السرد، والعامية فى الحوار وهناك من يمزج بينهما مثل خيرى شلبى الذى كان يستخدم المزيج الرّائع بين العامية والفصحى فى السرد، لكننى لا أؤيد كتابة رواية كاملة بالعامية، وأفضّل كتابة السرد والحوار بالفصحى، وهى مسألة ذائقة وليست مسألة قداسة».