الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث..  المسكوت عنه فى أزمة «المعــراج»

الطريق الثالث.. المسكوت عنه فى أزمة «المعــراج»

كشفت تصريحات الأستاذ إبراهيم عيسى، وتشكيكه فى قصة رحلة «المعراج»، عن عوار واضح فى مقدرة المجتمع المصرى على الحوار والتعامل مع الاختلاف، وحدثت أزمة (بدون لازمة)، تفاقمت فيها حالة التمترس الدينى، والتطرف خلف وجهات النظر المتعصبة، بين معارض بشدة لرأى عيسى (بالغ البعض فى خصومتهم.. وأساءوا للدين الذى خرجوا يدافعون عنه)، وبين مؤيد بقوة له (ولكن بلا قدرة حقيقية على الإقناع ومخاطبة الآخر باحترام)، وبلغ كلا الفريقين حد الجنون فى تعبيره عن موقفه بصورة جعلت المشهد مأساويًا، ووصل الأمر إلى حد تقديم بلاغ ضد عيسى، أحاله المستشار النائب العام إلى النيابة العامة للتحقيق.



يجب أولًا أن نستوعب قيمة قصة «المعراج»، المعجزة النبوية الأصيلة فى العقيدة الإسلامية، والتى لم تكن فقط رحلة أسطورية قام بها نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى السماء، بل كانت تأسيسًا وركيزة لأهم أركان المشروع الإسلامى، وهى الصلاة، وربما يفسر هذا حدة الغضب عند الكثير من طوائف الشعب المختلفة، كما أسهم أيضًا فى إشعال الموقف، تراكم السخط من تصريحات متتالية للإعلامى الشهير فى برنامجه التليفزيونى «حديث القاهرة»، الذى تذيعه قناة «القاهرة والناس» منذ ديسمبر 2020، ويطرح فيه أفكاره تحت شعار «عودة الوعى»، ولكن للأسف تحولت هذه الأفكار إلى قنابل أشعلت حربًا كلامية فى المجتمع، وزادت من الاستقطاب الدينى والسياسى والرياضى.

وفى سياق الأزمة، وتحت عنوان «الإسراء والمعراج حقيقة لا وهم»، نظم الأزهر لقاء هامًا هذا الأسبوع، جاء فى إطار ملتقى «شبهات وردود»، وهى سلسلةَ من الندوات تجمع نخبة من كبار رجال الدين لنشر صحيح الإسلام والرد على الشبهات وتفنيد الأفكار المتطرفة، وتعزيز التواصل بين العلماء وجمهور الرواق الأزهرى، والحثِّ على تهذيب النفوس وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية السوية.

وقد أوضح علماء الأزهر فى الملتقى، أن معجزة الإسراء والمعراج كانت ولا تزال رسالة سلام للعالمين، وهى معجزة ثابتة بالكتاب والسنة، ففيها فرضت الصلاة التى هى معراج المؤمن والصلة بين العبد وربه، وأن من يشكك فى هذه المعجزة ويريد أن يُحكِّم العقل فى ثبوتها بأن حدوثها مستحيل، ونسى أن المعجزات هى فى الأصل أمور خارقة للعادة يجريها الله بقدرته على يد أنبيائه ورسله، مثل معجزة شق البحر، والنار التى كانت بردا وسلاما، وإحياء الموتى بإذن الله، وغيرها من المعجزات التى أيد الله بها رسله.

وقد دأب عيسى على إثارة الجدل بآرائه، التى يرى البعض أنها ربما تسهم فى تحريك الركود الفكرى الذى يعانى منه المجتمع المصرى، وأن لها أهدافًا تنويرية، ومعارك عيسى ممتدة ومستمرة وتحتشد مجلدات وأرشيف مجلتنا العزيزة «روزاليوسف» بجزء كبير منها، وفى العام الأخير يتذكر له الشارع المصرى تصريحات أثارت غضبًا واسعًا، منها تعليقه على الشعار الشهير لجماهير الكرة، «الأهلى فوق الجميع» بأنها «جملة نازية استخدمها هتلر فى الحرب العالمية الثانية»، كما أثار الجدل بعدما اقترح تدريس نصوص من الديانة المسيحية واليهودية، أسوةً بما يتم تدريسه من الدين الإسلامى لمراحل التعليم ما قبل الجامعى، وذلك خلال حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى سبتمبر 2021، كما طالب عيسى خلال كلمته بنفس الحفل، بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الهوية، وقصر الدعم على طفلَين فقط للأسرة.

ورفضى معروف (ومنشور)، لآراء إبراهيم عيسى فى أغلب ما يتعلق بالدين خاصة ما يطرحه فى برنامجه «مختلف عليه» الذى تذيعه قناة «الحرة» الأمريكية، وكذلك لدى تحفظات كثيرة على مواقفه السياسية فى الفترة ما بين عامى 2011 و2013، إلا أننى أرى أن محاكمة أى صاحب رأى، تمثل خسارة شخصية لى ولمهنتى مهنة الصحافة التى أعتز بها، وتنتقص من مساحة الحرية التى تتنفس بها الأرواح وتنطلق منها العقول لتبدع وتسهم فى تطور الحياة الإنسانية.

لهذا لا أرى بديلًا عن الحوار، كى تنقشع الأزمة، وكى لا تتكرر ويتورط الوطن من جديد فى احتراب فكرى لا يحتمله ولا يقدر على ثمنه، فما أحوجنا فى هذه المرحلة من تاريخنا إلى وحدة الصف ولم الشمل لمواجهة التحديات وتخطى الصعاب، وأملى كبير فى حكمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وأدعوه من على صفحات «روزاليوسف»، لأن يفتح باب الحوار المباشر مع كل من يظن أن لديه اجتهادًا مختلفًا فى أمور الدين، من المفكرين وأهل الرأى، مهما بلغ بهم الشطط فى الاجتهاد والشذوذ عن السائد، طالما كانت أفكارهم وآراؤهم فى إطار لا يتجاوز القانون.

وأرجو أن يقوم الأزهر الشريف وبشكل عاجل، بتوجيه الدعوة إلى إبراهيم عيسى، لحوار شامل مع العلماء، فى ملتقى «شبهات وردود» أو غيره من المناسبات الأزهرية، لمناقشة آرائه الفكرية، وخاصة ما ذكره عن قصة «الإسراء والمعراج»، وغيرها من الأفكار الدينية التى يطرحها فى برامجه، ويتابعها الجمهور فى مصر والعالم العربى.

وتحضرنى فى الختام، قصة الخلاف الشهير بين الشيخ متولى الشعراوى والأستاذ توفيق الحكيم، بسبب نشر الحكيم سلسلة من المقالات فى جريدة الأهرام عام 1983 بعنوان «حديث مع الله»، والتى رأى الشعراوى بأنها «خطيئة لا تجوز..»، وتستوجب الاستغفار، بحسب ما أورده أستاذنا الصحفى الكبير صلاح منتصر فى كتابه المهم «توفيق الحكيم فى شهادته الأخيرة»، والذى أكد فيه أن الحكيم «كان يشعر بأنه يستطيع أن ينافس فى أحاديثه الدينية الشيخ الشعراوى»، وفى أحد فصول الكتاب، يحكى منتصر عن مقال كتبه نشر فى أغسطس 1984 ليجمع بين الغريمين الكبيرين، بعد المعركة الفكرية التى دارت بينهما على صفحات الجرائد واشتبك فيها العديد من العلماء والمثقفين دعمًا لكل طرف، وكان مقال منتصر سببًا فى زيارة الشيخ الشعراوى لتوفيق الحكيم فى المستشفى، وطى صفحة الخلاف بينهما وصفاء الأجواء بين الفكر والدين، حدث ذلك فى زمن كانت الحكمة هى الحكم بين العقول، وهو ما نرجوه اليوم.