السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عِظَم مكانة النبى.. وحُسن التوكل على الله.. والصبر على البلاء أبرز الرسائل الإسراء والمعراج قدرة إلهية.. ورسائل ربانية للبشرية

لا تزال ذكرَى رحلة الإسراء والمعراج من كل عام تمثل رسالة متجددة للبشرية تحمل فى طياتها دروسًا كثيرة، ورسائل إلهية للبشرية حتى تنصلح العلاقة بين البشر وخالقهم، ويظلون على مقربة منه تعالى، ولذلك كان لا بُدَّ من الكشف عن أبرز الرسائل الإلهية للبشرية فى تلك الرحلة، وكيف أنها مثلت تحولاً إنسانيًا فى زيادة القرب من الله تعالى، والعمل بما جاء فى رحلة الإسراء والمعراج من دروس وعِبَر.



 

وعن رحلة الإسراء والمعراج وفلسفتها يرى د.محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن أعظم رحلة فى تاريخ البشرية هى رحلة الإسراء والمعراج من مكة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماوات العُلى، وأن رحلة الإسراء والمعراج تُعَد بيانًا لمدَى القدرة المطلقة لله (عَز وجَل)، فهو خالق الأسباب والمسببات أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

وشدد أن رحلة الإسراء والمعراج كانت كاشفة فيما كشفته عن مكانة الحبيب (صلى الله عليه وسلم) عند ربه فعندما وصل مع الأمين جبريل (عليه السلام) إلى مكان معلوم، وقال (صلى الله عليه وسلم) تَقدَّم يا أخى يا جبريل، قال جبريل (عليه السلام) بل تقدم أنت يا محمد فما منا إلا له مقام معلوم.

أضاف إن ما هو عجيب عند الناس فليس عجيبًا عند الله؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)، وكلمة «سبحان الله» كلمة تنزيه، وفيها هنا معنى الطلب، أى سبح وعظم وقدس واخشع مَليًّا أمام قدرة الخالق (عَز وجَل) فهو القادر، خَلق السماوات بغير عمد ترونها ليل نهار دون أعمدة، قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)، وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)، فإياك أن تظن أنك أنت الزارع الحقيقى، فقط أنت تحرث وتبذر وتسقى أمّا الزارع الحقيقى والمُنبت الحقيقى فهو الله سبحانه، ثم انتقل سبحانه وتعالى إلى بيان آية أخرى فقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)، فلو شاء سبحانه لجعله مالحًا لا يُطاق، بل خلق اللهُ الماءَ العذبَ والماءَ المالحَ، قال تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)، بأمر من أمره إذا أراد شيئًا أن يقول للشىء كن فيكون، ثم ينبهنا رَبُّ العزة سبحانه فيقول: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)، وهى المياه الجوفية فى طبقات الأرض، فيخبرنا سبحانه أنه هو الذى خَلق هذا الماء وقرَّبه إلينا، مَن غير الله يأتيكم بهذا الماء إذا غار فى الأرض؟.

وشدّد أنه لا بُدَّ أن نقف خاشعين أمام قدرة الله (عَز وجَل) منزهين الله سبحانه وتعالى عمّا لا يليق به، فَمَن غيرُ الله يُنبت الزرعَ، ويُنزل الماءَ، وهو الذى أسرَى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصَى، فالإسراءُ والمعراجُ أمْرٌ يسيرٌ على الله لكنه عجيبٌ فى دنيا الناس. وحول وصف العبودية للرسول فى حادثة الإسراء حيث قال سبحانه: (بعبده) لم يقل بنبيه ولا برسوله؛ أوضح د. مختار جمعة أن مقام العبودية أعلى المقامات، وإضافة العبودية لضمير الجلالة هى إضافة تشريف وتعظيم، وعندما قال المشركون: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا)، جاء الرد الإلهى حاسمًا: (تَبَارَكَ الَّذِى إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا)، فهذا مقام الحبيب (صلى الله عليه وسلم) عند مَن قال له: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)، وجاءت هذه الرحلة تسرية عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبيانًا لمكانته ومنزلته عند ربه. 

من جهته يؤصل مفتى الجمهورية د. شوقى علام؛ لفكرة أن معجزة الإسراء والمعراج فيها من الدروس والعبر ما نحن بحاجة إليه الآن، مثل حُسن التوكل على الله تعالى، والأخذ بالأسباب، إلاّ أنه يرى أن الدرس الأعظم فيها هو ترقب الفرَج فى كل شدة؛ لأن المحن تتبعها المنح.

وأضاف: علينا أن نسعَى بالجد والاجتهاد والعمل لتحصيل ثمار الكد والصبر، فمعجزة الإسراء والمعراج أكدت أن على المسلمين عامّة وعلى أولى الأمر خاصة أن يصبروا وأن يحملوا غيرهم على الصبر.

وأوضح مفتى الجمهورية، أن هذه الذكرَى العطرة أكدت ثقة النبى (صلى الله عليه وسلم) بنصر الله تعالى، وصبره على البلاء. لافتًا النظرَ إلى أن جذور المسجد الأقصى ستظل راسخة فى قلوب المسلمين وضمائرهم؛ لأنه قضيتنا التى لن تغيب عن اهتمامنا ما دُمنا نقرأ قول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالأقصى جزءٌ لا يتجزأ من المقدسات الإسلامية، انتهى إليه إسراءُ نبينا ومنه بدأ معراجه إلى السماوات العُلى، ثم إلى سدرة المنتهَى.

 فتوحات ربانية

العالم الجليل د.على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، يَعتبر أن معجزة الإسراء هى كشفٌ وتجلية للرسول (صلى الله عليه وسلم) عن أمكنة بعيدة فى لحظة خاطفة قصيرة، وكل من له علمٌ بالقدرة الإلهية وطبيعة النبوة لا يستغربون من ذلك شيئًا، فالقدرة الإلهية لا يقف أمامها شىءٌ ولا تتساوَى أمامها جميع الأشياء والمقدرات، ولا يمكن قياسها باعتماد الإنسان لما يشاهده ويدركه بحواسه البشرية الضعيفة؛ فهى ليست الحُكم فى تقدير الأمور بالقياس أمام القدرة الإلهية.

أضاف إن من خصائص طبيعة النبوة أن تتصل بالملأ الأعلى، وفى هذا الأمر تجليات وفتوحات ربانية يمنحها اللطيفُ القديرُ لمَن يصطفيه ويختاره من رُسله.والوصول إلى الملكوت الأعلى بأى وسيلة كانت- معلومة أو مجهولة- ليس أغرب من تلقى الرسالة والتواصل مع الذات العلية، ولهذا فقد صدَّق أبو بكر (رضى الله عنه) هذه المعجزة قائلاً: إنى لأصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء (رواه الحاكم فى المستدرك). وأبو بكر الصديق يشير من واقع إيمانه العميق إلى أن هذه الحادثة ليست ضربًا من الخيال؛ بل هى مسألة معتادة بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الله ورُسله ومن كشف الغيب لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه عندما عاد وجادله المشركون فى مكة غير مستوعبين لتلك المعجزة، وطلبوا منه وصف المسجد الأقصى، جلى الله له المسجد رأى العين، فأخذ يصفه لهم رُكنًا رُكنًا.كما يتجلى فى رحلة الإسراء وحدة الرسالات السماوية وأصل التوحيد، فكل الرسل جاءت بدعوة الإسلام قال تعالى: (قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ).

وأوضح فضيلة د.على جمعة، أن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) التقى فى هذه الرحلة بإخوانه من الأنبياء، وصلُّوا صلاةً واحدةً يؤمهم فيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إشارة إلى أن هذه الأمَّة تتبع جميع الأنبياء وتؤمن بهم، وأن آخر الرسل موصول بأولهم. إن الله سبحانه كما أرسل الرسل بالعهد القديم، والعهد الجديد؛ فقد ختمهم برسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى أنزل معه العهد الأخير والرسالة الخاتمة: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).

واختتم د.على جمعة حديثَه قائلاً: لقد أصبحت هذه الرحلة رمزًا أبعد وأوسع من حدود الزمان والمكان لتأكيد أن الإسلام هو دين الله الخاتم وهو الدين الذى أرسل بأصله الأنبياء والمرسلون لهداية العالمين.