الإثنين 3 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. ملامح «الإبداع» فى الجمهورية الجديدة  اكتشاف المواهب ونشر الإيجابية وثقافة «التنافس»

الطريق الثالث.. ملامح «الإبداع» فى الجمهورية الجديدة اكتشاف المواهب ونشر الإيجابية وثقافة «التنافس»

وتتوالى بشائر الجمهورية الجديدة فى شتى مجالات الحياة، وفى الوقت الذى تشهد فيه الشوارع والطرق ثورة تجديد شاملة تستهدف رسم خريطة عصرية لكل الأحياء المصرية، تتشكل بها جغرافية راسخة تليق بـ«أم الدنيا»، يجرى أيضًا استعادة كرامة المواطن بتكثيف التحركات الإنسانية فى الحوارى والعطوف والقرى والنجوع، عبر المشروع الاستراتيجى الأهم فى تاريخ مصر، «حياة كريمة»، الذى يحفر بين الصخور بالتوازى طريق الأمل الذي ينطلق بالمصريين نحو المستقبل.



 

وبين الإنسان والمكان، والحياة الكريمة والعاصمة الجديدة، تشهد الجمهورية المصرية فى كل ربوعها حراكًا ثقافيًا مدهشًا، تجلى واضحًا فى نجاح معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ 53 التى انتهت قبل أيام، والذى شهد حضورًا جماهيريًا ضخمًا تجاوز 2 مليون زائر، من مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية فى مشهد حضارى مميز، رغم برودة الطقس واستمرار الإجراءات الاحترازية المطبقة للحد من انتشار الإصابة بفيروس «كورونا» ومتحوره الأخيرة «أوميكرون»، ونجح الكتاب فى أن يجدد حضوره البطولى على عرش الثقافة المصرية.

وتابعت سعيدًا قبل أيام، انطلاق الموسم الأول من برنامج مصرى لاكتشاف المواهب الفنية والإعلامية، وكان موعدى مع «الدوم»، الذى يعد أول برنامج من نوعه فى الشرق الأوسط يجمع بين الفن والإعلام، وتنتجه شركة «ميديا هب» بدعم من وزارتى الثقافة والشباب والرياضة، وتتبناه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يشارك فى البرنامج 200 متسابق من الذكور والإناث من 27 محافظة، تتراوح أعمارهم بين 16- 28 سنة فى الغناء والتمثيل، ومن21 إلى 28 عامًا فى التقديم التليفزيونى، وجرى اختيار المشاركين من بين آلاف المتقدمين للمسابقة، التى تتيح فى نهايتها لأفضل موهبتين من كل فئة المشاركة فى أعمال احترافية تنتجها الشركة الراعية.

والتنافس الشريف هو أقصر وأسرع الطرق لصناعة مستقبل قوى وواعد، فالمنافسة هى التى تبرز مواهب الشباب، وتطلق مهارتهم وتكتشف قدراتهم، وتنتشلهم من الإحباط واليأس وبراثن الإرهاب والتطرف والانحلال الأخلاقى، والمنافسة تمنح الحياة معنى وقيمة، وتجعلها فرصة جادة أمام الطامحين، وتستبعد الفاسدين من أصحاب المحسوبية والمحاباة والواسطة، مما يعمق شعور الانتماء الذى ينمو ويزهر تحت راية  المساواة والنزاهة.

إن نشر ثقافة «المنافسة»، هى أساس متين يعول عليه فى الجمهورية الجديدة، التى تحتفل قريبًا بإنهاء أعمال التشييد والبناء لمدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة، وهى أكبر مدينة فنية وثقافية من نوعها فى العالم وتقام على مساحة 127 فدانًا، وتم تصميم المدينة لتكون مركزًا ومنبرًا للثقافة العالمية، ومنارة للإبداع الفنى والثقافى، وتضم دار أوبرا ومسرح وقاعة احتفالات كبرى تستوعب 2500 شخص مجهزة بأحدث التقنيات، كما تضم الأوبرا المسرح الصغير وهو عبارة عن قاعتين يستوعب المسرح 750 شخصًا، وتقام به العروض الخاصة، ومسرح الجيب الذى يستوعب 50 شخصًا، ومسرح الحجرة، ومركز للإبداع الفنى، وقاعة العرض السينمائى، وثلاث قاعات للتدريب على الغناء والعزف، واستوديو تسجيل صوتى ملحق به ثلاث قاعات للمونتاج مجهزة بأحدث التقنيات العالمية، كما يضم المشروع متحفًا عن الأوبرا وتاريخها بمصر، ومتحف الفن الحديث يضم مقتنيات متنوعة لفنانين عالميين ومصريين، ومكتبة موسيقية، بالإضافة لمكتبة مركزية ومتحفًا للشمع يضم مجموعة من تماثيل كبار الشخصيات المصرية وبيتًا للعود لتعليم النشء.

فيما أسهَمَتْ آلياتُ التفكيرِ الإيجابى فى إحداث تأثير مدهِشٍ فى مختلفِ مناحى الحياة، بعد أن فَرَضَ مصطلح «الطاقة الإيجابية» وجوده بقوة لما يمثِّلُه من حافزٍ قويٍّ لإحداث تغييرات صحية وفاعلة فى المجتمع، وأصبح من المصطلحات المحببة لدى معظم شعوب العالم، وأمست «الإيجابية» هى المفتاح السحرى للوصول إلى العقول المستنيرة والمتحضرة.

لهذا فإنه من المفيد إحياء مبادرة سبق وان ناقشتها قبل سنوات فى العديد من وسائل الإعلام، تبلورت بسبب تفشى «الإبداع السلبى» فى غفْلَةٍ من مبدعينا، وسيطرته على مختلفَ مجالات الفنون والثقافة خلال الربع قرن الأخير من تاريخنا المعاصر، وأطاح زبانيتُهُ وفق معطيات السوق بمنطق البناء الخلَّاق للإنسان، الذى يُعَدّ أسمى ما يقوم به الإبداع، وتحوَّل كل ما يُفرِزُه هؤلاء إلى معاول تهدم الفرد وتدمِّر المجتمع، لن أتوقف عند أسماء أو أعمال، فالجميع يعلم، والجميع يحلم بإيجاد مخرج لأزمة الإبداع، ولمحنة المبدعين.

وفى ظل تغلغل هذا الإبداعِ السلبى وهيمنته على دهاليز الفن والثقافة، أصبحَتْ الحاجةُ مُلحَّة لوجودِ تيارٍ إبداعيٍّ جديدٍ يقاوِمُ ويجدِّدُ الدماءَ فى جَسَد الإبداع المصرى، ويتماهى مع الأفكار الجديدة التى نجَحَتْ وأثَّرَتْ فى المجتمعات المتقدمة، وهو ما ظهرت بعض إرهاصاته مؤخرًا فى عدد من الأعمال الدرامية، منها مسلسل «إلا أنا» بأجزائه المتعددة ومواسمه المتتالية، والذى يمثل نموذجًا للفكرة رغم سلبيات درامية عابت بعض قصصه، أما حفلى «موكب المومياوات الملكية»، و«افتتاح طريق الكباش» العام الماضى، فقد كانا نموذجين فريدين لصناعة حدث فنى متكامل متشبع بفكرة «الإبداع الإيجابى». 

ويستوعب الإبداع الإيجابى كلَّ مدارسِ الفنِّون والثقافة والآداب، وينشِّطُ المبدعين ويشجِّعُهُم لطرح مشروعاتهم الإبداعية، وفق منهج الإيجابية فى التفكير، وفى التدبير. والإيجابية فى الإبداع لا يكونَ لها شروط ولا تعملَ وِفْقَ أُطُرٍ أو أنظمة صارمة، لأنها تيار فكرى محفِّز، وأملى أن يكون ملمحًا رئيسيًا للثقافة والفنون فى الجمهورية الجديدة، لهذا أتمنى أن يلقى هذا الاتجاه الإبداعى مزيد من التشجيع الرسمى كى يتحقق المرجو من الثقافة والفنون فى تشكيل العقول وتربية النفوس والترفيه عنهما فى سياق أخلاقى ووطنى.

وأرى من الضرورة فى إطار حديثنا عن الثقافة والفنون فى الجمهورية الجديدة، أن نتذكر معًا كتاب الدكتور طه حسين، «مستقبل الثقافة فى مصر» المنشور سنة 1938، لعله يكون هاديًا لنا، وهو الكتاب الذى وصفه أشد معارضيه بأنه «كتاب عظيم»، وكان هذا ما ذكره سيد قطب فى كتابه المضاد «نقد مستقبل الثقافة فى مصر»، قائلًا عن كتاب عميد الأدب العربى: «أنه بحث جامع متناسق شامل لمراحل الثقافة كلها»، وفى موضع آخر يضيف القيادى الإخوانى: «هذا المؤلف دستور جامع للثقافة فى مصر».

وإعادة قراءة كتاب الدكتور طه حسين، بنظرة عصرية، تشجعنا لأحاديث ومناقشات أخرى عن الثقافة والفنون، وكذلك عن التعليم فى مصر، وربما نحتاج أيضًا لأن نتحدث عن التربية التى هى أساس الأسرة السعيدة فى الجمهورية الجديدة.