الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث ملامح «الخطاب الدينى»  فى الجمهورية الجديدة مــاذا يريد الرئيس من الأزهر؟ "2"

الطريق الثالث ملامح «الخطاب الدينى» فى الجمهورية الجديدة مــاذا يريد الرئيس من الأزهر؟ "2"

هل نجح الأزهر فى «تجديد الفكر الإسلامى»؟، وما هى استراتيجية الإمام الأكبر للتعامل مع التراث الفقهى؟، وكيف أدار الرئيس علاقته مع المؤسسة الشريفة؟



 

سكان القاهرة القديمة، ومن وُلِدوا داخل محيطها الجغرافى الذى شيَّده الفاطميون قبل أكثر من ألف عام، يميزهم ولع صوفيّ وعشق ربانى يرسم سيماهم عند ذكر المولى عز وجل، ويربط قلوبهم على المحبة وتقدير أهل الله. وظنى أن الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، الذى وُلِد فى حى الجمالية، وتربى فى هذا المناخ الدينى المنفتح على بُعد خطوات من السطوة الأزهرية وفضائها الملتصق بمقام الحسين وأهل بيت النبوة، قلبه معلَّق بعشق الأزهر، وعقله منشغل بأن يستمر جامعًا وجامعة، شيوخًا وأساتذة، على نهج مَن سبقوهم من علماء أحيَوْا علوم الدين، وحافظوا عليه وحفظوه.

ويرسل الرئيس إشاراتِ تحفيزية لرجال الدولة من الوزراء والمسئولينَ، وكانَ للشيخ الطيب نصيبٌ منها، حين عاتَبَه الرئيس مازحاً: «تعبتنى.. يا مولانا»، فى كلمته أثناءَ احتفال الشرطة المصرية بعيدها فى يناير 2017، وهى إشارات تأتى فى سياقِ لطفِ الرئيس وتباسطه، معبراً بـ«خفةِ دمٍ» مصرية معهودةٍ فيه، عن رسائلَ خاصةٍ تحملُ قدرًا كبيرًا من المحبة، وتحوى مغزى التذكيرِ بتكليفه الأهم، تجديد الفهم الدينى وتطوير خطابه، وما يُغفِلُه مدمنو الهجوم والصيد فى الماء العكر - ممن يكررون الاستشهاد بهذه الرسالة الرئاسية فى غير محلها- عدد المرات التى أشاد فيها الرئيس بالأزهر وشيخه وعلمائه فى لقاءاتٍ متعددةٍ ومواقفَ مختلفةٍ، كان آخرها ما ذكره الرئيس عن دور الأزهر الفعال فى تجديد الخطاب الديني، وذلك خلال لقائه مع الصحفيين الأجانب على هامش منتدى شباب العالم 2022 بشرم الشيخ، فى يناير الماضى.

لا شك أن الإيقاع العسكرى السريع والمنضبط، يختلف تمامًا عن إيقاع المشايخ وأهل العلم؛ فلكلٍّ مضماره الذى يستوعب طاقاته ويتحمل سرعاته، وربما خلق «فارق السرعات» نوعًا من القلق عند صانع القرار المصرى، الذى يعشق الإنجاز السريع والنتائج الملموسة، ورغم ذلك لم يتردد الرئيس فى إرسال إشارات المحبة والتقدير إلى الإمام الأكبر.

وعندما طلب الرئيس وألحَّ على تجديد الخطاب الدينى، مؤكدًا فى كل أحاديثه على أن الأزهر هو عماد هذه المهمة العظيمة، كان الأزهر سبَّاقًا، عندما أعلن «استراتيجية الأزهر فى الإصلاحِ والتَّجدِيد»، التى جمعَتْ رؤية علماء الأزهر الشريف، وخطتهم لتحقيق الهدف المنشود، والتى تنطلق من ركيزة أساسية هي: «إعداد جيل جديد من شبابِ عُلَمَاء الأزهر ودُعاته، وتدريبهم تدريبًا جَيِّدًا مُناسِبًا لحَمْلِ الأمانة الَّتِى اضطلع بها هذا المعهد العَريق الَّذى رضيه المسلمون فى الشَّرقِ والغربِ وائتمنوه على تعليمِ أبنائهم وبناتهم حقائق الدِّين الحنيف الَّذى أنزله الله هُدًى ورحمة للناس».

واجتهد شيخ الأزهر وجاهد فى تحريك المياه (الراكدة) فى نهر الفكر الدينى وتجديد تراثه، فكان ما طرحه جريئاً ومثيراً للجدل فى برنامج «الإمام الطيب» الذى أذاعه التليفزيون الرسمى خلال شهر رمضان الماضى، حيث تحدث الإمام الأكبر بصراحة كبيرة وشجاعة أدهشت متابعيه، فقال فى إحدى حلقاته: «أنا لا أريد أن أوهمكم بأننى أعد نفسى واحدا من علماء التجديد أو فرسان الاجتهاد، فأنا دون ذلك بكثير جدا، ولكنى لا أنكر أننى واحدٌ من هؤلاء الذين أرقهم هذا الجمود منذ زمن طويل جدا»، وأضاف: «إن الدعوة لتقديس التراث الفقهى، ومساواته فى ذلك بالشريعة تؤدى إلى جمود الفقه الإسلامى المعاصر، نتيجة تمسك البعض بالتقيد - الحرفى - بما ورد من فتاوى أو أحكام فقهية قديمة كانت تمثل تجديدا ومواكبة لقضاياها فى عصرها»، مؤكداً أن: «التجديد الدائم فى التراث هو المنوط به بقاء الإسلام دينا حيا متحركا ينشر العدل والمساواة بين الناس».

ويمثل هذا الكلام وغيره من الآراء المهمة والمؤثرة التى عبر عنها شيخ الأزهر فى برنامجه التليفزيونى، انعكاساً مباشراً لوصول (ثورة السيسى الدينية) إلى أروقة الأزهر، ونجاحاً حقيقيا للرئيس السيسى والإمام الطيب فى إضاءة شموع على طريق الفكر الدينى، ستتحول مع السنوات إلى تنوير حقيقى فى عقل الأمة، وتغيير قوى ومؤثر فى فهمها للإسلام بصورة صحيحة.

إن الأزهر الشريف هذا المعهد الدينى الفريد صاحب الدور المحورى فى نشر ثقافة الوسطية والسلام، داخل العالم العربى وخارجه، له سمات خاصة؛ فهو عالم فسيح من الأفكار الدينية لأهل السنَّة فى الأمة الإسلامية، احتضنهم المنهج الأزهرى بذكاء وحكمة ومتانة فى العلوم الشرعية، وظنِّى أن الرئيس يدرك طبيعة الأزهر المختلفة، ويعلم أيضًا أن هذه المؤسسة العريقة جزء أصيل من بيروقراطية الدولة المصرية، وهو أمر لا ينتقص من قدرها الشريف، وكل العقول المستنيرة فى الأزهر، وعلى رأسهم الإمام الأكبر، على دراية كاملة بالعيوب وأوجُهِ القصور داخل أسوار مؤسَّسَتِهم الشامخة، وهم أناس يتقبلون النقد والمعارضة بصدر رحب، وبأفق منفتح، لكن غضبهم شديد عند التطاول والتجاوز، مثلهم مثل كل المصريين الغيورين الذين يُجِلُّون ويحترمون «أزهرهم»، ويسيئهم أن يتعرَّض لسبٍّ أو لمز، لأن الأزهر الشريف هو منارتهم الدينية ومصدر فخرهم وعزّهم الإسلامي.

بالطبع لا تحصين للأزهر أو للأزهريين، لكنهم ومعهم كل فئات المجتمع، ينشدون الاحترام بعيدًا عن «الابتذال» و«التدليس»، فهذه أولى خطوات إصلاح الخطاب بين المصريين كى يوجد بينهم حوار عاقل ليجددوا دينهم ويشيدوا دنياهم.

واختم حديثى عن ملامح الخطاب الدينى فى الجمهورية الجديدة، بكلمات دالة ومؤثرة، لإمام التنوير الشيخ محمد عبده، حيث قال: «من رُبّى على التسليم بغير عقل، والعمل ولو صالحا بغير فقه، فهو غير مؤمن. فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل القصد منه أن يرتقى عقله وترتقى نفسه بالعلم فيعمل الخير لأنه يفقه أنه الخير النافع المرضى لله، ويترك الشر لأنه يفهم سوء عاقبته ودرجة مضرته».