الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. كتاكيتو بنى فى العالم الافتراضى

كدهوّن!.. كتاكيتو بنى فى العالم الافتراضى

لقد كبرت يا أمى وأدركت بأن العالم ليس جميلا وضاحكا كما يظهر فى أفلام إسماعيل ياسين وزينات صدقى وعبدالفتاح القصرى ومارى منيب وحسن فايق وكدهون عندما كنت طفلاً كنت أتوهم أن هذه هى الحياة وأنها بسيطة جدًا وسوف تضحكنى كثيرا عندما أكبر وأصير رجلاً كبيرًا سأضحك على أحداث ومواقف عديدة ستواجهنى فى حياتى العملية وسوف أتقبلها بخفة ظل وبراءة كما يفعل سمعة دائما فى أفلامه حيث تحل العقد بمنتهى السهولة ويعود الحق للضعيف والمظلوم مهما بلغت قوة الظالم فلابد أننا سننتصر فى النهاية.



 

ونضحك كثيرا على صرخات الأشرار واختفائهم من حياتنا كما حدث فى فيلم «عنتر ولبلب» عندما كانت قلوبنا ترقص فرحا مع كل قلم يهبط على وجه عنتر الجبار من لبلب الضعيف الذى يلجأ إلى الحيلة والدعاء الشعبى البسيط كى يحفظ كرامته ويسترد حبيبته رغم جبروت عنتر وكدهون يصبح العالم فى أفلامهم أكثر عدلا ورحمة ومحبًا للحب كقيمة إنسانية تفوق سطوة المال والعضلات كما أنه عالم مُصر على الاحتفاظ بضحكته فى أحلك المواقف وتحت كل الظروف والضغوط تجده مرحا وسعيدا حتى مشاكله مضحكة جدا وبتتحل بالتراضى والمحبة ومن غير ظلم ولا ضرب حقيقى رغم أن كل الأحداث كده وكده «مفبركة» إلا أن هناك اتفاقا غير معلن بين صناع العمل والمشاهدين يلزمنا بأن نصدق تلك الأحداث وبنحبها وبنتعاطف معها أيضا وكدهون سوف تجد كل الناس بتدعم وتساند المواطن الغلبان «اللى هو انت فى الواقع» من غير غرض أو مصلحة فقط من أجل الجدعنة والإنسانية اللى بيتميز بها المواطن المصرى البسيط وهذا هو ما تم زراعته فى وجداننا منذ طفولتنا وحتى الآن من أن المواطن المصرى بسيط وطيب ومتدين بطبعه وخفيف الظل شكل اسماعيل ياسين وحسن فايق والقصرى ورغم قلة حيلتهم وضعفهم إلا أنهم دائمًا ينتصرون فى النهاية ليس لأنهم فقط طيبون ويستحقون السعادة بالفعل ولكن لأن أحلامهم مشروعة فمن حق المواطن العادى أن يحب فتاة جميلة وأن تحبه أيضًا تلك الجميلة وتفضله على الجميع حتى لو كان فقيرًا ولا يمتلك إمكانيات الأثرياء ولكنه سينتصر ويتغلب على كل مشاكله وسيتزوج حبيبته الجميلة ليس لأنه العدل ولكن لأنها التوليفة المتفق عليها مسبقا بين صناع هذه الأعمال وبين الجمهور لابد للخير أن ينتصر فى نهاية الأحداث مهما كانت قوة الشر وجبروته سوف يهزم على يد الأبرياء وأحيانا السذج كما حدث فى فيلم إسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين على سبيل المثال نجد سمعه يتفوق بلا أى إمكانيات مادية أو ذهنية على شخصية التمرجى الشرير وينتقم منه أبشع انتقام رغم بدائيته وعدم منطقيته إلا أننا سعدنا جدًا بانتصار سمعة الغلبان المهزوم وتغاضينا عن إمكانية حب الأنوثة الطاغية هند رستم له وإصرارها على الزواج منه رغم كل الظروف التى تواجهها وضحكنا من قلوبنا على التمرجى وهو يرتدى سروال زينات صدقى وهى تصرخ فى وجهه عندما شاهدته «يخيبك راجل انت هاتورثنى بالحيا يامنيب» لينتهى الفيلم بزواج سمعة من هند رستم ونصدق نحن الجمهور بأن الأحلام المستحيلة يمكن أن تتحقق فى هذا العالم الافتراضى وكدهون كل الشخصيات هذه الأفلام واضحة من البداية مش بتكدب علينا ولا تخدعنا، فمنذ اللحظة الأولى ونحن كمشاهدين نعرفهم جيدا الطيب طيب والشرير شرير وإن كان شره على غير العادة يضحكنا كثيرا ولا نكرههم بل نحبهم رغم شرهم هذا ونقيم معهم علاقة وجدانية مع الوقت كأنهم أحد أفراد أسرتك حتى الست مارى منيب عندما كانت تلعب دور الحماة الشريرة التى تكره جوز بنتها أو مراتٍ ابنها وتدبر له المكائد الساذجة وتكرر جملتها الشهيرة «حماتك قنبلة ذرية» أو جملة «مدوباهم اتنين» ثم تطلق ضحكتها المتقطعة ذات اللحن المميز بصمتها الشخصية وكأنها صفارة إنذار تحذرنا مما سوف يحدث معها من مغامرات وكدهون.. عمرى ما خفت منها ولا كرهتها دائما بتضحكنى على شرها لأنه فى النهاية شر مش مؤذى ولا مدمر مجرد غيرة مدفوعة بحب أبنائها وبتراجع نفسها فى نهاية الفيلم ودائمًا ما تعلن ندمها عما فعلت بالشخصيات الطيبة وينتهى الفيلم بضحكاتهم واحتضانها وأحيانًا بقبلات طويلة الأمد تستمر على الشاشة حتى تنطفئ أضواء دار العرض السينمائى دون أن تخدش حياءك بتلك القبلات الضاحكة ونعود مرة أخرى للحياة الواقعية بحلوها ومرها وعدم وضوحها كما هى فى الأفلام الأبيض والاسود فالشرير لا يعلن عن نفسه بنفس الشجاعة التى يمتلكها محمود المليجى أو القصبجى أو استيفان روستى عندما يقدمون الشخصيات الدرامية وكذلك الطيبين مش دائما محبوبين فى الحياة ولا محظوظين بنفس حجم طيبتهم  وكنت دائما ما أتساءل كيف تقع الجميلة شادية فى حب إسماعيل ياسين وتفضله على كل الرجال الرائعين من حولها؟ ولكنها الحياة داخل عالمهم الافتراضى الذى يدعم الحب ويقاوم الكراهية والأشرار بوسائل بدائية بسيطة تقنعنا بأننا سوف ننول من هذا الحب جانبًا فى حياتنا الخاصة وكدهون.

ولعل المبهر فى علاقات هؤلاء الممثلين الطيبين. أنها علاقات متغيرة مثل قطع الشطرنج كتلك العلاقة التى جمعت زينات صدقى وإسماعيل ياسين والتى جعلتنا نصدقها فى كل الأحوال والظروف ونضحك من قلوبنا معهم وعليهم عندما قامت بدور الفتاة التى ترغب بالزواج من أى رجل بلا تمييز فى فيلم ابن حميدو وتعود لتفاجئنا بأنها هى نفسها مرات أبوه فى الآنسة حنفى ومتزوجة من عبدالفتاح القصرى الذى كان يلعب دور والدها فى ابن حميدو ولكننا أيضًا نصدقهم فى هذه المرة وتستمر هذه العلاقة الجميلة لتلعب زينات صدقى دور حماته الشريرة التى تكرهه وتفضل عليه محمود المليجى المعلم الزفر لثرائه فنصدقها بمنتهى التسامح والرضى فتعود مرة أخرى تلعب دور حبيبته وشريكته فى فيلم العتبة الخضراء ويستمر إيماننا بهم ويصدقهم رغم تشابك أدوارهم وتناقضها ولكنا نحبها فى دور الفتاة العانس ومرات الأب والحماة الشريرة والشريكة فى العمل والحياة وكدهون لأن عالمهم الافتراضى يسمح بكل هذه العلاقات والروابط وكدهون كبرت يا أمى واكتشفت أن أفلام الأبيض والزمن وشخصيتهم الطيبة كانت مجرد وهم جميل يبرره عالمهم الافتراضى الذى دعم الحب وساند الحلم وأشاع البهجة فى نفوس المصريين.