الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث..  ملامح «الخطاب الدينى» فى الجمهورية الجديدة 1 الفكر الدينى للرئيس

الطريق الثالث.. ملامح «الخطاب الدينى» فى الجمهورية الجديدة 1 الفكر الدينى للرئيس

لماذا وصفه الإعلام الأمريكى بـ«مارتن لوثر المسلم»؟، وكيف تأسست علاقته الراسخة مع الأزهر؟، وإلى أى مدى نجحت مصر مع الرئيس السيسى فى إدارة العلاقة بين الدين والسياسة؟



 

لقد تسلل الدين إلى الشارع السياسى، وتم توريطه فى نشر الفوضى ومعركة تفكيك الدولة التى اشتعلت نيرانها مساء 25 يناير 2011، فاختطف الإسلام من المنابر، لتتنافس به الحناجر، وتُعقد حول مائدته التحالفات وتشتعل بفهمه الخاطئ صراعات، حتى انكشفت الشبكة الأخطبوطية التى سطت على «دين المصريين» لأكثر من 80 سنة.

ثم كان الوطن على موعد جديد مع القدر، بحضور القائد المجدد عبدالفتاح السيسى الذى تنبه إلى مكامن الخطر، فقرر أن يدفع مصر إلى مواجهة قاسية مع النفس، بعد أن اهتزت عقيدة المصريين وتلاعبت النفوس بالنصوص واصطادت من التفاسير ما مكنها من السطو على العقول والهيمنة على الشعوب، أدرك القائد بفطرته السليمة وعقيدته الراسخة خطورة ما يجرى على الدين الحنيف، وتأثيره الكارثى على مستقبل الوطن، فكان القرار.

وتنبه العالم إلى الفكر الدينى للرئيس مبكرًا، فعنونت وكالة «أسوشيد برس» أحد تقاريرها بـ«هل يصبح السيسى مارتن لوثر المسلم؟»، والذى ترجمه ونشره موقع «مصراوى» فى يناير 2015، وجاء فيه إجابات متعددة على السؤال المطروح فى العنوان، حيث ذكر التقرير الأمريكى أن الرئيس قد استهل العام بدعوة مثيرة «لثورة دينية» فى الإسلام لإصلاح مفاهيم الدين الراسخة منذ مئات السنين والتى قال عنها إنها جعلت العالم الإسلامى مصدرا «للدمار» وحرضت ضده بقية دول وشعوب العالم، وأشار التقرير إلى عدم رضا تيارات الإسلام السياسى عن هذه الدعوة، بينما لم يتحمس لها (العلمانيون). فكلاهما كان أسيرًا لتطرفه.

لقد جاء السقوط الإخوانى فى 30 يونيو2013، ليضع نهاية السطوة الدينية لهذا التنظيم (المارق) على المسلمين فى مصر والعالم الإسلامى، وهى سلطة روحية سرقها الإخوان فى غفوة من الأمة، بعد أن قدموا أنفسهم بديلًا لسطوة الخلافة العثمانية (الفاسدة والمفسدة) التى سقطت عام 1923، بعد أن تجاوز عمرها خمسة قرون من الزمان، جرى فيها حبس العالم الإسلامى فى غياهب الظلمات، وحرم من التطور وقطعت عنه سبل التحضر ومواكبة ما يجرى فى الدنيا لسنوات طويلة تحت وطأة المستعمر التركى المستبد، إلى أن هبت رياح الغرب على المنطقة العربية مع تزايد الأطماع الاستعمارية فيها، لتفتح النوافذ وتدخل أنوار العصر إلى هذا السجن المظلم.

وبين سقوطين (الخلافة والإخوان) جاهدت الأمة الإسلامية (والعربية) قرنًا كاملًا من الزمان، لتستعيد عقلها وتجدد وعيها وتفيق من كبوتها الحضارية وتنفض عنها الجهل والتخلف، عبر مسيرة متصلة من النضال الفكرى والسياسى، جرى جانب مهم ومؤثر منها على أرض مصر المحروسة وبعقول أبنائها المستنيرين، المعتدلين الذين جددوا بقدر من الحكمة والحصافة جعلت أفكارهم راسخة وبناءهم قويًا، يأتى فى مقدمتهم الشيخ محمد عبده ومنهم الدكتور طه حسين والأستاذ خالد محمد خالد والدكتور مصطفى محمود والشيخ متولى الشعراوى والدكتور نصر حامد أبوزيد، وآخرين أثروا الفكر المصرى والعربى بجهدهم وأفكارهم، وكانوا شموعًا منيرة.. متنوعة ومختلفة وربما متعارضة لكنها جميعها أضاءت الوطن، وأسهمت فى تطوير عقل مصر الدينى واجتهدت لطرح فهم عصرى للمسألة الدينية.

لقد فطن الرئيس السيسى مبكرًا إلى محنة الدين فى وجود الإخوان، وإلى محنة الأمة فى ارتباك عقيدتها وجمود شيوخها، وأطلق إشارات واضحة عبرت عن رغبته الأكيدة فى صياغة قراءة عصرية لكتاب الدين المصرى، تسهم فى تغير حقيقى للمجتمع، وظهر ذكاء الرئيس واضحًا فى قدرته على التعامل مع المشايخ، وتوظيف جهودهم لخدمة خطته فى التجديد، فكانوا معه بين احترام وتقدير.. وتكرار وتحذير.

وقد تعددت المناسبات التى ظهرت فيها إشارات رئاسية واضحة، عكست بدورها ملامح الفكر الدينى للرئيس، ووضح منها مبكرًا الإيمان الرئاسى الأصيل بمسألة التجديد الدينى، وهو ما تأكد فى مناسبات متتالية، ففى احتفالية ليلة القدر (24 يوليو 2014) وبعد أسابيع من توليه مسئولية الحكم، قال الرئيس فى مستهل كلمته: «أتحدث إليكم كإنسان مسلم مهموم بدينه»، ثم أوضح مشددًا على ضرورة أن يكون الاحتفال متضمنًا فهمًا حقيقيًا لكتاب الله بما يتناسب مع العصر، وأكد على أن الخطاب الدينى يتطور بالتطور الإنسانى مع التسليم بثوابت الدين. وبعد شهور قليلة وفى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف (أول يناير 2015)، أوضح الرئيس أنه يحمّل الأزهر الشريف، إمامًا ودعاة، مسؤولية تجديد الخطاب الدينى والدعوة بالحسنى وتصحيح الأفكار والمفاهيم التى ليست من ثوابت الدين، مطالبًا بثورة دينية لتغيير المفاهيم الخاطئة.

وقد اهتمت المراكز البحثية الغربية برؤية الرئيس للدين، وأشار بعضها إلى عوائق وتحديات أمام أفكاره لتجديد الفكر الدينى، تتمثل فى «أن المشكلة الكبرى فى العالم الإسلامى هى أن المؤسسات الدينية الرسمية مثقلة بالركود»، لهذا اجتهدت قوى داخلية وخارجية للإيحاء بوجود صراع بين الرئاسة والأزهر على مسألة التجديد، وحاولت اصطياد أى إشارة رئاسية لتأكيد ذلك، ونشر مؤخرًا أحد مراكز الأبحاث الأمريكية (المشبوهة)، مقالًا بحثيًا تحت عنوان (مراوغ)، جاء كالتالى «مصر: نسخة السيسى للإسلام»، اجتهد كاتبه للتشكيك فى نوايا التجديد، والإيهام بعمق الخلاف بين الرئيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر، وهذا كلام عارٍ عن الصحة بالطبع، لأن مصر وبعد 7 سنوات من انطلاق مسيرتها مع الرئيس السيسى، نجحت فى خلق مناخ صحى لإدارة العلاقة بين الدين والسياسة، بعد أن فضت الاشتباك بينهما، وأعادت الدين إلى مكانه ومكانته، وشارك فى ذلك الإمام الأكبر ومعه علماء الأزهر، وقاموا بدورهم فى دفع عجلة التجديد بضع خطوات مهمة، ولن أجد أفضل من كلمات كاتبنا وأستاذنا الراحل مكرم محمد أحمد، فى مقال له نشر بجريدة الأهرام المنشور فى 25 فبراير 2017، تحت عنوان «حقيقة الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة؟!»، شرح فيه تفصيلًا العلاقة بين الرئيس وشيخ الأزهر، حيث استهل المقال بالعديد من الأسئلة التى أثيرت حول هذا الأمر، ثم قال: «يمكن أن نختصر إجابات هذه الأسئلة العديدة فى تصريح واضح لا لبس فيه، قاله الرئيس السيسى لشيخ الأزهر (مكانك يا فضيلة الإمام فى السماء داخل مصر وخارجها)، وفى أحاديث عديدة للشيخ أحمد الطيب يتحدث فيها عن مآثر عديدة للرئيس السيسى»، ويكمل الأستاذ مكرم: «الذى بين الرئيس السيسى والشيخ الطيب عميق وعريض، لقد اختبر كل منهما الآخر حتى النهاية فى تجربة صعبة ومريرة قبل نهاية حكم جماعة الإخوان المسلمين، كان كل منهما يقاوم طغيان الجماعة فى موقعه إلى أن جمعتهما الأقدار يوم 3 يوليو فى مشهد تاريخى يتذكر تفاصيله كل المصريين».

وللحديث بقية.