الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية مشاعر ورغبات مختلفة: الحب والمودة والشهوة.. بين المرأة والرجل! "9"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

من المشاعر الإنسانية المرتبطة ببعضها البعض، يأتي الحب والمودة كأمرين مرتبطين معًا، ويرى البعض أن الحب هو عاطفة قوية تشمل المودة، في حين لا يعتبر البعض الآخر أن المودة عبارة عن مشاعر، بل عملية تفاعل اجتماعي بين الناس، وعادةً ما يظن الأشخاص الذين يهتمون بأحبائهم أن أفعالهم ناتجة عن الحب، في حين أنها نابعة من الود لهم، وقد يغيب عنهم سبب هذه الأفعال في الوقت الذي يركزون فيه على مشاعرهم أكثر.

 

وهناك اختلاف في الآراء إذا ما كانت المودة تأتي قبل الحب أو بعده في العلاقة، حيث إن المودة هى الخطوة السابقة للحب، وأن حب شخصٍ ما يؤدي لإظهار المودة له، وفي الوقت ذاته لا يشترط الشعور بالحب نحو كل من يظهر له الشخص المودة.

 المودة والحب

الحب شعور في القلب، وعند التعبير عنه يتحول الحب إلى مودة، ويمكن للفرد أن يود أو يتمنى حدوث شيء ما، الله تعالى يضرب المثل لمن يعيش للدنيا فقط، ثم يأتيه الموت فيفقد كل شيء: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) البقرة 266.

والذي لا يؤمن بالآخرة يود أن يعيش ولا يموت: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) البقرة 96، ويوم تقوم القيامة: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) الحجر 2، وتم التعبير عن ما سبق بكلمة الود.

وتوعد تعالى كل من يحب أن يشيع الانحلال الخلقي بعذاب في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور 19، والتهديد بالعذاب على مجرد النية القلبية، وتم التعبير عنها بكلمة (يُحِبُّونَ).

الودود من أسماء الله الحسنى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) البروج 14، والود الإلهي لمن يستحقه من المتقين في الأخرة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) مريم 96.

والمودة تعبير عن الحب، وعندما يتحول الحب إلى سلوك إيجابي يكون مودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21، الآية توضح أن السكن والمودة والرحمة هما أساس الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة، والسكن هو سكينة النفس والاستقرار، والمودة يتبادلها الزوج والزوجة.

جاء الحب في القرآن الكريم ومنه الحب العقلي: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يوسف 33، النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، ورفضه لدعوة النساء حيث قال بأن السجن أحب إليه وهنا يكون الحب عقليًا؛ حيث ترك ما دُعي إليه من الشهوات وفضّل السجن على ذلك. 

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) البقرة 165، لأنه من أحب غير الله فهو يظلم نفسه، فيتجه الناس لحب المال، والنساء، والشهوات، والسيطرة ويبتعدون عن الله تعالى.

 حب الناس

قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) آل عمران 14.

الكلام للناس، للرجال والنساء، واختبار هذه الحياة هو في زينتها التي تعجب الناس، ولذلك زين للجميع ذكورًا وإناثًا حب الشهوات، وهى النساء والبنين والأموال والأراضي الزراعية والخيول، فالرجل يشتهي النساء، والمرأة تشتهي أن تكون لها وصيفات وخادمات، فالشهوة ليست في الجنس فقط، بل كل ما تشتهيه النفس من سيطرة ونفوذ، هذه زينة الدنيا التي يحبها الناس، هو اختيار واختبار.

والشهوة في الجنس وغير الجنس، فالشهوة إلى البنين أو المال ليست جنسية، وتم ذكر الشهوة الرجالية للنساء، ولم تذكر الشهوة النسائية للرجال، لأن الله تعالى خلق الرجل والمرأة، وجعل كلًا منهما مؤهلًا للدور الذي يقوم به، الرجل مؤهل لتلقيح المرأة، وهذا التلقيح يستلزم شهوة كبيرة، لذلك فغريزة الجنس هى المتأصلة فيه، خصوصًا في فترة الخصوبة والشباب.

وقد لا يكتفي الرجل بامرأة واحدة لإشباعه الجنسي، والبعض يشتهى امرأة فإذا نالها اشتهى غيرها، وكون الرجل والدًا لا يوقف غريزته الجنسية، ووصوله إلى الشيخوخة لا يمنع تفكيره في الجنس.

أما المرأة فمؤهلة لأن تكون الأم التي تحمل وتلد وترعى أولادها، وغريزة الأمومة هى المتأصلة فيها، ومن الممكن أن تظل المرأة بعيدة عن الرغبة الجنسية إذا لم يُثِرْها الرجل بمحاولات الغزل، عندها يبدأ نشاط رغبتها الجنسية، فالمرأة هى تجسيد لرد الفعل الجنسي وليست الفعل، فهى مخلوقة لتكون الأم، غريزة الأمومة لديها هى الأصل وممارسة الجنس هى الطريق لأن تكون أمًا.

وبينما يظل الجنس متفاعلًا داخل الرجل حتى بالتمني والتخيل، وحتى مع مجيء أحفاد له، فإن المرأة قد تشعر بالنفور وعدم الرغبة في الممارسة الجنسية بعد انتهاء فترة الخصوبة، بالإضافة لكونها والدة أو جدة فقد تحققت لها الأمومة، ولم يعد هناك حاجة للجنس كوسيلة لتكون أمًا.

 حب الرجل والمرأة 

مشاعر الحب بين الزوجين تكون مودة ورحمة، وتجمع بين الحب والعطف والرفق: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21. 

وجاء الحب من طرف واحد في قصة النبي يوسف عليه السلام: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يوسف 30، التعبير في قولهن (قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً)، لأنها ظلت تحبه بعد أن أدخلته السجن، ولهذا اشترط النبي يوسف إعلان براءته قبل أن يخرج من السجن.

وعقد الملك اجتماعًًا وبادرت امرأة العزيز بالاعتراف: (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ. ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ. وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يوسف 52-53. 

 

الشهوات في الدنيا

الشهوات تشمل المال والنفوذ والشهوة الجنسية ومنها المباح ومنها الحرام: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) مريم 59.

جاءت إشارة إلى الشذوذ الجنسي ضمن الشهوة الجنسية في الحديث عن قوم لوط: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) الأعراف 81.

وكان العرب في الجاهلية يشتهون أن يولد لهم الذكور بينما يعتبرون الأنثى عارًًا، وفى نفس الوقت يزعمون أن الملائكة بنات الله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) النحل 57.

 الشهوات في الآخرة

يشتهي أصحاب النار الخروج منها: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) الزخرف 77، كما يشتهون الموت هربًا من العذاب فلا يموتون: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) سبأ 54.

أما أصحاب الجنة فتقوم ملائكة الموت بتبشيرهم عند الموت بعد حياة كلها تقوى، ويتم تصنيفهم على أنهم من أولياء الله وليسوا من أولياء الشيطان: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) فصلت 30-32، تقول لهم الملائكة في تبشيرهم: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونْ)، أي كل ما يشتهون وكل ما يتمنون.

نعيم الجنة لا يمكن تخيله، لذا يأتي التعبير عنه بالمجاز والتشبيه: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) محمد 15.

ولمفردات النعيم في الجنة أسماء تتشابه مع التي نعرفها في الدنيا، ولكن الفرق كبير بين متعة زائلة لجسد زائل، ومتعة خالدة لأصحاب الجنة الخالدين، ولذلك فإن الشهوة النقية الخالدة التي سيحسها أصحاب الجنة ستكون غير الشهوة الدنيوية الزائلة والتي لا تخلو من تعب.

الفرق كبير بين شهوات الدنيا التي زين الشيطان للناس أن يتنازعوا عليها، وبين شهوات الجنة التي لا يمكن لنا تخيلها، وكل إنسان له الحرية في الاختيار، وهو اختيار واختبار .