الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية قذف المحصنات: اتهام المرأة فى عفتها.. من الكبائر! "7"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



حادثة انتحار الفتاة بسنت خالد «17عاماً»، بسبب تعرضها للابتزاز الإلكترونى ونشر صور «مفبركة» لها، بعد قيام أحد الأشخاص بتركيب صور مخلة على صورها باستخدام برامج تعديل الصور، وكشفت الحادثة عن حجم المأساة نتيجة جرائم «الابتزاز» التى تكررت فى السنوات الأخيرة.

 

وعلى الرغم من وجود مواد قانونية تقر عقوبات على المتهمين بـ«الابتزاز» عبر مواقع التواصل، فإن واقعة انتحار بسنت، دفعت الكثيرين إلى التأكيد على أن تلك العقوبات «غير كافية» لتمثل رادعاً عن ارتكاب تلك الجرائم، وسط مطالب بضرورة تغليظ العقوبات المقررة فيما يخص «الابتزاز عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعى».

ولا يوجد إحصاء معلن حول عدد البلاغات المرتبطة بجرائم الابتزاز الإلكترونى فى مصر، وقد أحصت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب فى عام 2018، تقديم 1038 بلاغاً بجرائم إلكترونية مختلفة من بينها الابتزاز خلال شهرين.

بعض الجرائم لا يعاقب عليها القانون، من بينها «الأسباب التى دفعت أى شخص للانتحار»، لأن القانون لا يعاقب من تسبب فى إلحاق أذى نفسى لشخص مما قاده إلى الانتحار، فمن الضرورة إعادة النظر فى ذلك.

 آية القذف:

وحادثة بسنت من حوادث الطعن فى الأعراض، وتعتبر قذفاً موجباً للحد، وعن جريمة قذف المحصنات بلا دليل مثبت: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور 4-5.

والآية تسمى بآية القذف، فالذى يتهم امرأة عفيفة بالانحراف كأنه رماها بحجر، ولو أن الشرع تساهل فى أمر القذف لصار كل إنسان متهما فى عرضه، وكل امرأة متهمة فى عرضها.

وعادة لو أن إنسان افترى على امرأة عفيفة فى عرضها، وتناقل الناس هذا الخبر حتى وصل إلى أهلها، ربما أقدموا على قتلها، وهى بريئة، فمنعاً لهذه الفتن، ومنعاً للتشكيك فى أعراض الناس، شرع تعالى حد القذف: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ).

 معنى الرمى:

الرمى فى اللغة هو القذف بشىء: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، والرمى هنا بالزنى أو الاتهام بالفاحشة، أو ما كان فى معناه، والمحصنة صفة مشتقة من الإحصان، والأصل الحصن وهو مكان يمنع الوصل إلى ما فيه، فهو حصين، والمحصن بمعنى المرأة أو الرجل الذى يمتنع عن الزنى لعفته، والإحصان يكون بالعفاف، أو بالزواج، فالعفيف محصن، والمتزوج محصن.

ومع أن الكلمة هى قول وليست فعلا، إلا أن الآية صورت الحادثة بشكل فعل مادى، وكأن الذى يرمى المرأة العفيفة قد أمسك بحجر ورماها به، وعن النبى عليه الصلاة والسلام: «من قذف محصنة يهدم عمل ثمانين سنة».

وحد القذف واحد للرجل أو المرأة، مع أن آية القذف جاءت باللفظ المؤنث: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)، وقد يرجع ذلك إلى أن قذف النساء أكثر وأسوأ. 

وقد يكون المعنى بالمحصنات أنها تعود على النفوس، لأنه فى آية أخرى جاء قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ)، فلو كانت كلمة (الْمُحْصَنَاتُ) تعنى النساء فقط، فإن قوله تعالى (مِنْ النِّسَاءِ) سيكون زائداً، حاش لله وتعالى عن ذلك، فكلمة (الْمُحْصَنَاتِ) تعنى النساء، وتعنى أنفس الناس من النساء والرجال، ويتضح المعنى من خلال سياق الآية. 

حالات القذف:

وتنطبق الآية على حالات الاتهام بالباطل، مثل امرأة اتهمت رجلاً بالزنى يقام عليها الحد، أو أن امرأة اتهمت امرأة أخرى بالزنى يقام عليها الحد، أو أن رجلاً اتهم آخر بالزنى يقام عليه الحد، لكن لو أن إنساناً من عادته أن يزنى، ولا يخفى ذلك ويجاهر به، ورماه الناس بالزنى فلا حد عليهم. 

 حد القذف:

عندما يقذف الرجل امرأة، عليه أن يأتى بأربعة شهداء: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، لا بد من وجود أربعة شهود، فى أمور أخرى يكفى شاهد واحد، وفى أمور لا بد من شاهدين، لكن فى الحدود لا بد من أربعة شهداء.

ومن يقذف فتاة، ويتهمها بالانحراف الأخلاقى يقام عليه حد القذف، لأن الفتاة لها أهل، وسمعة، وذلك حتى يكون الإنسان دقيقاً ولا يشيع خبر الانحراف إلا إذا كان متأكداً، أو يقام عليه حد القذف.

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور 2، حد الزنى هو الجلد مئة جلدة، وحد القذف أن يجلد القاذف ثمانين جلدة: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً)، ويتشابه حد الزنى وحد القذف، لأن كلاهما عند الله عظيم.

 نتيجة القذف:

سقوط شهادته: (وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)، هذا عقاب آخر بعد الجلد أمام الناس، فشهادته غير مقبولة، وأن يعرف الناس أنه فاسق: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).  

وفى قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإذا قذف الإنسان امرأة محصنة، ثم تاب هل يعفى من إقامة الحد؟، الجواب لا، أو أن المقذوف عفا عنه، أو أن المقذوفة ماتت هل يعفى من الحد؟، الجواب لا، هذا حق الله تعالى، وليس حق المقذوفة.

فحينما يتوب الإنسان، ويصلح لم يعد فاسقاً، وتقبل شهادته بعد أن يعترف بكذبه، ويعترف ببراءة المرأة: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا)، لأن الذى يقذف امرأة محصنة لا يستعيد اعتباره فى المجتمع إلا بعد أن يعترف بأنه كاذب بهذه التهمة، وإن هذه المرأة التى اتهمها بالزنى هى امرأة بريئة عفيفة.

والفقهاء انقسموا حول هذه الآية إلى قسمين، القسم الأول غلب حق الله على حق العبدالمقذوف، والقسم الثانى غلب حق المقذوف على حق الله، لكن القسم الأول الذين غلبوا حق الله على حق العبدالمقذوف كانوا أقرب إلى الحقيقة.

لو أن هذا القاذف تمكن من أن يحضر ثلاثة شهود على أن هذه المرأة زانية يقام عليه الحد، ويجلد الشهود على أنهم قاذفون أيضاً، فيجب أن يكونوا أربعة من الشهود، فإذا كانوا ثلاثة يجلدون كلهم، صوناً لحق المرأة العفيفة. وتنفيذ الحد: (فَاجْلِدُوهُمْ)، هذا خطاب موجه إلى عامة المسلمين، وممثلين فى أولى الأمر، ولا يقيم حد القذف إلا أولو الأمر، سواء طلب المقذوف ذلك أم لم يطلب، لأن المجتمع يجب أن تكون الثقة شائعة فيه، حتى لا يتهم الناس بعضهم بعضاً من دون قيد أو شرط، والأصل أن الإنسان عفيف، وأنه مستقيم، فمن يريد أن يتهم إنسان فيجب أن يقيم على ذلك الدليل القطعى، وإلا فهناك عقاب، فهذه الآية تردع الناس عن أن يخوضوا فى أعراض الناس.

إذن القذف هو الاتهام بالزنا، والمحصنات هم النساء العفيفات الغافلات عن الفواحش، وحكم قذف المحصنات فى الإسلام التحريم، بل يعتبر قذف المحصنات من الكبائر التى تهلك صاحبها وتدخله نار جهنم.

عن النبى عليه الصلاة والسلام: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟، قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

لذلك يدعو القرآن إلى حفظ اللسان: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المؤمنون 3، ويجعل ذلك من صفات المؤمنين، وكما جعل تعالى إظهار الفاحشة موجباً للعذاب، فكذلك من يطعن فى أعراض الناس، فقد حكم عليه تعالى بالفسق، وبالعذاب فى الدنيا بإقامة الحد، وفى الآخرة بالعذاب الأليم.

ولذلك حدد تعالى عقوبة رادعة لقذف المحصنات، وقرر تعالى ثلاثة أحكام على القاذف إذا لم يأت بالدليل على صحة ما قال، الأول أن يجلد ثمانين جلدة، والثانى أن ترد شهادته، والثالث أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس.

لقد قررت الشريعة الإسلامية حماية أعراض الناس وسمعتهم وكرامتهم، ‬وذلك بعقوبات رادعة، حرصاً على الحرمات ‬للأفراد والجماعات،‬ ومن هذه العقوبات «حد القذف»‬، ‬وهى ‬عقوبة التطاول على الأعراض بفعل أو قول، من خلال ‬علاقات الناس بعضهم ببعض، ‬أو عن طريق بعض وسائل الإعلام التى ‬تنشر أخبارا ‬تمس بالأعراض وتشوه السمعة.

إن قذف المحصنات من الأمور التى نراها بشكل متكرر، وهو حال يكشف عن تدنى الأخلاق، وعدم تقدير عاقبة سب الناس فى عرضهم، لأن الفاعل لا يهتم بالذنب الذى وقع فيه، وهو يقول كلمة لا يلقى لها بالاً: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النور 23-24.

إن قذف المحصنات جريمة، وهو من كبائر الذنوب التى يجب على الإنسان أن لا يقربها، وأن يحترم أعراض الناس ولا يخوض فيها‏، وقد حذرنا القرآن الكريم من ذلك تحذيراً شديداً: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم) النور 15.