
حسن عيسى
كدهوّن!.. ليلة «رقص» السنة
فجأة وبدون أى مقدمات منطقية، قرر مطعم المأكولات الشرقية والغربية(هو بيقول كده) المجاور لمنزلى أن يحتفل برأس السنة الميلادية بأثر رجعى، بعد أن بدأت السنة الميلادية بالفعل ومضى أكثر من أسبوعين من السنة الجديدة وكدهون.
لعل صاحب المطعم هذا قد اكتشف أنه نسى أو تناسى الاحتفال برأس السنة فى ميعادها فقرر أن يصلح غلطه.
وكان طبيعيًا جدًا فى ظل العودة بالزمن أسبوعين أنه يحضر شجرة عيد الميلاد العملاقة ووضعها فى منتصف الطريق ،ولأنى ما زلت حتى يومنا هذا أسعد بمظاهر الاحتفالات برأس السنة الميلادية قررت أن أتغاضى عن كل تجاوزاته هذه والاستمتاع برقصات بابا نويل، وأن ألتقط أكثر من صورة لى بجوار شجرة عيد الميلاد رغم أنها أقرب لنخلة منها لشجرة، ولكن صاحب المطعم قرر أنها شجرة وأنا عملت نفسى مصدق أنها شجرة حتى لا أفسد متعتى بالحفلة، فقد قررت أن أفرح وأن أشارك فى الاحتفالات رغم معاناتى فى حمل حقائب المدرسة لأبنائى بالإضافة لمشتريات زوجتى لاحتياجات البيت، بعد أن اضطررت أن أترك سيارتى بعيدًا جدًا عن منزلى لانشغال الطريق بمسرح الأحداث والاحتفالات وكدهون، وضعت الحقائب بجوارى على الأرض واندمجت أنا وبناتى بمشاركة بابا نويل الرقص على أنغام أغانى المهرجانات الشهيرة «عود البطل ملفوف»، حيث دخل بابا نويل فى وصلة رقص شرقى تؤكد شرقيته تمامًا، وكأنه خارج من شارع محمد على وكدهون، فجأة سكت الكلام وانطفأت الأنوار بعد أن حدث عطل فنى فى الوصلات أدى لانقطاع الكهرباء عن المطعم، وساد صمت حذر بين جمهور الحاضرين وهمهمة فى انتظار ماذا سيحدث لو استمر انقطاع الكهرباء لمده طويلة، بينما أنا حرصت على التواجد بجوار حقائبى لحمايتها من السرقة وحتى لا نفقدها وسط هذا الظلام فينتهى الأمر بمحاكمة عنيفة من زوجتى العزيزة وتعنيف لى وللبنات على مشاركتنا فى هذا الاحتفال الشعبى المزدحم باللصوص والعاطلين من وجهة نظرها وكدهون، وقبل أن نتصرف أنا وزملائى من الحاضرين ارتفع صوت نسائى حاد لا نعرف مصدره يصرخ فى الجمهور: مفيش حد هيمشى من هنا لسه اليوم طويل والنور هيرجع بسرعة، ولغاية لما يرجع هنرقص ونغنى مع بعضينا وكدهون، اكتشفت أن هذا الصوت النسائى يأتى من خلف قناع بابا نويل الذى تحول فى لحظات إلى ماما نويل ودخل فى وصلة رقصات شعبية أقرب لرقصات فرقة رضا للفنون الشعبية، وتأكدت شكوكى عندما توقفت فجأة عن الرقص وبدأت تغنى أغنية سعاد حسنى «ردى يا بنت اخت البيه»، وفجأة تحول الاحتفال إلى فرح شعبى لا يمت بأى صلة لاحتفالات رأس السنة وقيام بابا نويل بحركات لا تليق أبدًا به وبتاريخه العظيم فى الوقار والحكمة، خصوصًا بعد أن انتهى من الرقص والغناء وطالب الجماهير بدفع إكراميات حلاوة الليلة المفترجة وكل سنة وأنتم طيبين، واحنا معاكم من الصبح لغاية دلوقتى ولسه هانكمل معاكم لغاية الفجر، بس كل واحد يدفع إللى يقدر عليه وكدهون، مما دفع البعض للانصراف سريعًا دون الانتظار لعودة الكهرباء، بينما سألتنى ليلى وأمينة (بناتى): هو بابا نويل مش هيوزع هدايا على الأطفال؟؟ فقلت لهم بصوت مرتفع: لا يا حبايبى، بابا نويل عايز ياخد إكرامية وعيدية ودى تصرفات مش محترمة وكدهون؟، تقدم بابا نويل فى اتجاهى، وفى البداية لم أهتم بخطواته على اعتبار أنها مجرد خطوات عشوائية فى كل الاتجاهات لشغل جميع الحاضرين ولكنه تقدم ناحيتى أكثر وأكثر، وهنا توجست خيفة لأنه يقصدنى أنا بالذات من دون جميع الواقفين، ونظرت إلى يده الخالية من أى هدايا قد يمنحها لبناتى الصغيرات، ولكنه فى الغالب قد استمع إلى صيحاتى الغاضبة غير المسئولة، وجاء ليعرفنى خطئى، وربما يضربنى، وهذا ما لا أسمح به أبدًا أمام بناتى وكدهون، واصل التقدم نحوى بشكل مثير للقلق، خاصة وأنه يخترق الحشود فى إصرار غامض للوصول لى مما أثار فزعى (ماكانوش كلمتين قلتهم فى لحظة غضب) استمر هذا البابا نويل المجهول من التقدم ناحيتى وأنا أتراجع للخلف ولا إراديًا .
وكل ما يتقدم خطوة أرجع خطوتين للخلف، حتى فوجئت بالتصاقى بالحائط، ولا يوجد مفر للهروب من هذا البابا نويل الغامض الذى يتقدم منى أكثر وأكثر، ومد رقبته لأعلى، وأخرج صوتًا مألوفًا من خلف قناعه يقول لى كل سنة وأنت طيب، فتعجبت لأن هذه الجملة مرتبطة لدى بطلب غير مباشر الإكراميات وكدهون، هل يريد بابا نويل منى إكرامية، ما هذا الحظ التعس حتى بابا نويل يريد منى إكرامية بدلًا من منحى الهدايا والعطايا وكدهون.
أنا أم إبراهيم يا أستاذ منعم هو انت مش عارفنى؟؟ أم إبراهيم مين؟؟ يا لهوى يا أستاذ منعم، اخص عليك بعد العمر ده كله ومش عارفنى؟؟ قلت لها أنت أم إبراهيم بتاعتنا؟ اللى بتساعدنا فى البيت؟؟ هى يا خويا بشحمها ودمها، وإيه إلى جابك هنا يا أم إبراهيم وعامله فى نفسك كده ليه؟؟ يا خويا ربنا كريم وجالى رزق يعنى عايزنى أقول للرزق لا ؟؟ ده حتى ربنا يغضب منى، الجدع صاحب المطعم قاللى شوفى حد يلبس بابا نويل ويقف ليلة راس السنة، قلت للفقرى جوزى مرضيش، قلت يبقى أنا أولى بالشغلانة طالما مش شغلانة عيب ولا حرام، بس ما تنساش تقول لعربى إنى هتأخر الليلة وكدهون، هتفت ليلى وأمينة فين الشنط بتاعتنا يا بابا ؟؟ فالتفت لهما بفزع: بابا مين يا بنتى؟ بتكلمينى أنا ولا بابا نويل؟؟ فقالت ليلى: شنطتى مش لقياها يا بابا منعم.