الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الوصاية المرفوضة

الوصاية المرفوضة

فجأة ودون سابق إنذار يكاد مجتمعنا المصرى أن يختنق من انتشار ظاهرة الأوصياء التى ارتفعت وتيرتها خلال الآونة الأخيرة، لدرجة وصل معها الأمر إلى أن الوصاية أصبحت منهجا يتم فرضه علينا من قبل البعض ممن يرونا وكأننا لا زلنا قصر، ولذا نحتاج العون والدعم الذى يصل بنا فى النهاية إلى فرض الوصاية، وصاية لم تعد تقتصر على مجال بعينه، بل امتدت وأصبحت تشمل جل مجال يمس حياة المواطن اليومية، ففى السياسة هناك من يفتى فى شئونها ويدلى بالرأى دون علم أو حتى خبرة، محددا المسار الذى يجب أن تنتهجه الدولة فى علاقاتها مع الدول الأخرى، أو دولة ما وهو فى حقيقة الأمر لا يعرف اسم عاصمتها، وإذا عرفه فهو لا يعرف حقيقة المصالح أو الاتفاقات أو المعاهدات التى تسمح بتعامل الدول مع بعضها البعض، وهذا بخلاف من ينادون بالأخذ برأى أو اتجاه فصيل معين وعلى الناس أن تتبعه، غافلين أن من حقنا وحق من جعلناهم مسئولين عنا تحديد ما نراه مناسبا لنا ولمصالحنا، أمثال هؤلاء ضررهم أكبر بكثير من خيرهم، مثلهم فى ذلك مثل بعض الدول التى تسمح لنفسها بالتدخل فى شئون الدول الأخرى تحت دعاوى وأوهام الديمقراطية وحقوق الإنسان التى يطلبون منا تطبيقها بينما بلادهم فى الواقع تعج بالكثير من مثل هذه الانتهاكات.



بالطبع لا نستطيع أن نغفل الوصاية الدينية المتمثلة فى بعض رجال الدين الذين يتحفونا بفيض علمهم صباح ومساء كل يوم، محددين لنا الحرام والحلال دون منحنا حق المناقشة أو حتى البحث فيما يعتمدون عليه من كتب التراث، التى تضم الكثير من الأباطيل والزيف، وما علينا سوى السمع والطاعة لاعتقادهم أن بيدهم مفاتيح الجنة والنار، فارضين شريعة على هواهم تضمن لهم فى النهاية دوام لقمة العيش واستمرارية البقاء للظهور علينا عبر فضائيات تتاجر بهم وبنا فى النهاية بعيدا عن الصالح العام، رافضين منحنا حق اختيار ما نراه مناسبا لنا فى ديننا أو حتى فى ملابسنا، وبالتالى لم يعد هناك من بديل سوى الحجاب وإطلاق اللحية ورفض فوائد البنوك وغيرها من أمور الدين الشكلية التى اعتمدوها هم وليس نحن،البعيدة جل البعد عن جوهر الدين وغايته.

نصل إلى الوصاية الثقافية والفنية وما يهمنى منها تحديدا فى هذا المقال ظاهرة فرض الذوق الشخصى، الذى يضغط به علينا البعض من مدعى الثقافة زورا وبهتانا، بحجة الحفاظ على سمعة مصر المفترى عليها منهم ومن أمثالهم، فهذا ممنوع وهذا مرغوب وهذا جائز ذوقا (وليس شرعا بالطبع)، وهذا لا يجوز وبالتالى منعه أو حجبه واجب (وكأن المنع هو الحل) دون أن تكون هناك خطط واضحة للارتقاء بالنفوس وتنوير العقول، ونشر الإبداع والتجديد فى مجالات التصوير والباليه والموسيقى والأدب، والوعى المعرفى بين الناس لمعرفة الصالح من الطالح، حتى نتمكن من أحياء قيم وعادات تم فقدانها مع الزمن بفعل فاعل، مثل احترام الكبير وحسن معاملته واحترام النظام والنظافة واستعادة قيم الشهامة والجدعنة التى ولّت وذهبت مع ريح المحمول والسوشيال ميديا، والتى بسببها سمحنا لبعض المرضى النفسيين بالتحرش ببناتنا دون أن يتدخل أحد، وتركنا شخصا يفصل رقبة إنسان دون أن يتدخل أحد.

هناك أنواع أخرى من الوصاية سواء اجتماعية أو حتى رياضية، فمثلا مازالت المرأة فى مصر تقع تحت طائلة الوصاية منذ ولادتها مرورا بزواجها وحتى تصبح أمًا، وصاية تبدأ بالأب ثم الشقيق حتى ولو كان أصغر منها ثم الزوج وأخيرا الجيران، وهذا تحديدا ما جعل بسنت تنتحر بعد أن انتهك بعض المستهترين حياتها الخاصة، وجعل من مدرسة المنصورة مطلقة عقب تصويرها وهى ترقص فى نزهة لها مع زملاء العمل منتهكا خصوصيتها، وجعل أيضا سيدة عمارة السلام تلقى بنفسها من شرفة مسكنها عقب اقتحام شقتها من قبل بعض الجيران أثر وجود شخص كان برفقتها تحت حجة أنها تخل بقيم الأسرة والمجتمع، حادث ليس له من معنى سوى أنه نتاج لثقافة استباحة المرأة والوصاية المجتمعية التى تبيح التدخل فى خصوصيات الآخر.

أما عن الوصاية الرياضية فحدث ولا حرج، فهناك أكثر من محلل ولاعب سابق يطالبون المدرب الأجنبى بضم هذا اللاعب وترك ذاك، فارضين على الرجل اتباع طرق لعب معينة، وإلا فهو مدرب فاشل طالما لم يأخذ بما يرونه، الغريب أن أغلبهم كان يرفض أى انتقاد عندما كان فى موقع المسئولية، ولكنهم سمحوا لأنفسهم أن يتدخلوا فى عمل المدير الفنى الأجنبى الذى يفوقهم علما وخبرة، دون منحه مساحة من الوقت ليقوم بعمله كما يجب.

النماذج السابقة ليست فى النهاية سوى عينة من الأوصياء الجدد الذى ابتلى بها مجتمعنا المصرى ويعتقدون فيما بينهم أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة.