السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أنا عمـرى 97 عامًا بالتمام

أنا عمـرى 97 عامًا بالتمام

هذه الأعوام التى ذكرتها فى العنوان هى (عمر تكوينى الفكرى) العاشق لـ(أنا حرة) التى كتبها أديبنا والصحفى الكبير أستاذنا إحسان عبدالقدوس، والتى مزج فيها بين نشأته والعظيمة أم إصدارنا (روز الحبيبة) إنها المرأة المثقفة التى تحلت بالجرأة وبُعد النظر، وقد ولد من رحم حلمها مدرسة صحفية صارت حلمًا لأجيال متعاقبة من المبدعين فى كل فنون الكتابة: سياسية، ساخرة، كاريكاتير، أدب، شعر.



الأم (روزا)، وهو الاسم الذى يدللها به أصحابها، هى السيدة (فاطمة محيى الدين الشريف) من أصل لبنانى نشأت يتيمة وقامت على تربيتها هناك أسرة مسيحية قبل أن تاتى إلى مصر، وفى القاهرة أقدمت على العمل فى مجال التمثيل باسم شهرة (فاطمة اليوسف) ونبغت فى الأداء المسرحى فأطلقوا عليها (سارة برنار الشرق) وتزوجت من الممثل محمد عبدالقدوس الذى أنجبت منه الابن (إحسان)، ثم انفصلا وتزوجت مرة أخرى من الفنان (زكى طليمات) وأنجبت منه ابنة.

وتميزت السيدة «روز اليوسف» بمواصفات شخصية انعكست فيما بعد على المجلة التى أصدرتها وحملت اسمها، لقد كانت سيدة قوية، ولأنها تربت فى كنف أسرة مسيحية وهى مسلمة، فقد نمت على قيم احترام عقائد الآخرين، ولأنها فنانة شهيرة حرصت منذ البداية على أن تأخذ من الفن قيم الإبداع والتجديد، ولأنها فنانة مسرح تعرف معنى التفاعل المباشر مع الجمهور، فإنها كذلك تعاملت مع الصحافة بمنطق أهمية الاتصال الدائم مع الناس، وهكذا كانت وظلت مجلتها حتى الآن حريصة على كل تلك القيم التنويرية.

وكانت السيدة روزا تدير المجلة بمنطق سيدة البيت القوية، وبمنطق «المعلمة»، وبمنطق سيدة الأعمال، بمعنى أنها كانت تعرف كيف تختار العنصر الصالح وتمنحه الصلاحيات اللازمة وكانت أيضًا قاسية جدًا وتطبق معايير إدارية صارمة.

هذا الإصدار السياسى الأول فى مصر كانت بدايته فنية كون صاحبة الفكرة تمتهن الفن وتبزغ فيه ومنذ اليوم الأول لنشأة الحلم فى عام 1925 دخلت معارك وصراعات صحفية مع بعض الاتجاهات الفنية المختلفة مع رؤيتها، خاصة مع منافسها الفنان (يوسف وهبى) وكانت وقتها المجلة تصدر من شقة فوق سطح عمارة يملكها أمير الشعراء (أحمد شوقى) وكان محررو المجلة يصعدون 90 درجة سلم حتى يصلوا إلى حلمهم.

هذا الحلم الذى تحول من إصدار فنى إلى سياسى بعد أن تراءت لفاطمة اليوسف أن مساحة قراء الفن محدودة نتيجة الأحداث التى كانت تعيشها البلاد فى تلك الآونة، وعليه قررت أن تحول المجلة من فنية إلى سياسية، ولكنها واجهت مشكلة فى الحصول على ترخيص جديد، لأن السلطات فى ذلك الوقت كانت تدرك ما هى روزاليوسف وكانوا يخشون من صوتها العالى ومن دورها المؤثر، إلا أنها استطاعت أن تقنع وزير الداخلية وقتها بالحصول على التصريح فوافق بمنطق (خليهم ياكلوا عيش)، ومن يومها وحتى الآن صارت مجلة روزاليوسف المجلة السياسية الأولى فى مصر والشرق الأوسط، ولقد كان تحولها إلى السياسة هو البذرة الأولى التى تربى عليها أبناء روزا، جيلا ورا جيل، حاملاً الراية فى مواجهة دايمة مع الفساد والتطرف، ودخلت معارك مع السلطة والحكم قبل ثورة يوليو 52 وتصدت المجلة لأشهر قضية فساد سياسى فى ذلك الوقت وهى (الأسلحة الفاسدة فى حرب 48)، وكان لها دور مع الضباط الأحرار ومساندتهم ودعم الثورة.

ومنذ أن صارت المجلة سياسية فى الثلاثينيات والأربعينيات كان يعتد بها كمدرسة صحفية فريدة فى الأداء المهنى والاحترافية التى ليس لها حدود وعرفت بأسلوبها الخاص لكتابها الذى يعتمد على الرأى الساخن اللاذع مع الخبر البارز والكاريكاتير النقدى الحاد الذى تميزت به.

وصارت المجلة نبراسا لليبرالية بما تتضمنه من كل الآراء ومختلف الاتجاهات الفكرية، ولذا فإن أبرز كتاب الصحافة المصرية جاءوا من مدرسة روزا التى لم تعقم أبدًا، فهى ولّادة للإبداع الصحفى حتى يومنا هذا وستستمر إن شاء الله.

وقد عاشت المجلة قضايا سياسية كثيرة دفعت ثمنها من تحميلها أيديولوجية بعينها ولم تكن قاصدة لهذا بالمرة، وذلك عندما أطلق عليها بأنها (شيوعية)، ولكن حقيقة الأمر أن كتاب روزا كانوا مؤمنين بالثورة وعبدالناصر ومنها انطلقت أهم الأغانى الوطنية فى تاريخ مصر من العبقرى المبدع (صلاح جاهين)، ولكن فى أواخر السبعينيات وتحديدًا 1977 والحدث الذى أطلق عليه الرئيس السادات (انتفاضة الحرامية) كان غلاف روزا يحمل بكل جرأة عنوان (إنها انتفاضة شعبية وليس انتفاضة حرامية) ليطلق على المجلة بأنها ذات أيديولوجية شيوعية، ولكثرة المقالات التى كانت تحمل معانى الاشتراكية والانحياز للشعب.

ولكن المجلة سارت فى طريقها تضم أجيالاً مختلفة من الصحفيين المتميزين على مر الأيام، وفيما يبدو أن هناك عوامل جذب عديدة تأتى بكل منهم إلى الساحة الروزية ينهل منها ويضيف إليها، وما زالت روزا وأبناؤها حريصين على تبنى قضايا التنوير والمواطنة ومواجهة كل قضايا التخلف والتصدى للفساد بكل أنواعه.. بوركت روزا وأبناؤها على مر الزمان.