الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كيف تصبح سعادة السفير الإعلامى الدكتور بـ500 جنيه كيانات وهمية لتخريـــــج النصابين

كيف تصبح سعادة السفير الإعلامى الدكتور بـ500 جنيه كيانات وهمية لتخريـــــج النصابين

فى إحدى الجلسات التى جمعتنى بأحد السياسيين قبل حوالى 15 عامًا كان يبحث عن مترجم للغة الإنجليزية حتى يترجم حوارًا له مع إحدى الصحف الأجنبية أصابتنى الدهشة، خاصة أن الرجل كما أعلم حاصل على الدكتوراه فى فلسفة القانون من الخارج، وبالتالى لا يستقيم ألا يجيد اللغة الإنجليزية، لكننى قلت فى نفسى لعله يجيد الفرنسية والمراسل الأجنبى الموجود يستطيع الحديث باللغة الفرنسية، لكن الرجل صدمنى وهو يقول إنه لا يجيد سوى اللغة العربية فقط، وأنه يكره اللغات منذ أن كان طالبًا فى الشهادة الإعدادية وكان يحصل فيها على درجات متدنية.



 

المهم أن الرجل أضاف إلى لقبه حرف الدال الشهير، وأصبح الكل يتعامل معه وفقًا للقيمة والأهمية التى يضيفها مثل هذا اللقب العلمى للإنسان، وعرفت بعدها أن الرجل دفع 2000 دولار وحصل على اللقب.

كما نشطت أكاديميات بيع ما يسمى الماجستير المصغر أو المينى ماجستير، بالإضافة إلى الدكتوراه المهنية، وهو مصطلح ليس له دلالة علمية، لكنه نوع آخر من التحايل لإضافة حرف الدال قبل الاسم ويقبل عليه مصريون وعرب، وهو ما يشوه سمعة التعليم الجامعى فى مصر.

بعد حوالى سنتين جمعنى لقاء برجل أعمال يستثمر فى استصلاح الأراضى ظاهريًا، لكنه وفى الحقيقة يحصل على مئات الأفدنة فى الطريق الصحراوى تحت مسمى الاستصلاح الزراعى، لكن الرجل يبيعها بالمتر، فدان عليه فيلا بجنينة، وبالتالى تحول الصحراوى إلى كمبوندات سكنية كما نراها الآن، وبالمناسبة كان يسبق اسمه حرف الدال أيضًا.

المهم أن رجل الأعمال هذا أخبرنى أنه يريد مجاملتى وسوف يتوسط لى عند صديقه، وهو سفير إحدى دول أوروبا الشرقية ليمنحنى لقب الدكتوراه فى فرع العلم الذى أريده من إحدى جامعاتهم مقابل 2000 دولار.

بصراحة الموضوع أعجبنى جدًا، وكنت أفاضل بين الحصول على دكتوراه فى النساء والتوليد أو دكتوراه فى الفيزياء النووية، لكن للأسف لم أكن أمتلك يومها مبلغ الألفى دولار.

لا أعرف لماذا تذكرت هذه القصة وأنا أتابع أنباء القبض على النصاب حنفى أو الذى قدم نفسه باسم اللواء فاروق القاضى الذى انتحل صفة مستشار فى رئاسة الجمهورية ويوهم الناس بقدرته على تخليص عمليات مشبوهة مقابل الحصول على عمولات.

المثير فى الأمر أن هذا النصاب الذى سقط هو مجرد حلقة ضعيفة من سلسلة نصابين يملأون علينا الآفاق ومعهم كارنيهات وشهادات تفيد أنهم صحفيون أو إعلاميون أو سفراء أو مستشارون، وهى ظاهرة تستفحل وتتوغل منذ أكثر من عشرين عامًا.

والمسألة لا تحتاج إلا إلى رجل أو سيدة من المغامرين لديهم طموح ورغبة فى تحقيق مكاسب من وراء مجتمع يعشق الألقاب، ويقومون بإشهار جمعية فى وزارة التضامن الاجتماعى تحت مسمى يلفت الانتباه مثل جمعية سفراء السلام بالأمم المتحدة الدولية، وبالطبع تلصق كلمة الدولية حتى تخرج من نطاق التشابه مع لفظ الأمم المتحدة، وبالتالى توافق الوزارة على الإشهار وإصدار لوجو وأختام.

مثل هذه الجمعية أو الجمعيات التى تنتشر بسميات مختلفة، لكنها تدور فى هذا الإطار تبدأ فى منح درجة الدكتوراه الفخرية  لسعادة السفير أو السفيرة صاحب أو صاحبة السبوبة ثم تغرق السوشيال ميديا بإعلانات من نوعية أكاديمية سفراء السلام بالأمم المتحدة تمنح شهادة سفير الأمم المتحدة والدكتوراه الفخرية ويبدأ المئات، بل الآلاف فى التواصل مع الجمعية المشبوهة التى تمنحهم اللقب مطبوعًا على ورقة كارتون تبدأ من 500 جنيه وحتى 50 ألف جنيه وفقًا لشهرة الجمعية والملاءة المالية للشخص. 

لكن من أين تأتى شهرة الجمعية؟

تأتى الشهرة من خلال علاقات بمجموعة من الفنانين الذين انحسرت عنهم الأضواء إما بحكم السن أو بحكم الرزق، لكنهم فى النهاية وجوه معروفة للناس.

صاحب أو صاحبة الجمعية التى بدأت المشروع واسمها فى البطاقة حلاوتهم والحاصلة على دبلوم تجارة، لكنها وبعد مرور 3 سنوات على إشهار الجمعية تحولت إلى سعادة السفيرة الإعلامية الدكتورة شيرى تعلن عن تنظيم الحفل السنوى الكبير لتكريم مجموعة من نجوم المجتمع ومنحهم لقب سفير الأمم المتحدة للسلام العالمى.

وعن طريق التواصل مع الفنانين الذين انحسرت عنهم الأضواء لسنين طويلة يتم تنظيم حفل كبير لتوزيع شهادات الدكتوراه الفخرية ولقب سفير الأمم المتحدة للسلام، وبالتالى وكما تجذب الأضواء الفراشات تجذب هذه الحفلات راغبى الحصول على الألقاب.

بعض الحاصلين على الألقاب يكتفون بكونهم حققوا طموح إضافة لقب الدال قبل أسمائهم رغم أن أغلبهم دبلوم تجارة أو صنايع مع كل الاحترام والتقدير للحاصلين على دبلوم المدارس الثانوية.

لكن قطاعًا آخر منهم يستغل اللقب المزور والكارنيه المزور فى الحصول على مكاسب أكثر وأضخم مستغلاً مقدرته الفريدة على النصب، وبالتالى يتحول سعادة سفير السلام أو الدكتور أو مستشار التحكيم الدولى إلى كومسيونجى ومخلصاتى للأعمال المشبوهة داخل الوزارات خاصة مع علمه بفساد بعض المسئولين وسعى البعض من المواطنين ورجال الأعمال لتخليص مصالح ليست من حقهم استغلالاً لهذا الفساد.

ويصبح معيار النجاح هنا هو ثقة النصاب فى نفسه وقدرته على فرض شخصيته الوظيفية المزورة على من حوله. وبالتالى بعضهم يتصدر المشهد لسنوات طويلة وقد يتزوج فنانة ويصاحب مسئولين كبارًا ويسكن فى أفخم الفنادق لأنه أجاد القيام بعمليات النصب والسمسرة وتحول من الحصول على العمولات ذات الثلاثة أصفار إلى العمولات ذات الستة أصفار. 

هذه الكيانات الوهمية التى تسرح فى المجتمع هى المسئولة عن تفريخ أكبر كم من الفاسدين والمزورين فى مصر. 

والازمة مستفحلة فى المحافظات أكثر من القاهرة فمثلاً وبلا مبالغة نسبة

 90 % ممن يطلق عليهم صحفيين أو إعلاميين فى المحافظات ليست لهم علاقة بالمهنة أو ينتمون إلى نقابة الصحفيين أو الإعلاميين، لكن معظمهم يعملون فى صحف وفضائيات تصدر من تحت السلم مثل الأهرام الدولى وأخبار اليوم الدولى والجمهورية الدولية وهى مطبوعات تأخذ اللقب واللوجو الخاص بالصحف الكبرى وتضع كلمة الدولى أو العالمى ببنط غير مقروء والقارئ معذور.

أضف إلى ذلك الذين يعملون فى صحف بدون تراخيص وصحف قبرصية وقنوات تأجير الساعة بـ500 جنيه، وللأسف معظم هؤلاء ينضمون لقائمة السماسرة ومنتحلى الصفة والمزورين ولا تتم محاسبتهم رغم أن معظمهم يتربح من علاقاته بكبار وصغار الموظفين داخل المحافظة.

استمرار هذه الكيانات الوهمية فى العمل أمر لم يعد مقبولاً وضبط فوضى الألقاب التى تنهش فى الشارع أصبح أمرًا حتميًا وفضح ممارسات هؤلاء يصبح فرض عين على الجميع.

تقديرى الشخصى أن المرحلة القادمة ومع إعادة ضبط الدولة وضبط الأداء سيتم التخلص من هذه الكيانات التى أصبحت عبئًا على المجتمع.