السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تاسونى «إنجيل» كلمة السر فى رسامة زوجها القمص «بيشوى»

إن المجتمع المصرى يذخر بنماذج نسائية قوية، استطعن بقوتهن أن يؤثرن فيه ويتركن بصمتهن على من تعاملوا معهن، بل منهن من أصبحن أيقونة تلمع فى سماء هذا الوطن وأصبحن 



فى هذه السلسلة نتحدث عن سيدات معاصرات منهن من رحلوا ومنهن من لا زلن يعشن فى وسطنا، لمعت أسماؤهن وبرزت بحروف من نور فى سماء الكنيسة وكانت بصمتهن فى خدمتهن خير دليل على قوة السيدة المصرية بشكل خاص، وجاءت قصة حياتهن لتؤكد بأن المرأة إذا أرادت فإنها تستطيع أن تفعل، فهى تمتلك من قوة الإرادة ما يكفى لتغير حياة كثيرين.

منارة عالية ترشد كل من تاه فى طريقه.

البداية تأتى مع تاسونى «إنجيل» والتى رحلت عن عالمنا يوم 24 نوفمبر من العام 2019 تلك السيدة التى اشتهرت بارتداء الأبيض منذ رحيل زوجها القمص بيشوى كامل أحد أكبر مؤسسى خدمة المهجر وأحد أهم كهنة الإسكندرية.

 

من هى تاسونى إنجيل؟

تنتمى إنجيل لأسرة قبطية كبيرة تتكون من أب وأم وأحد عشر ابنًا وابنة، يعرف عنها أنها من مواليد اللد بفلسطين، من عائلة أرثوذكسية ولكنهم جاءوا إلى مصر وعاشوا بالإسكندرية ويتكلمون اللغة القبطية بطلاقة.

وتعد أسرة إنجيل من أهم الأسر المعروفة بالكنيسة المصرية فهى أخت الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى، القس بيجول باسيلى «راعى الكنيسة القبطية بفرانكفورت»؛ القس كيرلس باسيلي «من رعاة الكنيسة القبطية بهولندا»  الدكتور فايز باسيلى والمهندس فيكتور باسيلى والمهندس ماهر باسيلى «بالإسكندرية» والأم أغابى راهبة بدير أبى سيفين (توفيت فى التسعينيات) والأم يوستينا وابنتان متزوجتان إحداهما فى مصر والأخرى بكندا.

 نشأة تاسونى

 نشأت تاسونى فى أسرة عاشقة للغة القبطية فيتحدثون بها فى المنزل، حيث اهتم الوالد والوالدة بالتحدث باللغة القبطية فقط داخل المنزل فنطق الأبناء باللغة القبطية وهم فى سن صغيرة جدًا ولم يعرفوا غيرها وسيلة للتخاطب.

وأيضا اهتم الوالدان بتلقينهم قواعد اللغة القبطية وإتقانها، وكان الجد الأكبر الذى يسميه الناس مقار اختصارًا لاسمه الحقيقى مقاروفيوس وكان يعيش فى القرن الخامس الميلادى وهو الذى بنى دير العذراء بالجنادلة وكان وراء الدعوة لعدم السماح باندثار اللغة القبطية، فقد بدأ بنفسه وغرس فى أبنائه وأحفاده حب هذه الحضارة وهذه اللغة، ويقال إن سبب تمسك الجد بتعليم أبنائه اللغة القبطية أنه يومًا دخل الكنيسة فوجد أشخاصًا يلبسون ملابس حمراء ويتحدثون معه بلغه لا يفهمها ثم تقدم إليه شخص وأخبره أنه لا يستطيع أن يكون قبطيًا ما لم يفهم لغة الشهداء، ومن ذلك اليوم تعلم اللغة القبطية وجعلها اللغة التى يتحدث بها أبناؤه وأحفاده.

وكانت تاسونى (أخت باللغة القبطية) إنجيل كانت تشتاق للرهبنة كأخواتها ولكن هذه الأمنية تحققت بطريقة أخرى من خلال زواجها البتول من القمص بيشوى كامل عام 1959، حيث كان هو الآخر يشتاق لحياة الرهبنة إلا أنه تم اختياره لسيامته كاهنًا فى الإسكندرية فما كان منهما إلا أنهما تزوجا واتفقا أن يعيشا حياة البتولية متفرغين لحياة الخدمة.

 رحلتها مع زوجها

 بدأت تاسونى إنجيل الخدمة مع زوجها وهى كانت من أوائل من سافروا للمهجر للخدمة فى أمريكا وهى رائدة فى خدمة الافتقاد وخدمة المحتاجين والفقراء، حيث تميزت ببساطة القلب ونقاء السيرة، والزهد فى الماديات والمقتنيات.

وكانت تمتلك فضيلة الصمت والهدوء الرزين مع الوداعة، أظهرت الحب للجميع كما كان يوصيها زوجها قبل وفاته بأن أولادنا منهم الطيبون والأشرار ولكن لا يجب احتقار أحد منهم وإهانته، فيجب خدمتهم والاهتمام بهم كلهم وتوصيل رسالة حقيقية لهم وهى أن الله يحبهم جميعًا ولذلك كانت محبوبة من الجميع.

 ارتداء الأبيض

وكانت إنجيل أول من تزينت بالأبيض فى انتقال زوجها إيمانًا منها بأنها تشارك الملائكة فرحتها وتسابيحها بعرس انتقاله للسماء وظلت ترتديه حتى يوم رحيلها والذى وافق ذكرى زواجها الستين.

وكانت نشأتها فى أسرة مسيحية ما بين الرهبنة والكهنوت والتعاليم المسيحية وانتقالها بعد ذلك للحياة مع شريكها فى البتولية والخدمة جعل منهج حياتها هو البتولية والخدمة بحب وإلى المنتهى لذلك تجد الجميع يحبونها ويقدرون نقاء وبساطة قلبها وخدمتها الأمينة.

وكان زوجها من أنشط الكهنة فى الإسكندرية، حيث أسس أكثر من 20 كنيسة أشهرها كنيسة مارجرجس سبورتنج، وساهم بصورة فعالة فى خدمة الفقراء والمهمشين بمشاركة زوجته، التى عاشت أمينة على هذه الخدمة، مخصصة حياتها للعمل الإنسانى.

وعندما أصيب زوجها بالسرطان كانت خير معين له حتى رحيله عام 1979، بعد حياة مثمرة فأخلصت لنشر سيرته النقية واستمرت فى العمل الخدمى، وواظبت على التردد على زيارة مدفنه بكنيسة سبورتنج بشكل شبه يومى.

كما تابعت كل الخدمات التى كان يقدمها الأب بيشوى، وكأنها ظل يحمل شعلته لتنشر النور والخير والنعمة، ومن أجمل الدروس التى قدمتها تاسونى إنجيل ارتداء الزى الأبيض يوم جنازة زوجها، وظلت محافظة على هذا الزى كدرس يتحدى الحزن المجتمعى الذى يعد الأسود علامة الإخلاص للزوج الراحل، وكانت تقول إن الأبيض لون الفرح.

 البابا تواضروس: قدمت لنا صورة نقية فى السيرة الروحية والحياة المعاشة فى الكنيسة

وفى رحيلها أرسل البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية برسالة تعزية والتى رحلت عن عالمنا عن عمر ناهز ٨٩ عامًا.

وقال البابا تواضروس فى برقية العزاء، خالص تعزياتى القلبية فى رحيل هذه الأخت المباركة والتى قدمت لنا صورة نقية فى السيرة الروحية والحياة المعاشة فى الكنيسة.

وتابع، لقد كانت سندًا قويًّا للمتنيح طيب الذكر أبونا بيشوى كامل فى مسيرة خدمته وكهنوته وأيضًا فى مسيرة مرضه وآلامه، لافتًا إلى أنها ظلت بعد رحيله وعبر عشرات السنوات أمينة فى حياتها وخدمتها وصورتها الطوباوية.

وأضاف: كان رداؤها الأبيض معبرًا عن سيرتها المباركة، لقد عرفتها عن قرب وشاركت معنا فى مناسبات عديدة، وكانت دائمًا فى بشاشتها وروحها المفرحة.

واختتم كلمته قائلًا: على رجاء القيامة نودعها طالبين العزاء لأسرتها ولكل أبنائها الروحيين وأحبائها وشعب كنيسة مارجرجس اسبورتنج، ويمنحنا أن نكمل أيام حياتنا بسلام.