الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الأستاذان

ع المصطبة.. الأستاذان

فى حياة الإنسان سلسلة لا تنتهى من الأساتذة والمعلمين، كانوا بطريقة أو بأخرى سبباً فى تشكيل وجدانه المعرفى والثقافى والسياسى والإنسانى والروحى، وأعتبر نفسى محظوظاً بكونى صادفت فى حياتى جيلاً من الأساتذة الذين تركوا بصمات لن تنسى، بعضهم قدم لى الدعم والمؤازرة، والبعض الآخر لم أقابلهم شخصياً لكن أفكارهم تركت فى نفسى بصمات واضحة.



لكن.. يظل المعلمون والأساتذة الأوائل فى مراحل الشباب المبكرة أصحاب السبق والتأثير الأكبر فى حياتى، ومن بين هؤلاء الأساتذة أدين بالفضل لأستاذين كان لهما تأثير عميق لا يزال مستمراً معى حتى الآن، هما المفكر السياسى الكبير جمال أسعد عبدالملاك، والأستاذ العالم والمناضل الكبير الدكتور أحمد ياسين نصار.

كل منهما، تربى على يديه العشرات من الشباب، الأول ـ جمال أسعد ـ كان بمثابة أستاذ متجول، فأينما حط به الرحال فى أحد محال مدينة القوصية بمحافظة أسيوط، أو فى صالون منزله، التف حوله أمثالى من الشباب فيما يشبه الندوة التثقيفية، ننهل من خبراته، نتناقش ونتجادل معه بكل رحابة صدر.

بالنسبة لى لم يكن الأستاذ جمال أسعد، مجرد المعلم فقط، بل كان الداعم الأبرز فى الولوج إلى عالم العمل الصحفى لأضع أقدامى فى بلاط صاحبة الجلالة، بل ما زلت أذكر أن أول جهاز «كاسيت» لتسجيل مقابلاتى الصحفية كان هدية منه.

وفى الجامعة، كان مكتب أستاذ الكيمياء الحيوية بكلية الطب بجامعة أسيوط الدكتور أحمد ياسين نصار، بمثابة الملاذ الآمن لكل من كان يبحث عن بصيص أمل فى ظل سيطرة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى على مفاصل أنشطة الجامعة، ما أن تدخل مكتبه يبادرك بعزومة على الإفطار وهى إما أرز باللبن، أو «الفايش» الصعيدى اللذيذ مع كوب شاى مظبوط.

رغم أنه أستاذ بالجامعة له العديد من الأبحاث والدراسات العلمية المنشورة فى أشهر الدوريات والجامعات العالمية، إلا أنه لم يستنكف أن تكون سيارته اللادا القديمة هى دابته التى يجول بها على القرى والنجوع لنشر التوعية وتوصيل رسالته، كان نموذجاً لما يجب أن يكون عليه الانسان.

قواسم مشتركة جمعت بين الأستاذين، أسعد ونصار، فكلاهما لم يسبحان ضد التيار فقط، بل يمدان يد المساعدة للشباب فى العبور بهما إلى بر الأمان، خاضا المعارك فى جبهات عدة ولم تلن عريكة أى منهما، بل كانا بعد كل معركة يخرجان أقوى وأكثر صلابة وإصراراً على مواصلة رسالتهما.

واجه الدكتور نصار حرباً شرسة، حيث تحالف عليه تيار الإخوان والحزب الوطنى، ولم يتورعوا عن الترويج بأنه ملحد ومعادٍ للإسلام، رغم أننى لم أدخل عليه مكتبه فى أى وقت للصلاة إلا وجدته ساجداً يؤدى فروضه دون متاجرة بعلاقته القوية مع الله، فى وقت انجرف فيه غيره مع تيار المتأخونين بحثاً عن مصالح شخصية ضيقة.

أما الأستاذ جمال أسعد، فكان من أبرز رواد الخروج بالشباب المسيحى من شرنقة التقوقع داخل أسوار الكنيسة والدفع بهم للعمل العام كمواطنين مصريين أولاً وأخيراً، ولقد واجه جراء ذلك هجوماً منقطع النظير، ودفع الكثير مقابل مواقفه خصوصاً ممن كانوا يعتبرون أنفسهم أوصياء على الشباب المسيحى والمستفيدين من عزلة هؤلاء الشباب خلف أسوار الكنائس.

قدم الأستاذان أسعد ونصار، لجيلى رسالة جليلة، وأزعم أنهما كانا من أبرز أسباب الحفاظ على ما تبقى من الهوية الوطنية بين أبناء هذا الجيل، لم يسعيا إلى منصب أو إلى تكوين ثروة مالية، بل كان جل اهتمامهما ترسيخ قيم المواطنة والمساواة والمشاركة الفاعلة، فظلا يتمسكان بمبادئهما مثل الممسك بقبضته جمر النار.