الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!«فؤادة» مدير عام "2"

كدهوّن!«فؤادة» مدير عام "2"

عشقت ملامحَ فؤادة البريئة الهادئة وهى تفتح الهويس وبإصرار وعزم الرجال وبنظرة أمّ حانية بكل ما تملك من حب للحياة لتتدفق المياه تدريجيًا وتتحول إلى شلالات تروى الأرض وتنقذ الزرع وترد الروح للفلاحين الخائفين من جبروت عتريس وعصابته لتعلو زغاريد النساء ويرقص الرجال فرحًا بإنقاذ زرعهم ولتقف فؤادة بمفردها مُعلنة الحربَ على القهر والظلم وكل سلاحها فى مواجهة عتريس هو الصمت العنيد ونظرة حزينة حائرة بين قلبها وضميرها، تلك النظرة التى زلزلت كيان عتريس وأسقطته من عليائه رغم امتلاكه لترسانة أسلحة كاملة إلا أنه هُزم أمام تلك النظرة الصامتة.



 

فقد كانت قوة فؤادة فى صمتها، وتلك صعوبة الشخصية الدرامية التى قدّمتها شادية، فلم نشاهدها أبدًا تهتف أو تصرخ بخطبة عصماء أو تحث الفلاحين على المقاومة مثلاً كما يحدث عادة فى مثل هذه النوعية من الأفلام ولكنها التزمت الصمت العنيد فى مواجهة كل الضغوط التى تعرضت لها حتى من أقرب المقربين إليها؛ لتحتل فؤادة الصدارة كأيقونة للمقاومة والحرية ترفض الاستسلام والخضوع كأنها إحدى شخصيات الأساطير الإغريقية التى خرجت من مكمنها تبحث عن الحق والخير والحرية تهب الحياة للآخرين وكِدَهُوَّن.. لم أستطع فى ذلك الوقت كطفل صغير أن أربط بين صاحبة تلك الملامح الصارمة والنظرات العنيدة داخل العيون الكحيلة وبين تلك الفتاة المرحة صاحبة الصوت الطفولى فى فيلم (لحن الوفاء) مع عبدالحليم حافظ وهى تقدم نفسَها بكل ما تملك من أنوثة مراهقة: أنا سهام عبدالسلام أحمد محمد الشربينى ليسخر من أدائها الأستاذ حسين رياض ويحبها عبدالحليم ويعشقها كل الأطفال والمراهقين فى ذلك الوقت، وكم كانت سعادتى عند عودتى من المَدرسة عندما أجد التليفزيون يَعرض أحد أفلامها مع كمال الشناوى وإسماعيل يس وهى تجرى وتضحك وتغنى «سوق على مهلك سوق» وتقوم بمغامرات ساذجة من خلال قصص مسلية وبسيطة أقرب للحكايات وشخصيات مجلة ميكى التى كنتُ ولا أزال أعشقها حتى يومنا هذا كما أعشق الأفلام الأبيض والأسود؛ خصوصًا أفلام شادية وكِدَهُوَّن.. يسيطر السؤال علىّ؛ كيف تحولت هذه المراهقة المرحة الساذجة إلى أيقونة للحرية والمقاومة؟ كيف تطور أداء الدلوعة سهام عبدالسلام أحمد محمد الشربينى فى فيلم (لحن الوفاء) ليصل إلى فؤادة أيقونة الحرية فى كل العصور فى فيلم (شىء من الخوف) وكِدَهُوَّن.. نضجت شادية فى صمت من دون ضجيج وعلى مهل وتسللت بهدوء إلى قلب ووجدان المُشاهد العربى بمجموعة متنوعة جدًا؛ حيث انتقلت من الأفلام الغنائية المرحة إلى أفلام ذات طابع ميلودرامى والرومانسى الذى غلب على ملامح سينما الخمسينيات حتى انطلقت فى الستينيات لتتسيد شاشة الأفلام الكوميدية بمفردها وكِدَهُوَّن.. بقصد أو من دون قصد، قدمت شادية قضايا جادة جدًا مغلفة بالمرح والبهجة من خلال أفلام ممتعة للمُشاهد وفى الوقت نفسه تحمل له رسالة تنويرية من دون ضجيج أو مباشرة تعمل على تنميه وعى الجمهور وتشكل وجدانه بمفاهيم عصرية تناسب مجتمعًا يحاول أن يتقدم ويتطور فى ظل مورث عتيق من الأفكار الرجعية كثيرًا ما تعوق خطواته وكِدَهُوَّن.. فانتقدت فكرة تعدد الزوجات حتى لو بأثر رجعى فى فيلم (الزوجة 13)، فنجد الفتاة عايدة لم تقبل بأن تكون مجرد رقم فى حياة الرجل الذى تحبه ولم تقبل بدور أقل من دور الشريكة فى الحياة والكفاح، ورغم احتياجها المادى رفضت الاستسلام لرجل مزواج يتعامل مع المرأة كأداة للمتعة فقط دون أن يهتم بعقلها أو قلبها حتى أدرك خطأه فى النهاية، ونجد الفيلم رغم بساطته وما يحققه من متعة فنية للمُشاهد ينجح فى ترسيخ المعنى الحقيقى للزواج وليس مجرد علاقات جنسية ونزوات ولكنه حياة مشتركة بين رجل وامرأة يقدمان معًا للمجتمع أسرة متماسكة وكِدَهُوَّن.. تستمر شادية فى تقديم أدوار جادة فى قالب كوميدى فقدمت فيلمها التقدمى جدًا فى ذلك الوقت وربما يصلح حتى يومنا هذا، (مراتى مدير عام) رافعة شعار المرأة تستطيع أن تنجح فى أى مكان؛ حيث قدّمت صورة رائعة للمرأة العاملة الطموح بمنتهى الجدية والهمة والكفاءة فى الإدراة وقياداتها لشخصيات متنوعة من الرجال الذين لا يقبلون بأن ترأسهم سيدة مَهما كان نجاحها لأسباب اجتماعية ودينية؛ إلا أنها نجحت فى إذابة الجليد وفى الوقت نفسه لم تهمل واجباتها المنزلية ورعايتها لزوجها الذى يعمل تحت إدارتها فى العمل، فقدّمت شادية دورًا مركبًا للمرأة العصرية التى تضع شاربًا خارج منزلها وتحتفظ بأنوثتها داخل منزلها وكأنها تقدّم بذلك الخلطة السحرية لنجاح المرأة العاملة فى مجتمع شرقى متحفظ يقاوم نجاحها خارج المنزل، وأدركت شادية أهمية الفكرة التى تقدمها فتخلت تمامًا لأول مرّة عن جمالها الطاغى داخل ملابس كلاسيكية ثقيلة تخفى أنوثتها واستخدمت تسريحة شعر بسيطة جدًا أقرب لشخصية النساء العاملات فى تلك الفترة حتى يكون لها مصداقية ويقتنع الجمهور بأن الدلوعة صارت مدير عام بشنبات وكِدَهُوَّن.. فى فيلم (عفريت مراتى) كانت الفكرة الاهتمام بالزوجة غير العاملة وعدم تركها للفراغ والمَلل الزوجى كشىء مفروغ منه كأنها قطعة أثاث أو مديرة منزل فقط ترعى المنزل تنتظر رضاء زوجها عنها فى وقت فراغه فقط؛ ولكنها إنسانة لها حقوق ومشاعر وأحاسيس ورغبات تشارك زوجها الحياة والمتعة والطموح وكِدَهُوَّن.. استمرت شادية فى تقديم أدوار تنويرية فقدمت (ميرامار) شخصية البنت الريفية البسيطة التى تصر على التعليم كقارب نجاة لها من حياة الفقر والبؤس فلم تنحرف أخلاقيًا ولم تبحث أن رجل ثرى تتزوجه وينقذها من الفقر على سبيل المثال ولكنها أرادت أن تبنى شخصيتها بنفسها وأن تحقق ذاتها من خلال حرصها على التعليم ومحو أميتها وإصرارها على النجاح، رغم كل المعوقات التى صادفتها نجدها تقدم رسالة غير مباشرة للفتيات الفقيرات اللاتى حُرمن من التعليم فى الصغر وكِدَهُوَّن.. (كرامة زوجتى) فيلم يحمل فكرًا جريئًا جدًا أشك كثيرًا فى إمكانية تقديمه الآن بنفس المعالجة؛ حيث عقدت الزوجة اتفاقًا غير مسبوق فى مجتمعاتنا الشرقية مع زوجها إذا قام بخيانتها سوف تخونه هى الأخرى وكِدَهُوَّن.. لتؤكد على إصرارها على المساواة بين الرجل والمراة فى الحقوق والواجبات والمسئوليات وأيضا الأخطاء فتضع شرطا يتعارض مع الثقافة الشرقية السائدة حتى يومنا هذا؛ حيث تغفر الخيانة للزوج وتبررها له فى بعض الأحيان وترفضها تمامًا ولا تسامح إطلاقًا الزوجة إذا قامت بنفس الفعل وكِدَهُوَّن.. لتثور وتؤكد من قبل الارتباط الرسمى بالزواج أنها ترفض الخيانة كفعل جارح يطعنها فى أنوثتها مَهما كانت المبررات لتعلنها كصفعة للمجتمع؛ «إذا خونتنى هاخونك» أعلنتها قوية صريحة وكعادتها فى هدوء مغلف بابتسامة جميلة هادئة دائمًا تجعل المجتمع يرفض فكرة الخيانة الزوجية كمبدأ سواء وقع فيه الزوج أو الزوجة وكِدَهُوَّن.. عندما يكون للفن دور تنويرى فى المجتمع ويساهم فى تطويره وتنمية وعية وكِدَهُوَّن.. صوت شادية ثورة ضد القبح والجهل والتخلف.