الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) : القوامة مسئولية.. وليست أفضلية! "2"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

يرتبط موضوع المساواة بين الرجل والمرأة بموضوع قوامة الرجل، والذى يسأل البعض أسئلة حوله، منها: هل تبقى قوامة الرجل عند اشتراك المرأة فى نفقات البيت؟، وهل تنتهى قوامة الرجل عندما تقوم المرأة بنفقات البيت كاملة؟، وللإجابة نبدأ بقراءة الآية المتعلقة بالقوامة فى القرآن الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء 34، و(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ)، بمعنى يقومون على كسب الرزق، والعناية بالزوجة، ورعاية الأسرة، فكلمة قوام تعنى شديد القيام حتى يضمن استمرار وسلامة الحياة الأسرية. 

 شرطان للقوامة

والآية بدأت بالرجال والنساء بشكل عام، ثم الكلام عن التفضيل خاص بالبعض: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، لم يحدد تعالى من هم الذين فضل بعضهم على بعض، فالتفضيل لا يشمل الرجال والنساء كلهم، فالبعض لا يعنى الكل، والفضل تشريف من الله أولًا، وعلى أساس الإنفاق ثانيًا، وإذا لم يوجد أحد الشرطين فقوامة الرجل لن تكون كاملة، وعدم وجود الشرطين يسقط القوامة.

وفى كل الأحوال لا تفقد المرأة حقها فى تقرير مصيرها الشخصى طالما كانت قادرة على ذلك، وحيث إن أحد الأدوار المهمة للأسرة هو إنجاب الأبناء، وهو مهمة يكون العبء الأكبر فيها على المرأة وتتطلب منها قدرًا من القوة والذكاء وتحمل المسئولية، فى المقابل يكون على الرجل أن يتحمل مسئولية القوامة حتى يحدث التوازن فى تحمل المسئوليات، وحتى لا تتحمل المرأة مسئوليات إضافية تؤثر على مهمتها الأساسية فى العناية بالأبناء.

وبذلك تعنى القوامة أن الزوج يملك الإمكانيات العقلية والمادية والحكمة التى تؤهله للقيادة والإنفاق على الأسرة.  والرجل الذى له حق القوامة هو الذى يستطيع القيام بالتعامل مع كل الأمور الخاصة بالزوجة والأسرة: (..بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..) النساء 34، التفضيل هنا لا يشير إلى فضل الإيمان ولا العلم ولا القوة بل يشير إلى الفضل فى الحكمة بالنسبة لمن يقوم بإدارة الأمور.

 التفضيل من الله

والتفضيل فى القرآن الكريم منه أن الله تعالى قد فضل بعض الناس على بعض، مثل تفضيل بعض الرسل على بعض: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) البقرة 253، ولم يذكر القرآن من هم الرسل الذين تم تفضيل بعضهم على بعض، بل ذكر أنه لا يوجد أى تمييز بينهم بالنسبة لنا، كما فى قوله تعالى على لسان المؤمنين: (..لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه) البقرة 285.

وفى قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) النساء 32، يعنى أن كلا منهما مفضل بأمور، وما فضل الله به الرجال على النساء من هذه الأمور جعلته أصلح للقوامة، وتبقى الأفضلية بحسن الإدارة والحكمة ودرجة الوعى، التى تتفاوت بين الناس، فمن الرجال من هو أفضل من النساء والعكس صحيح، ولم يذكر تعالى أن الرجال الأفضل على الإطلاق.

 المطالبة بالمساواة

ولذلك فإن مطالبة الغرب بالمساواة بين الرجل والمرأة فيها ظلم للرجل فى كثير من الأمور، وظلم للمرأة فى كثير من الأمور، لأن المساواة التامة تعنى أن أخذ الواجبات من الرجل والمرأة يكون بالمثل وإعطاؤهما الحقوق يكون بالمثل، مع أن العدل يكون بمراعاة مقتضى الحال، دون مقارنة تؤدى لانتقاص أحد الطرفين.

هذا النوع من الانتقاص سبب نفس المشكلة للأهل مع الأولاد، فمحاولة فرض السيطرة غير العادلة بدعوى النقص فى الآخر، هى نفس المشكلة للمراهقين فى الأسرة، فالمرأة كما يقهرها الرجل تقهر هى أولادها، لأنها أكثر احتكاكًا بهم فى البيوت، فالرجل هو الذى أدى للمشكلة، وهو السبب فى منازعة المرأة له وعنادها، ولو تصرف الرجل من مفهوم القوامة الصحيح لاختلف الأمر، فالرجل الذى له القوامة عليه أن يحتوى ويرحم لأنه واثق من قدرته على إدارة كل الأمور.

قيمة الدرجة

وفى قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ) البقرة 228، والدرجة التى يمنحها الله للفرد ليست تكريمًا بل هى بمثابة اختبار أو ابتلاء، أما الدرجة التى يأخذها الإنسان عن طريق فعل الخيرات وازدياد العلم والوعى لديه فهى الدرجة التى تميزه عن غيره فى الأعمال الدنيوية مع الوضع فى الاعتبار أن العمل الأعلى قيمة عند الله هو العمل القائم على التقوى.

وقد تكررت كلمة درجة 4 مرات فى القرآن الكريم، وتعنى أن الإنسان يمكنه أن يحصل على درجة أعلى عن طريق الجهاد بالنفس والمال فى سبيل الله، أو بالهجرة إلى الله، أو عن طريق فعل الخيرات، أما فى قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة 228، نجد أن الدرجة هنا جاءت ضمن الحديث عن الطلاق، بمعنى أن للزوج حق الطلاق على زوجته وهو بذلك يزيد درجة عن حق زوجته عليه، وتلك الزيادة فى الدرجة ليست عامة فى العلاقة بأى امرأة أخرى، ونلاحظ أن كلمة (بِالْمَعْرُوفِ) متعلقة بمعاملة المرأة، وتسبق كلمة (دَرَجَةٌ) للتأكيد على أن المعروف هو أساس المعاملة العادلة.

 القوامة والإنفاق

وللإجابة عن فقدان الرجل لقوامته، وأن القوامة مرتبطة بالإنفاق، توجد فتوى للفقيه السعودى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، بأنه تسقط الولاية والقوامة إذا كان الرجل غير عدل، فلا ولاية لفاسق، أو كافر، أو مجنون، كما تسقط بالغيبة الطويلة.

وفى أقوال لفقهاء إذا لم يقم الرجل بالإنفاق على المرأة لم يكن له حق القوامة عليها، ويصبح من حقها طلب الطلاق، ومذهبا المالكية والشافعية أشارا إلى أنه عند الإعسار عن النفقة والكسوة يثبت فسخ عقد الزواج.

فالزوج يجب عليه أن يقوم بمسئوليته لتكون له القوامة على زوجته، فإذا أراد الرجل أن يحقق القوامة فعليه أن يقوم بما يصلح أمور الأسرة.

القوامة ليست أفضلية للرجل، ولا تعنى أنه أعلى من المرأة، يستطيع أن يستخدمها كما يشاء، وأن يستهين بها ويذلها، القوامة لا تعنى الاستمتاع بالزوجة، والاستعلاء عليها، وأن تعمل هى، ولا يعمل هو شيئًا، فالقوامة رحمة، وعلم، وبذل جهد ووقت ومال، من سهر على مصالح الأسرة، وقلق على مصير الأبناء.

والرجل يستحق القوامة لسببين، التفضيل فى القوة البدنية والتحمل، والإنفاق من ماله على المرأة والأسرة، فإذا فقد الرجل السببين أصبح غير جدير بالقوامة، وإذا فقد أحدهما فقد جزءًا من قوامته على المرأة، وقال بعض الفقهاء أن الرجل إذا لم ينفق على زوجته فإن قوامته عليها قد زالت، بمعنى أنه يحق لزوجته طلب الطلاق لأجل عدم إنفاقه عليها حتى ولو كانت غنية.

فالتى تعمل، وتأتى إلى البيت منهكة القوى، تعانى ما يعانى الرجل من مشكلات فى العمل، ومن منافسة، ومن قضايا تحتاج إلى معالجة، فتأتى إلى البيت متعبة، وعليها أن تقوم بأعمال البيت، وتربى، فأعصابها متوترة دائمًا، لم تعد سكنًا له، ودخلها من يأخذه، هو أم هى؟، دخلها هو لها، لكن زوجها لم يأخذ منها كل اهتمامها، أغلب اهتمامها لعملها، فهناك تداخل بين الاهتمامات.

إن إنفاق المرأة على الأسرة يضعف من قوامة الرجل على زوجته وسيطرته على بيته وأسرته، ومشاركة المرأة فى الإنفاق لا تتعارض مع قوامة الرجل، لأنها إذا كانت ترغب فى مشاركة زوجها فى الإنفاق وعن طيب نفس فلا تأثير على قوامة الرجل، وإذا امتنع الزوج عن الإنفاق أو عن العمل واعتمد على دخل زوجته وتولت هى الإنفاق كاملًا فإن قوامته المادية تسقط، وتبقى له القوامة فى قيادة الأسرة، وإن لم يكن أهلًا للقوامة على نفسه فإن قوامته تسقط بالكامل.