الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

يسمعها ملايين على ساوند كلاود.. وتجهز لنشر ديوانها الأول بمصر لولو رأفت: حاولت التخفى بتسجيل نصوص الآخرين!

اسمعهن..



«روزاليوسف» تقدم مساحة حرة للتعرف على الموهوبات فى المجالات المختلفة.. نلقى الضوء على الأفكار.. التحديات.. الطموح.. نقدمهن للوسط الثقافى والفني.. من هنا تبدأ الرحلة فاسمعهن..

طوال 8 سنوات هناك صوتٌ يبدو وكأنه قادمٌ من مجهول، يسجل النصوص الأدبية على «ساوند كلاود»، حاملاً مَشاعر محمود درويش وهواجس وديع سعادة وكلمات رياض الصالح حسين والكثير من نصوص الأدب العالمى.. صوت أنثوى عذب وموسيقى هادئة وبسيطة فى الخلفية، بهذه الطريقة يقدم وجبات قصيرة وممتعة من الأدب. 

 سواء كنت متابعًا جيدًا لتلك التسجيلات أو حتى مجرد مستمع عابر لن تعرف عن صاحبة ذلك الصوت سوى أن اسمها «لولو»؛ اسمٌ ظن البعض أنه مستعار وحاول آخرون البحث عنه.

 

 الحساب الصوتى يتابعه مئات الآلاف وحقق انتشارًا واسعًا خلال الفترة الأخيرة، ولا نبالغ أن ذلك الحساب الصوتى أصبح عالمًا بمفرده يخص متابعيه ويتبادلون تراكاته فيما بينهم.. لكن السؤال لم يسقط أبدًا: مَن «لولو» التى سمعنا صوتها ولم نسمع حكايتها؟

تُعرّف «لولو» نفسَها كالتالى:

أنا لولو رأفت، كاتبة وشاعرة فلسطينية، عشت عمرى بالإمارات وهاجرت إلى كندا منذ سنتين، عمرى 30 عامًا.. أكتب منذ أن كان عمرى 9 سنوات، مررت بفترات اضطراب وانقطاع طويل عن الكتابة، لكننى اكتشفت مؤخرًا أن الكتابة أداة مهمة لأعثر على هويتى.

أنا لا أفهم شعورًا ما إلا عندما أضع له الكلمة المناسبة، وبالنسبة لى اللغة نور، والكتابة هى محاولة لخَلق النور فى مكان معتم جدًا.

وكيف بدأتِ فكرة تسجيل النصوص المختلفة على ساوند كلاود؟

- البداية كانت مجرد محاولات بسيطة جدًا فى العام 2013، كنت بمكان معزول عن الحب والتفاهم، وقتها لم أكن أشعر أن هناك من يرانى أو يشاركنى ما أحسّه، فالتسجيل جاء فى ذلك الوقت حتى أعرف أننى لست وحدى، وأن المَشاعر القاسية والصعبة التى أمُرُّ بها هناك غيرى أيضًا يمر بها.. بهذا المعنى كان تسجيلى لنصوص الكتاب محاولة لأفهم حالى والتفاوض مع مشاعرى.

 لكن لماذا لم تختارى الكتابة لمواجهة هذه المشاعر؟

- لم أكن بمكان يسمح لى أن أكتب ما أريد، وهذا جواب بأثر رجعى الآن، فأنا انقطعت عن الكتابة لسبع سنوت، وبالتالى كان أسهل لى أتخفى خلف أسماء الشعراء وأحكى بصوتهم لأنى لم أكن أملك إحساس الأمان الداخلى، الآن تغير ذلك الشعور، لكن وقتها كانت محاولات الشعراء التى أسجلها أقرب لى من محاولتى أنا.

الآن رجعت للكتابة، والأمر مختلف أننى أريد القول لكل الناس أننى عبَرت من الموت للحياة، أحب أن يكون صوتى المسجل وكتاباتى رسالة بأن العبور من الموت إلى الحياة ممكن، وأنه حتى لو الطريق عتمة ونحن عميان يمكن للصوت أن يكون دليلاً لنا، والآن بعد 8 سنوات من التسجيل أصبحت أريد القول لمن يسمعنى: أنت لست وحدك.. أقدم تجربتى وصوتى دليلاً لكل من يعانى بمفرده.

 هل توقعت عندما بدأت التسجيل أن يكون لك كل هذا الجمهور فى الوطن العربى؟

- بعد 3 سنوات من التسجيل كان تسجيل الرسالة الأخيرة للإيرانية «ريحانة جبارى»، أمرًا فارقًا بالنسبة لعدد الاستماعات، وكانت رسالة مؤثرة جدًا وصل عدد استماعتها إلى مليون ونصف الملييون تقريبًا.

لم أكن أتخيل أبدًا أن يحدث ذلك ولا أطمح إليه حتى؛ لأننى لم أهتم أبدًا بالجانب الترويجى لما أقوم به، يمكننى اعتبارها محاولات وجدانية لمست الناس، قصص ونصوص صادقة عرفت طريقها إليهم. ومحاولة لأن نعيش الحياة على قدر استطاعتنا؛ خصوصًا أننا وُلدنا وعشنا فى ظروف لم نختارها، وليس أمامنا سوى التفاوُض معها، ما أريد قوله أن استمررت فى التسجيل لأننى أحب الأدب، وهذا طريقى أنا وسأكمله.. أنا مؤمنة بأن اللغة هوية.

وعندما أبحث عن ردود فعل لمستمعين لتسجيلاتى، أجد اختلافات كبيرة، فهناك من يعجبه صوتى وهناك من تعجبه الموسيقى المصاحبة للتراكات، لكن الأهم هو اختيار النصوص هو بصمتى الواضحة فى هذا العمل.. المواضيع التى أختارها تخلق مساحة لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.

 طوال 8 سنوات كان هناك إصرار على بقائك فى الظل ولا أحد يعرف غير صوتك.. لماذا؟

- الحقيقة كان هذا أمرًا مقصودًا منّى، بسبب أننى أحب خصوصيتى ولم أتعوّد على الظهور، فضلاً عن أننى لا أحب السوشيال ميديا ويربكنى التعامل معها، لأننى لا أجد بها حياة.

لكن أظن ذلك التخفى أيضًا يرجع لفكرة انعدام الأمان التى منعتنى عن الكتابة، فأنا ما قررت الظهور بوجهى، إلاّ حين عدتُ للكتابة وملكتُ صوتى وكلمتى التى تعبّر عن دواخلى.

 ألم تفكرى فى استثمار تزايد أعداد المتابعين والإعلان عن نفسك ككاتبة؟

- لا، لم أكن أشعر أننى كاتبة بعد؛ خصوصًا أننى مررت بفترة انقطاع طويلة كما ذكرت، وبالنسبة لى أن أقول عن نفسى كاتبة وشاعرة مسئولية كبيرة، لكننى بعد عودتى للكتابة هذا العام أشعر وكأننى فهمت ما حدث بأثر رجعى، فهمت حتى نصوصى التى كتبتها قبل فترة الانقطاع، الآن أقدر أن أقدّم نفسى ككاتبة وشاعرة.

قبل ذلك كان عندى رفض للكتابة، فقدت الإيمان بالكلمة فى وقت ما، وهو ما تسبب فى انقطاعى وكانت سنينًا صعبة بالنسبة لى، وكتابة أول نص بعد سنوات الانقطاع كان بمثابة عودة للحياة وكان عنوانه «عرفت الموت» وهو موجود على قناتى.

عندما تأكدت من أن الكتابة هى هويتى قررت الظهور، أشعر أننى وجدت مساحتى الآمنة لمشاركة تصورى للحياة، وهذه مسألة مهمة، بالنسبة لى تصورى عن الحياة يأتى من خلال الكتابة والأدب.

 وهل يتأثر تسجيل النصوص الأدبية بتلك العودة؟

- لا، سأستمر بالتسجيل بالتوازى مع الكتابة، فهو أمر أحبه ولم أفعله فقط من أجل التخفى.. أنا درست الأدب الفرنسى وأعتقد أن الأدب به كثير من الأشياء تستحق القراءة والمشاركة مع الناس.. وليس عندى مشكلة أن أكون معروفة بقراءة نصوص غيرى.

 كيف تحوَّل رفض الكتابة خلال السنوت السابقة إلى اعتبارها هوية الآن؟

- يمكننى اعتبار الكتابة ككل شىء فى الحياة سلاحًا ذا حدين، ويمكن أننى كنت أمسك بالكتابة من الناحية الخاطئة، كانت فعلاً يتطلب الكثير من المواجهة وأن تعرى نفسك ومن حولك، فعل الكتابة يحتاج إلى الكثير من القوة التى ربما لم أكن أملك منها الكثير حينها، فكنت أفنيها فى المواجهات الحياتية بدلًا من الكتابة.. لكن المهم أننى رجعت للكتابة.

أحيانًا تمر بمرحلة من الحياة لا تعرف خلالها صديقك من عدوك، والكتابة كانت الشىء نفسه، لم أكن أعرف هى صديقة أمْ عدوة لأنها تجرح وتقتضى أن ترى جرحك بشكل كامل لتحكى عنه.. بهذا المعنى لم أكن جاهزة فى السابق لأن أتفحص ذلك الجرح فصارت الكتابة عدوًا، وعندما هاجرت إلى كندا كان عندى حرية أكبر فى التعبير عن حالى ووصلت للأمان الداخلى، فكشف لى الكلام عن نفسه، وأنا كنت أنتوى رؤياه… فكتبتُ.

 كـ«امرأة»، ما أهم التحديات التى واجهتك خلال رحلتك؟

- كل شىء كان يشكل تحديًا، ببساطة لأن النساء فى بعض مجتمعاتنا لا تملك حرية الاختيار بحياتها عمومًا، بداية من تخصصها الجامعى إلى أبسط الخيارات فى حياتها، وبالتالى فإن كل ذلك يشكل تحديًا.

 وكيف واجهت ذلك؟

- وجدت أن حريتى تكمن فى تحقيق استقلالية مادية، فأحيانًا يعتبر الأهل أن تكفلهم بأبنائهم هو وسيلة لأن يحملوهم مخاوفهم وأحلامهم وغيرهما، وبعدها توالت المواجهات بشكل تدريجى.. عملت بالترجمة والتحرير.. يمكننى القول إن الأدب ساعدنى كثيرًا فى قراراتى، كنت أقرأ الكثير من الروايات ما جعلتنى أمتلك رؤية مختلفة للحياة.

واخترت الدراسة جامعة السوربون بحثًا عن الأدب وعن شىء مختلف، وأصبحت أفكارى مستقلة أكثر، وقررت من وقتها أن يكون ما بداخلى مشابهًا لخارجى، أى أن أعيش حقيقتى، وأتصالح مع نفسى بشكل كامل وحقيقى.

 وما الطموح الذى ترغبين فى تحقيقه؟

- أتمنى ألا يكون الأدب مجرد كتب مرصوصة على الأرفف نفتحها لقراءة بعض المقاطع ثم نعيدها إلى مكانها مرة أخرى فقط، أطمح إلى نقل الأدب والشعر من الرف إلى القلب وأن يكون جزءًا من حياتنا اليومية، يُعبر عنا وعن تصورنا عن الحياة، تصوراتنا عن الحياة التى يمكن أن تتغير تمامًا مثلما يحمل المعجم مفردات كثيرة لمفهوم واحد، هكذا هى حياتنا، درجات متفاوتة، وبهذا المعنى نكون كلنا كتبًا مفتوحة لم تتم بعد.

على مستوى الكتابة قررت هذا العام أن أكون نشيطة أكثر وأشارك فى عدد من الفعاليات للتعرف على الناس وفى 27 نوفمبر الجارى سأكون فى ساقية الصاوى أقدّم نفسى بنص شعرى طويل بعنوان «اسمى لولو» أحكى عن نفسى وعن بيتى وأرحب بالناس، أعرّف نفسى لمن سمعنى ولم يعرف عنى أى شىء طوال الفترة الماضية، أيضًا أتحدث عن علاقتى بالأدب وأعرف الكتابة فأقول: «هى بالدقة كالتمرّن على الغرق».

 كما أستعد خلال الشهور المقبلة للانتهاء من ديوانى الأول والذى أنوى نشره فى مصر.

أخيرًا.. حدثينى عن لقائك الأول مع متابعينك؟

- شعرت أننى محظوظة بشكل كبير أن هناك من يأخذ وقتًا من حياته لكى يسمعنى، هناك من كان منهم يمر بظرف صعب أو مناسبة سعيدة ووجدوا فى تسجيلاتى البسيطة.. محظوظة بتلك الحفاوة والمحبة.