السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. أنا وكرشى.. عشرة عمر

كدهوّن!.. أنا وكرشى.. عشرة عمر

تعطلت سيارتى فجأة على المحور ونحن فى ساعة الذروة، ورفضتْ رفضًا باتًا أن تواصل السير أو حتى تتحرك أى خطوة أخرى على هذا الطريق السريع ولم تشفع توسلاتى لها بألا تضعنى فى هذا الموقف البائس ولكنها صممت على قرارها بعدم الحركة وكأن لديها ميعاد غرامى فى هذا المكان بالذات مع موتوسيكل طائش وكِدَهُوَّن. مما دفعنى لتركها تواجه مصيرها المجهول بمفردها حتى أرسل لها ونش ينقلها دون إرادتها وكِدَهُوَّن. سرت وحدى شريدًا محطم الخطوات تخيفنى لفتاتى وأنا أبحث عن أى وسيلة مواصلات بديلة تعود بى إلى حيث بدأت رحلتى مرة أخرى، تهزنى أنفاسى المتلاحقة وأنا ألهث خلف كرشى الذى خرج يستكشف الطريق بنفسه وكِدَهُوَّن.



 

اكتشفت أن الوسيلة المتاحة هنا هى الميكروباصات الخاصة، ووقفت وسط مجموعة متنوعة من زملاء الطريق أنتظر قدوم أى ميكروباص ينقذنى من هذه الورطة إلا أنى لاحظت بأن السادة السائقين تهدا من سرعتها أمامنا ثم تتوقف على بُعد عدة أمتار حتى يتفادى مخاطر الهجوم الجماعى فى نفس الوقت على العربة فيهرول الجميع خلفه على قلب رجل واحد، وكأن السائق بذلك يريد أن يشجع المصريين على ممارسة رياضة الجرى لمسافات قصيرة فى الهواء الطلق على المحور ليفوز بالمقعد صاحب الحظ السعيد والذى يتمتع بلياقة عالية وقدرة على القفز السريع تمكنه من الجرى أسرع من زملائه فى السباق بمن فيهم السيدات والآنسات على السواء، فلا مجال هنا للتفرقة بين الجنسين، فالكل متساوى أمام الميكروباص وكأن السائق دون أن يدرى يشجع المصريين على ممارسة رياضة الجرى لمسافات قصيرة فى الهواء الطلق على المحور وبالطبع لم أشاركهم هذا السباق فى بداية الأمر على أمل أن يأتى ميكروباص آخر أكثر تعقلا يقف أمامى وينتظرنى حتى أصعد بسلام مع احتفاظى بكامل وقارى وكِدَهُوَّن. وبمرور الوقت واشتداد صهد الشمس وبعد عدة محاولات فاشلة منّى للحاق بأى ميكروباص قررت أن أتحدى المَلل وأن أحفز نفسى للمشاركة فى مارثون الجرى بكل ما أمتلك من عزيمة وإرادة تعوّض الرشاقة واللياقة الغائبة منذ سنوات، فهرولت مع المهرولين خلف الميكروباص  ولم أنسى بالطبع أن أصطحب معى فى تلك الرحلة الرائعة طفلى المدلل ورفيق الأيام الحلوة كاملة الدسم كرشى العزيز وأجرى معه وسط كروش زملاء الطريق حتى نتمكن من حجز مكان مميز أو حتى غير مميز، فقد أصبح أقصى طموح لى هو الجلوس فقط والاحتماء من صهد الشمس الحارقة، وبعد مجهود مضنى وبمساعدة جادة من كرشى العزيز للحفاظ على توازنى أثناء الجرى وأيضًا لحمايتى من المتزاحمين ومنعهم من الاقتراب منّى أو التحرُّش بى وكِدَهُوَّن. وأخيرًا نجحت محاولاتى للوصل لباب الميكروباص أولًا وأسرعت بإرسال كرشى أولًا ليحجز أى مكان أمامى ثم دخلت خلفة مباشرة وسط سخط وغضب زملاء السباق من فشل فى الفوز بمقعد ثمين بعد أن امتلأت جميع المقاعد بالركاب ليعلن السائق عن بدء قيام الرحلة المتجهة إلى مدينة أكتوبر وعلى السادة الجالسين داخلها جمع الأجرة بينهم حتى يتفرغ هو للقيادة لينشغل الجميع بهذه المهمة الدقيقة والتى لا تحتمل وقوع أى خطأ فى الحساب ليرتفع بشكل تدريجى صوت سيمفونية لاهثة مكونة من مجموعة أصوات متنافرة مع حشرجة مختلفة النبرات تنطلق من لحمية السادة الركاب وفى خلفيتها تعزف على استحياء أنفاسهم متقطعة بعد سباق المائة متر جرى وقفز حواجز، فالكل يلهث ويضع يده على كرشه فى محاوله فاشلة لحثه على الهدوء والكف عن الصعود والهبوط بهذا الشكل الهستيرى دون جدوى خاصة مع قيادة السائق الجنونية على الطريق وكأنه يقود طائرة وليس ميكروباص متهالك دون أن يراعى حالة الفزع التى سيطرت على الركاب مع اهتزاز كروشهم وارتعاش أياديهم وهمهماتهم الهامسة ونظراتهم القلقة من المجهول الذى ينتظرهم مع هذا المجنون الطائر بهم إلى رحلتهم الأخيرة وكِدَهُوَّن. مع استمرار هذا العبث وتصاعد الأنفاس المختنقة داخل هذا الصندوق الطائش المغلق علينا قررت أن أحتضن كرشى وأستمع لأغانى مرحة من هاتفى المحمول وأتجاهل ما يحدث فى محاولة للاسترخاء بجوار زملائى الركاب الأعزاء وكروشهم المهتزة بعنف مع اهتزازات السيارة على الطريق السريع وكِدَهُوَّن. فوجئت بوجود سيدة على وشك الولادة تبكى فى فزع مكتوم وهى تضع يدها على حملها وكأنها تتحسس جنينها كى يطمئن ويهدأ وكِدَهُوَّن. صحتُ صارخًا محذرًا هذا السايق الأهوج من هذه السرعة الغير محسوبة مما يعرض أرواح الأبرياء وكروشهم للخطر؛ خصوصا وأن معنا سيدة حامل فى شهورها الأخيرة قد تضطر بفعل هذه السرعة الجنونية تلد قبل ميعادها ونحن غير مؤهلين للقيام بتلك المهمة ورعاية طفل وليد وكِدَهُوَّن. توقعت أن أحوذ على إعجاب الركاب وتأييدهم لموقفى الشجاع فى التصدى لهذا السائق الذى تراجع بالفعل عن سرعته واستجاب لصياحى وتهديداتى حتى كاد أن يتوقف بالسيارة على جانب الطريق حتى تتمكن تلك المرأة المسكينة أن تلد وليدها فى هدوء وسلام فأخذتنى النشوة لأواصل الصياح والتهديد إلا أنى سمعت زئير غاضب مجهول المصدر ما لبثت أن اكتشفت أن زميلتى الحامل تصرخ فى وجهى بدلاً من أن تشكرنى صرخت بأعلى صوتها قائلة: ده تنمُّر ووقاحة غير مقبولة.. فنظرت خلفى لأرى مع مَن تتحدث وتقصده بثورتها هذه قالت لى: بكلمك انت ياأستاذ أنا لا أسمح لك بأى تجاوز أو بالكلام الجارح، فذهلت وأنا أسألها بتردد: حضرتك بتكلمينى أنا يا مدام؟؟ فزاد انفعالها وهى تصرخ: احترم نفسك بقولك أنا آنسة لسّه آنسة. وهنا زاد التوتر داخل ميكروباص وتبادلنا النظرات المندهشة مع زملائى الركاب؛ خصوصًا من السيدات المحافظات ولسان حالنا يتساءل كيف لهذه الآنسة أن تحمل وأن تعلنها هكذا على الملأ بكل هذه الجرأة والوقاحة وكِدَهُوَّن. نظرتُ إلى بطنها ومعى جميع الركاب وفى عيوننا نفس الاتهام وكِدَهُوَّن. وعادت تصرخ:  أنا مش حامل ده كرشى  ومش هاسمح بأى سخرية وكل واحد يبص على كرشه. فلم أتمالك نفسى من الضحك من الموقف نفسه وليس منها هى شخصيًا وكِدَهُوَّن. وهنا مدت إحدى الزميلات رقبتها حتى كادت تنافس رقبة الزرافة وهى تنظر لى شذرًا صائحة:  إيه قلة الذوق دى؟؟ أمَّال لو كنت رشيق أوى يا أستاذ أحمد ياعز كنت عملت إيه؟!! مالحال من بعضه ولا تعايرنى ولا أعايرك الكرش طايلنى وطايلك. ثم ضحكت وضحك جميع الركاب اهتز كرشهم خاصة بعد أن واصل السائق قيادته الطائشة وكِدَهُوَّن. قررت أن أصمت إلى الأبد مع محاولاتى المستحيلة لشفط كرشى بداخلى حتى خفية عن نظرات المتطفلين إلا أنى فشلت فى السيطرة عليه وظل يرقص ببراءة الأطفال أمامى ويهتز مع اهتزازات السيارة غير مكترث بسخريتهم منه، بل لقد تجاهل وجودهم تمامًا وواصل رقصاته على أنغام أغنية عود البطل ملفوف المنبعثة من هاتفى المحمول.