الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

والدة قداسة البابا تواضروس الثانى «سامية نسيم» وتد «أسرتها» نموذج لقوة المرأة المصرية

الأمُّ المصرية هى وَتَدُ بَيْتها وأسرتها، تظهر قوتها عندما تهب رياح التجارب تحاول أن تعصف ببيتها، فتقف وتأخذ أولادَها تحت ذراعيها حتى تمر العواصف بسلام.



لا تأبَه بجراح قلبها، ولا تلتفت لما سببته العواصف بها، فقط تضع أسرتها نُصب عينيها لتصل بهم إلى بَرّ الأمان.

هى قصة من ملايين القصص التى تزخر بها البيوت المصرية، قصة كفاح أمّ ثكلى قاست كل الآلام التى تتخيلها، وعبَرت منها قوية لتعطى مثالاً فى الصبر والتحمل والرضا والشكر.

إنها قصة «سامية نسيم إسطفانوس» والدة قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذى تحتفل الكنيسة المصرية بعيد ميلاده يوم الرابع من الشهر الحالى، والذى وافق تاريخ اختياره بطريركًا فى عام 2012.

سامية نسيم فتاة مصرية من المنصورة، أصغر إخوتها الذين كانوا جميعهم من الذكور، ومع هذا أثبتت الحياة أنها لم تكن مُدللة؛ بل كانت قوية جدًا.

تلقت «سامية» التعليمَ الأولى فى دير القديسة دميانة، وتزوجت من صبحى باقى، القاهرى الذى كان يعمل مهندس مساحة، وكان هو الأخ الأكبر لإخوته.

وأنجبت ثلاثة أولاد أكبرهم هو «وجيه»، الذى اعتلى سُدّة الكرسى المرقسى فيما بعد.

وتنقلت الأسرة فى المعيشة ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهور والإسكندرية إلى أن استقروا أخيرًا بدمنهور.

وكانت «سامية» هى سَنَد وعماد الأسرة، فلم تتذمر من كثرة الترحال؛ بل كانت تساعد أولادَها ليتأقلموا سريعًا فى مدارسهم واختلاف بيئتهم.

وكانت بداية المحن والمصاعب التى واجهتها يوم 3 يونيو 1967؛ حيث توفى زوجها بقرحة فى المعدة تاركًا وراءه ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 15 عامًا وأصغرهم طفلة تبلغ 4 أعوام فقط.

وكان ذلك صباح أول يوم امتحان الإعدادية للفتى «وجيه»؛ حيث قامت أمُّه بإخفاء خبر رحيل والده عنه حتى يستطيع التركيز فى امتحاناته ليجتازها بتفوُّق رُغْمَ الظروف الصعبة التى تواجه الأسرة.

بعد رحيل الأب أصبحت الأمُّ بمثابة الأب والأم معًا لأولادها، تسهر على راحتهم ورعايتهم وتربيتهم حتى تخرَّج «وجيه» فى كلية الصيدلة، و«هدى» التى تصغر وجيه بثلاث سنوات تعمل مهندسة بشركة الكهرباء، والمهندسة «إيمان» الابنة الصغرى للأسرة. وكانت «سامية» تفعل كل ما بوسعها لإسعادهم، وكانت تقف خلفهم فى مشوار حياتهم الذى لم يكن سهلًا بالمَرّة، فكانت ثانى محنة واجهت الأسرة هى وفاة زوج الابنة الكبرى، وذلك بعد زفافها بشهرين؛ حيث توفى فى حادثة بشكل صعب تاركًا وراءه زوجة شابة لم تكن تعى أنها حامل إلا بعد الحادثة، والتى ظلت تعانى منها كثيرًا.

فكانت «سامية» السَند والعون لابنتها ولحفيدها الذى لم يَرَ والدَه أبدًا.

وفى عام 1986 قرر ابنُها الوحيد «وجيه» ترك العالم بما فيه ليترهبن فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، فكانت التجربة القاسية على أى أمّ؛ خصوصًا تلك التى فقدت زوجها وكانت تأمل أن ترى امتداد اسمه فى أبناء ابنها والذى كانت تأمل أن تراهم وهم يحملون اسم زوجها واسم قرة عينيها كبير عائلتها الصغيرة بعد رحيل الأب.

إلا أن الله أراد أن يفرح قلبها وتم اختياره أسقفًا عامًّا وكان مساعدًا لأبيهم الروحى الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية، ومنذ اختياره أسقفًا كانت تعيش مع ابنها فى دير الكرمة بالإسكندرية؛ حيث كانت تخدم بكل قلبها، وكانت لها جذور قوية فى خدمة إخوة الرَّب وكثير من الخدمات مثلما عودت أبناءها، وكانت تشتهر ببشاشة وجهها على عكس ما تعانيه فى قلبها.

إلا أن عواصف الحياة أبَت أن تتركها فى سلام فكانت الطعنة القاسية فى عام 2009؛ حيث توفيت ابنتها الصغرى «إيمان» بعد صراع كبير مع السرطان، وهى التجربة التى هزت أركان هذه الأسرة الصغيرة، فإيمان هى الطفلة الصغيرة التى تركها والدُها ولم تعرفه أبدًا، ولكنها عرفت «وجيه» أبًا وأخًا لها، سَندها وأمانها وهى الطفلة التى لم تَرَ والدَها، فتفانت أمُّها لتنقل لها مشاعر وإحساس أب لم تعرفه يومًا، إلا أنها ظلت متماسكة لأجل أحفادها «مريم ويوسف» ابنَىْ إيمان التى أصبح اسمها هو الاختبار الحقيقى لهم وكانوا جميعًا متمسكين بالإيمان واليقين بعوض الله لهم.

وجاء عام 2012 ليزف إليها اعتلاء ابنها سُدة الكرسى المرقسى، وذلك فى ذكرى ميلاده لتكلل رحلة صبرها ولو بفرح بسيط يعوضها عن بعض من آلام قلبها إلى أن تركتهم ليكملوا رحلة الحياة بعدها بعامين؛ حيث توفيت فى شهر مارس عام 2014، ولكن تركت لهم إرثًا كبيرًا أيضًا من التعاليم الحياتية التى يسيرون عليها حتى الآن.

ويتحدث البابا تواضروس عن دورها فى حياته الروحية قائلًا: إنها زرعت به حُبَّه للكنيسة عن طريق حُبّها للكنيسة والمواظبة على الاجتماعات الروحية، مؤكدًا أنه ورث حبَّها للكنيسة بشكل تلقائى، وهو ما شجعه للحضور للكنيسة أسبوعيًا.

وكان حضور الاجتماعات فى كنيسة الملاك ميخائيل بدمنهور الأولوية فى حياته.. ويلخص البابا هذا الدور قائلاً: «أمّى كان لها التأثير الأكبر فى حياتى الروحية».

يقول البابا عن والدته الراحلة: «والدتى كانت الابنة الصغرى والوحيدة لستة أشقاء من البنين، فكانت هى «بونبوناية» الأسرة كلها، ولأنها تربّت وسط أولاد، فكانت لديها القدرة العالية جدًا على تحمُّل ظروف الحياة، تعلمت والدتى فى مدرسة دير القديسة دميانة، وتزوجت فى سنّ مبكرة كطبيعة الأسر آنذاك، عاشت وتحمَّلت بعض آلام الزمن من فقدان الأحباء بداية من والدى الذى تَنَقّل من المنصورة وسوهاج ودمنهور».

ويشير إلى أن أهم صفة فيها أنها «كانت مربية من الطراز الأول، لدى شقيقتان أصغر منّى، وكان لنا شقيقة أكبر وتوفيت فى سن مبكرة جدًا.

أمّى كانت مُربية تعرف كيف تُعلمُ الابنَ إذا كان صغيرًا أو كبيرًا، كيف تُفرح أبناءَها، فكانت أمُّنا بارعة فى إعداد الطعام الصيامى؛ وبخاصة الحلوَى والمخبوزات».

ويضيف قائلاً: «كانت والدتى تتفنّن فى عمل الحلوَى، وكنا عندما نعود من المدرسة ونمد أيدينا للحلوَى، كانت تنهرنا وتطلب الانتظار حتى عودة والدنا.

وكانت هناك أطعمة معينة تقوم بإعدادها فى فترة الامتحانات؛ لأننا كنا نحبها».

ويؤكد قائلاً: «أمُّنا كانت مشجعة للغاية على الارتباط بالكنيسة بصورة بالغة، عندما كان يأتى أحدٌ لتفقدنا بالمنزل كانت تقومw بإعداد المنزل بشكل غير عادى؛ لأن «أبونا» فلان جاى يزورنا، وهذه المناسبات غير عادية».

وسيرة «سامية نسيم» شهد لها الجميع؛ حيث ألقى الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، كلمة عزاء خلال صلاة جنازتها تلخص مَعزّتها فى قلوب كل من عرفوها، فقال عنها: «أم مباركة عاشت بيننا زمانًا وكنا نرى فيها فضائل كثيرة وإن كان يعز علينا الرحيل إﻻ إننا نتعزّى فى رحيلها بأمور كثيرة أهمها السيرة العطرة التى تركتها؛ حيث عاشت بيننا عشرات السنين نموذجًا لأمّ مباركة تبعث فى كل من يتعامل معها روحًا جديدًا وفكرًا جديدًا وسلوكًا مباركًا.

لقد تعرَّفنا عليها منذ أن خدمنا فى إيبارشيتنا المباركة وكنا نرى فى شبابها أمًّا لها روح الأمومة الحقيقية، عرفنا أنها ترمّلت فى سن مبكرة، ولكن هذا الترمل جعلها تعطى كل طاقتها وكل حبّها للكنيسة فربّت أوﻻدها تربية كنسية حقيقية بقدر ما أذكر».

وأضاف قائلاً: «ﻻ أذكر أنى فى مرّة ذهبت للكنيسة التى تخدم فيها ولا أراها، وكان ما يفرحنى أنها وأوﻻدها ينتمون إلى الكنيسة بكل جوارحهم، فكانت عائلة تمثل كنيسة حقيقية، الأمُّ ترعى أبناءَها تُنسيهم ألمَ فراق الأب وينسحقون فى خدمة الكنيسة، فكنا عندما نذهب إلى الكنيسة وأرى نشاطًا أسأل مَن صنع هذا» يقولون طنط «سامية»، والخدمة الفلانية مين ماسكها؟ يقولون طنط «سامية»، ولم أكن أعلم أن هذا الاسم المبارك سوف ينجب مَن يكون خليفة للقديس مارمرقس كاروز ديارنا».

وأشاد بها قائلاً: «تمتعت أمُّنا الراحلة بأنها جعلت بيتَها كنيسة حقيقية، لذلك أذكر فى إحدى السنين أن كان الآباء الكهنة والخدام الذين يُعدُّون للاحتفال بعيد الأسرة، وكانت طنط «سامية» هى الأمّ المثالية لإحدى السنين، ولم يكن ذلك من أجل تزكية مجاملة؛ ولكن كان اتفاقًا بين الآباء الكهنة والخدام على هذا الأمر، ولم نكن نعلم أن الأم المثالية سوف تنجب مَن يقود الكنيسة فى يوم من الأيام».

وأضاف: «إننا كنا نراها فى أنشطة الكنيسة المختلفة فعّالة فى وداعة وأيضًا فى قوة شخصية تقود ونحن نعلم أن خدمة الشباب تحتاج إلى قوة شخصية وتحتاج إلى قوة قيادة، فكانت فيما هى تقود اجتماعات شابات كثيرة كانت ناجحة، وإلى هذا اليوم الشابات اللاتى تربين على أيديها فى الكنسية مشهود لهن وكثير منهن يخدمن».

وأكد قائلاً: «رأينا فى الأمّ الراحلة مَحبة الكنيسة فى طقسها وإيمانها، فكنا نراها تشترك فى تسابيح ليالى كيهك وأيضًا فى الخدمات التى ترتبط بالنهضات؛ حيث كان لها طابع الخدمة الروحية التى تؤثر فى قلوب كثيرة، كنا نرى أمَّنا الراحلة مُحبة لخدمة إخوة الرَّب الأصاغر، وكانت رائدة فى هذا الميدان، واستطاعت أن تقدم هذه الخدمة فى الأحياء الفقيرة وكان بتلقائية تفرح أن تخدم أبناء الكنيسة فى آﻻمهم، ولقد أثمرت كل أبنائها فى سلوك روحى جيد رُغْمَ أن الرَّب سمح بأن يختار الوالد، وكان الأطفال الثلاثة ﻻ يزالون فى سن الطفولة، لكن استطاعت بمحبتها لأبنائها المحبة الروحية أن تقودهم قيادة حكيمة وأمينة، فالأبناء الثلاثة كل من يتعامل معهم يرى نموذجًا لأبناء الأسرة المسيحية النقية الذين يعكفون على حياة الصلاة والتسبيح والخدمة وكانت لهم رائحة زكية فى سلوكهم».

واختتم قائلاً: «يعوزنا الوقت لو تَحدثنا عن البساطة التى تجمع بين البساطة والحكمة، يعوزنا الوقت لو تَحدثنا عن قيادة أسرة صغيرة فى ظروف فيها شىء من الألم، يعوزنا الوقت لو تَحدثنا عن الأسرة الخادمة، يعوزنا الوقت لو تَحدثنا عن الأبناء الذين يتربون فى حضن الأم ﻻ يحسون بالعوز وﻻ يشعرون بآﻻم اليتم، ولكن نعمة الرب شملتهم، وكانت الأم الراحلة خير أمّ نعتز بها، ونرى أننا عندما نتحدث عن هذه الأمّ المباركة هو إلزام كتابى، عندما نتذكر أنه ينبغى أن يكرز بهذا حيثما يكرز بالإنجيل يكرز بهذه المرأة وما صنعته تذكارًا لها، فنحن اليوم نؤمن أنها ضرورة إنجيلية أن نتذكر ما صنعته هذه الأم وما فعلته وما تركت من أثر كبير العالم كله يتحدث بها، إنها صنعت شيئًا ينبغى أن يكرز به بالإنجيل فى كل مكان يتحدث العالم عنه. يعوزنا الوقت يا أحبائى أن نتحدث عن فضائل هذه الأم، فاحتمالها للألم لأنها عانت من آﻻم كثيرة للمرض فى أيامها، نتحدث عن حكمتها فى مواجهة بعض مشكلات فى الكنيسة، نتحدث عن تربية الأبناء تربية مسيحية، نتحدث عن روح التعزية التى لمسناها فيها التى عندما انتقلت ابنتها الصغيرة الأخت «إيمان» من عدة سنوات وكيف أنها احتضنت أبناءَها الصغار وهم الآن فى مرحلة شباب يذكرون ما صنعته معهم، نتذكر فضائلها التى انطبعت على أبنائها وأحفادها وتركت للكنيسة تراثًا حيثما يكرز بالإنجيل نتذكر ما صنعته تذكارًا لها».