الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سارة تتسلق قمة الجبل بجسدها الصعيدى! "الحكاية السادسة"

على صفحات المَجَلّة التى شهدت معاركه وتجربتَه الفريدة، نستعيد مع الأستاذ «عادل حمودة» أحدَ أهَمّ تحقيقاته الصحفية «ستيك هاوس.. شخصيات لامعة فى زنزانة الجنس الانفرادى».



هنا تصبح الكلماتُ بساطًا سحريًا ينقلك لتعرف الكثيرَ من الخبايا خلف الأبواب المغلقة، والبيوت التى ربما نَمُرّ أمامَها كل يوم لكن لا نعرف أىَّ شىء عمّا يدور بداخلها، يغزل بحكاياته الوجه الآخر لمشاهير وصعاليق.. فنانين وكُتّاب.

استطاع بحسّه الصحفى الذى لم يغادره أبدًا أن يغوص بنا فى أعماق وتفاصيل مجتمع «الشخصيات اللامعة»؛ ليظهر لنا جوانب حياتهم التى جاهدوا لبقائها بعيدة عن الأضواء. ينتقل الأستاذ «عادل» من دراسة أسباب انتشار ظاهرة «زنَى المَحارم» فى العشوائيات وقتها، إلى قصر أحد الدعاة الذى تورّط فى علاقة مُحرّمة مع شقيقة زوجته.

أيضًا تكشف حكايات الكتاب الكثيرَ من التناقضات فى المجتمع وقتها فيما يخص علاقتنا بالدِّين؛ حيث يكشف تفاصيل قضية رشوة تورّطت فيها مهندسة مع مقاول شهير، ودخلت معه فى علاقة جنسية «لكنها لشدة تدَيُّنها كانت ترفض أن تلقاه يومَىْ الاثنين والخميس لأنها تصومهما»!

بين العشوائيات والقصور، نتعرّف خلال الحلقات المنشورة على حكايات لم نعلم عنها شيئًا.. حكايات مدهشة رُغْمَ مرور سنوات عليها.. وتفاصيل تؤكد أن فنون العمل الصحفى لا يزال لها بريقُها الخاص وأهميتُها فى رصْد ظواهر المجتمع بشكل محترف حتى فى زمن السوشيال ميديا.. 

لا أعرف لِمَ توصف الدعارة بأنها أقدَم مهنة فى التاريخ؟ بل لا أصدّق ذلك، فالجنس فى العصور السحيقة كان سباقًا شرسًا بين أشد الرجال ذكورة على أكثر النساء أنوثة، الفوز كان للأقوَى وليس للأغنَى.

فى ذلك الوقت البكر من الزمن كانت المرأة تريد رجلًا لا بَنكًا، وكانت وحدها صاحبة القرار، وحدها تختار شريكها، وحدها تقرّبه أو تطرده، أو تترك منافسه للإجهاز عليه طلبًا لرضاها. منحتها الأنوثة سُلطة سياسية من نوع خاص جدًا فقدتها تدريجيًا يومًا بعد يوم حتى أصبحت المَلكةُ جاريةً أو عاهرةً.

وفى مرحلة ما دخل المال منافسًا للفحولة، وكثيرًا ما انتصر عليها، فى تلك اللحظة بدأ تاريخ الدعارة.

وتجمع كل القوانين فى مختلف دول العالم على أن الدعارة: ممارسة الجنس بلا تمييز مقابل جَعْل مادى ولو كان رغيفَ خبز أو ثمرة برتقال أو كارت توصية.

وفى كثير من المَذاهب الدينية تحظى الدعارة بالقداسة، تأتى الفتاة التى نذرت نفسَها لخدمة الإله إلى باب المَعبَد، يلقى إليها رجل عابر لا تعرفه بقطعة نقود، تمارس الجنسَ معه دون تردد حتى تشعر بالاشمئزاز منه فلا تفكر فى الجنس بعد أن تصبح من «بنات الرَّب» وإن عُدن أحيانًا إلى الدنيا ليصبحن من «بنات الهوَى».

وتقبل طوائف شيعية ببركة الشيخ «السَّيِّد» التى يمنحها لجسد امرأة يدخل بيتها ولو كان غريبًا عن مدينتها، ينام فى فراشها عاريًا، مطمئنًا ويتولى الزوج تجهيز العَشاء بعد أن ينهى صلاته وتلاوة أوراده وأدعيته!.

واخترعت جماعات سُنية أنواعًا من الزواج (مسيار وفريندز وعُرفى) غالبًا ما تنتهى فى دول متشددة إلى قضايا زنَى تُحسَم بالرَّجْم.

ونالت كثيرٌ من أجهزة المخابرات فتاوَى شرعية من مختلف رجال الدين تبيح لها استخدام الجنس دون قيود ما دام فى خدمة الأمن القومى، ويحق لضباطها ممارسة الرذيلة لو ساهمت فى نجاح عملياتهم الميدانية.

أمّا الفتيات المجندات فيخضعن لبرامج نفسية تمسح من عقولهن الخجل والعيب والحرام لينفذن ما يُطلب منهن ولو كان مشينًا، أجسادهن بناها الوطن، ومن حقه التحكم فيها، وكانت النظم الشيوعية أول من فرض ذلك النوع من التأميم.

لكنَّ كثيرًا من الدول أراحت أعصابَها من ذلك التحايل وأباحت الدعارة ضمانًا لخلو العاهرات من الأمراض السّرّيّة، ولزيادة دخلها بضريبة مضمونة يسهل تحصيلها، والأهم تخفف من ضغوط الشباب عليها وإلهائهم بعيدًا عن السياسة والمعارضة.

على أن تلك الدول حرصت على عزل مناطق الدعارة فى أحياء بعينها، حى بيجال فى باريس، حى رد لايت فى أمستردام، ضاحية شتايندام فى هامبورج، وميدان تقاسيم فى إسطنبول، ووش البركة وكلوت بك فى مصر سابقًا.

ولعلها سُخرية بلا حدود أن ينتهى اسم الطبيب الفرنسى أنطوان براثيليمى كلوت مؤسّس الخدمات الصحية فى الجيش المصرى إلى اسم حى مشبوه.

وتزداد السُّخريةُ سُخريةً عندما جندت منظمات سياسية عاهرات ساهمن فى مقاومة الاحتلال البريطانى خلال سنوات وجوده فى مصر.

ولعقود طويلة سيطرت على تلك الأحياء مافيا متخصصة، تختار الفتيات، تدرب القوادين، تساوم الزبائن، ترشو الشرطة، وتقتل من يخرج عن سيطرتها، رذيلة تنتهى فى كثير من الأحيان إلى جريمة.

لكن فى العقود الأخيرة دخل «الكار» مستثمرون كبار يساهمون فى شركات متعددة الجنسيات، حوّلوا الدعارة إلى صناعة ثقيلة، منظمة، تنافس صناعة السلاح وتجارة المخدرات، شركات قابضة تسيطر على علب الليل وكازينوهات القمار وعروض الاستربتيز وتوصل خدماتها «هوم ديلڤرى» لمن يشاء دون خجل أو مواربة.

فى شوارع مدينة «لاس فيجاس» تطارد المارة إعلانات الدعارة فى كل مكان، على سيارات التاكسى، على لافتات الشوارع المضاءة بالنيون، وعلى كروت صغيرة يوزعها شباب يعترضون الطريق، مطبوع عليها صور فتيات فى أوضاع مثيرة وتحتها أرقام التليفونات، وفى شهور الكساد يزيد الإغراءُ بتخفيض الأسعار، أو يمنح الزبون ثلاث مرّات بثمَن مرتين!. وفى أوروبا حوّلت المافيا الجديدة بيوت الدعارة العفنة إلى قصور مترفة، جمعوا أجمل الفتيات من مختلف البلاد والألوان والأجساد، وحددوا «منيو» للمتعة حسب رغبة الزبون مَهما بلغت درجة انحرافه أو شذوذه، كل ما يصل إليه خيال مريض متوافر، لكن عليه أن يكون جاهزًا بالثمَن المطلوب.

بدأ ذلك التحول قوادٌ ألمانى اسمه برتيد، أنشأ عام ألفين فى ضاحية ليثينتبزبرج على أطراف مدينة بون نادى «فراى كوبر كولتر» أو نادى «ثقافة الجسد الحُر»، فى قبو مكيف قدّم جميع الخدمات الجنسية مقابل ثمَن مرتفع لا يَقدر عليه عادة سوى رجال الأعمال والسياح الأثرياء.

وأنشئت نوادٍ أخرى مشابهة فى أوتشن وكولوچين وبرلين وشتوتجارت للدعارة الراقية؛ حيث يدفع الزبون رَسمًا للدخول، نحو ألف جنيه، مقابل مشروب واحد يتناوله فى صالة تقف النساء فيها عاريات تمامًا تحت إضاءة ساطعة ليُفحصهن قبل اختيار من تعجبه، وغالبًا ما يرشو  البارمان حتى يرشح له الأفضل، ويتحدد السعر حسب الطلب، امرأة، امرأتين، ثلاثًا، ساعة، ساعتين، سونا، تدليك، كل شىء له ثمَن.

وفى برلين بالتحديد بيوت دعارة لمستخدمى الكراسى المتحركة أشهرهم ريد فيلفيت، كأننا أمام حق دستورى، لا يحرم منه أحد.

والفتيات اللاتى يعملن فى تلك النوادى يوقعن على عقود تخضع لقانون العمل بما فيه من مميزات وأعباء، وهن يحصلن على ربع ما يدفع الزبائن، وإن تمتعن بسكن مناسب، وسيارة متوسطة، وتسدد عنهن الضرائب.

وكثيرًا من الفتيات روسيات وأوكرانيات، وبولنديات، ومجريات وإثيوبيات وكورديات يجدن الحديث ويتمتعن بخفة ظل تجعل الزبون مستمرًا معهن مدة أطول ليدفع ثمنًا أعلى، وبعضهن تخرّجن فى الجامعات، ولكن وجدن أن ما تكسبه الطبيبة فى سَنة تحصل عليه العاهرة فى شهر، ولو كانت هناك جنسيات من مختلف دول العالم فلِمَ نفاجأ بأن تكون بينهن مصريات؟!

فى نادى «آنى بورشو» المواجه لمحطة القطارات فى برلين تحظى فتاة مصرية بأعلى طلب عليها مما جعلها الأغلى سعرًا فى واحد من أكثر الأماكن تميزًا فى عالم الليل. رشيقة، تمتلك جسدًا مرنًا، كأنه يخلو من العظام، يجعلها تضع ساقيها على كتفيها، أو تعض قدميها بأسنانها، وبقدرتها الفائقة على تحويل الفراش إلى ملعب «جمباز» أطلقوا عليها «الأفعى الساحرة».

بشرتها بيضاء إلى حد يسمح لها بإنكار أصلها الصعيدى الذى يجنح غالبًا نحو السمرة، ويستطيع من يتابعها وهى تشرب أن يرى الماء وهو ينساب تحت جلدها الشفاف، وتزيد المعجزة بوجود عين سوداء فى لون الليل حالك الظلام، والأخرى خضراء فى لون البرسيم المغسول بالندَى، وتتفتح الشفتان وكأنهما قرصهما عُش دبابير.

ويمكن القول إنها متوسطة الجمال، لكنها متفجرة الأنوثة، شعرها خشن ولكن جسدها ناعم، ولعل تعدد لغاتها الألمانية والإنجليزية والعربية والفرنسية جعلها عاهرة متعددة الجنسيات، يحجزونها بالاسم؛ بل يتعمد بعض زبائنها إلى تغيير خريطة رحلته ليمر على برلين من أجل قضاء ساعة معها ولكن عليه أن يحجزها قبل شهور، ورفع ذلك سعرها، وبعد أن كان حسابها بالساعة أصبح بالدقيقة.

لكنها فى الحقيقة لم تلفت نظرى عندما رأيتها أول مرّة.

كنت فى «برلينر كافيه» أتناول وجبة طعام خفيفة وقت الغداء مع صحفية ألمانية متخصصة فى الشئون العربية، عندما وجدنا على الرصيف الآخر مجموعة من الفتيات يرتدين ثياب راهبات، يرفعن لافتات تطالب بتخفيض الضرائب على العاهرات وإلا دخلن الدير وتبن عن الرذيلة ودمرن ملايين الوظائف التى تعتمد عليهن وتضخ الكثير من المال فى شرايين الاقتصاد.

توقفت عن الطعام وأشعلت سيجارة ورحت أتأمل المشهد الذى أمامى دون أن أفصح لضيفتى حنة فرانك عمّا جال فى رأسى من تداعيات سياسية لما نشاهد، ولكنها أعادتنى إلى الواقع بقولها:

«تلك الفتاة مصرية من جنوب بلادكم اسمها سارة القللى تعمل فى الدعارة ولكنها ناشطة حقوقية تدعم قضايا المرأة والاضطهاد الدينى وزواج المثليين والاعتراف بالمتحولين جنسيًا وتتبرع من مالها لمساعدة أطفال إفريقيا، إنها نجمة على صفحاتنا، ولو شئت أرسلت لك ملفها الصحفى فى أرشيفنا».

وبالطبع لم أرفض؛ بل ضغطت للحصول على نسخة من ملفها فى أسرع وقت، شعرت بحاستى الصحفية أننى أمام قصة مثيرة، وربما لا نجد شبيهًا لها.

مساء اليوم التالى جاءنى بالملف محرر شاب من أصل مغربى مهمته الصحفية متابعة علب الليل ويعرف سارة القللى جيدًا؛ بل وعرض عليّ تحديد موعد معها لمعرفة المزيد عنها.

لضيق وقتى طلبت منه ترجمة وتلخيص أهم ما فى الملف والابتعاد عن التكرار واتفقنا على أن أدفع له ألف يورو على أن يسلمنى التقرير فى يومين.

كنت أقيم فى فندق ريتز كارلتون على الخط الفاصل بين برلين الشرقية وبرلين الغربية بعد إزالة السور بينهما، ورُغْمَ أن جدولى مشحون بمقابلات سياسية ووزارية وصحفية وحزبية ونيابية وأكاديمية تحتاج منّى التحضير فإننى وجدت نفسى مشغولًا بسارة القللى أكثر. وما إن جاء تقرير مصطفى أخشيشين عنها حتى حملته معى لقراءته كلما سنحت الفرصة لذلك.

عمرها يزيد قليلًا على ثلاثين عامًا، صرحت بأنها سوف تجمد بويضاتها عشر سنوات حتى تجد رجلًا مناسبًا تنجب منه.

> أول القصيدة صدمة وجرأة

وُلدت فى إحدى قرى سوهاج، أبوها عمدتها، أمّها زوجته الثالثة سكندرية، جدتها يونانية كانت منجمًا من السحر ورثته عنها حفيدتها، وغيّر مصيرها، فى سنوات المراهقة، انفجرت أنوثتها، شعر أبوها بالقلق خوفًا من تورطها فى علاقة تسبب فضيحة تسقط هيبته وتحط من شأنه فى مجتمع المحافظ الصارم، أرسلها إلى القاهرة لتكمل تعليمها فى مدرسة داخلية على أن يشرف عليها شقيقه المقيم فى حى الزمالك وتقضى عنده فى نهاية الأسبوع على أن تعود إلى الصعيد فى الصيف.

المَدرسة منضبطة فى الصباح، تعليمها متطور، تضع مناهجها وتشرف على امتحاناتها جامعة أكسفورد فى بريطانيا، ولكن فى الليل حين تغلق حجرات السكن على الفتيات يتحولن من ملائكة إلى شياطين.

الشيطان ليس ذلك المخلوق البشع الذى نصوره بذيل وقرون وجلد خشن وعيون حمراء تطلق شرارًا وحوافر ماعز ويمسك فى يده حربة متعددة السنون ليسقط بها أكثر من ضحية فى رمية واحدة، لو كان الشيطان فى تلك الهيئة البشعة لما نجح فى غواية أحد، فلما إن يظهر لنا على هذا النحو حتى نكشفه ونستعيذ بالله منه فيحترق ويختفى حسب ثقافتنا السينمائية وحكاياتنا الشعبية، الشيطان حتى يحرّض على الرذيلة يظهر فى صورة امرأة مثيرة، يلعب بخيالنا وهو يحرضنا على إدمان المخدرات، يبرر السرقة حتى نمد أيدينا إلى مال حرام.

كان الشيطان الذى أغوَى سارة القللى زميلتها فى الغرفة مها الطويل، أمّها مطلقة، على حل شعرها كما نقول، عائلتها شديدة الثراء، تخلصت من ابنتها بإبعادها فى المدرسة الداخلية رُغم أنها على بُعد أمتار من بيتها، وضعت تحت تصرفها من المال ما أفسد البنت؛ بل أفسد كل من حولها.

كانت حجرة مها الطويل مخزنًا للسجائر والخمر والماريجوانا والمجلات الجنسية التى تشرح المتعة الذاتية وتحرّض الفتيات على ممارسة الجنس معًا حماية لعذريتهن لينجين من الحساب والعقاب الذى يفرضه المجتمع لو فقدن ذلك الغشاء الرقيق للبكارة.

تحت تأثير الخمر والمخدر تبادلت سارة ومها دور الرجل فى فراشهما، طمأنت العلاقة سارة على عذريتها، ولم تعترض الفنادق من وجودهما معًا فى غرفة واحدة، كما لا تعترض على وجود رجل ورجل وإنما تعترض على وجود رجل وامرأة، ولكن تلك الحياة التى تورطت فيها جعلتها تتأخر فى نهاية دراستها الثانوية مما يهدد استمرارها فى القاهرة، وتجبرها على العودة إلى القرية التى لم تعد تحتمل رتابة الحياة فيها، ولم تجد مفرًا من تنفيذ نصيحة مها، ووضعت خطة لإغواء مدير شئون الطالبات فى إدارة المدرسة؛ لينفّذ لها ما تريد.

رجل تجاوز الخمسين، مهمل فى ثيابه، يمشى منحنيًا، سيطر الشعر الأبيض على رأسه، يبدو أكبر من سنّه، ومن طول سهره فى مكتبه تتصور أنه وحيد، ليس فى بيته ونيس يتحمس للعودة إليه.

كان صيدًا سهلًا، ما إن ضغطت على يده وهى تصافحه حتى احمر وجهه، وما إن لامست بصدرها صدره حتى سارع بالجلوس فى مقعده والعَرق يتصبب من وجهه، وحتى تجهز عليه تحسّست فخذه، وهو يقف ليودعها قبل أن تعطيه ظهرها لينظر إليها وهى تتميل أمامه بجسدها الذى يثير الخيال إلى حد الحمى.

فى أيام قليلة تغيرت صورة محمود أفندى الدهشان تمامًا، حلق لحيته، صبغ شعره، ارتدى ثيابًا فاقعة الألوان، وعرفت الابتسامة طريقها إلى شفتيه، بعد زمن من الخصام وأدركت سارة أنها سر المعجزة التى غيرته فلم تتردد فى الإجهاز على ما تبقى من مقاومته، تركت شفتيها بين شفتيه لينال من رحيقهما ما يريد، وسمحت له بالمزيد، ونجحت بسهولة فى إسكات رغبته المكبوتة سنوات طوال.

بالانقلاب الحاد الذى أصاب الرجل لم يكن من الصعب على سارة أن تقنعه بتزوير ما تريد من أوراق وشهادات أرسلتها إلى أبيها فأحس بالفخر وراح يتخيل مستقبل ابنته، طبيبة، صحفية، مديرة، وزيرة.

وقّع نيابة عن مديرة المَدرسة خطابًا إلى والدها يفيد بأنها يجب أن تقضى الصيف فى القاهرة لتدرس المواد التى تؤهلها لدخول الجامعة الأمريكية، أرادت بعض الوقت تبحث فيه عن خطوتها القادمة بعد أن قررت عدم العودة إلى القرية.

ابتلع الأبُ الطعمَ، واطمأن لوجودها فى بيت شقيقه، وأرسل إليها ما تحتاج من نقود، ولكن النقود وحدها لم تمنحها حريتها، كانت قيود عمّها صارمة، لم تسمح لها بالسهر، أو النوم فى فيللا مها الطويل، أو حتى الخروج من البيت بعد العشاء.

والأهم أنه أصر على معرفة المناهج التى تدرسها، وعندما عجزت عن الإجابة ذهب بنفسه إلى المَدرسة ليكتشف الحقيقة.

قرر الأبُ إعادتها فورًا إلى الصعيد، واصطحبها عمّها إلى محطة القطارات وأدخلها عربة الدرجة الأولى وجلس بجانبها، وأمسك بجريدته وراح يقرأ فيها، وطلبت منه قضاء حاجتها، وهز رأسه موافقًا، ولم يكن من الصعب استنتاج أنها ستهرب منه.

إنها القاهرة التى وصفها يوسف إدريس بالنّدّاهة، ذلك الكائن الخرافى الذى لا يستطيع أحد مقاومة ندائها الساحر دون أن يعرف ما ستفعل به، القاهرة، العابدة، العاهرة، المتمردة، المستسلمة، المتحركة الساكنة، الرحيمة القاسية، هنا لا أحد يحكم على أحد، هنا القرش هو السيد القوى المسيطر مَهما كانت سوابق صاحبه.

أخذت سارة طريقها إلى بيت مها فى جاردن سيتى، هناك صبغت شعرها، وغيرت لون عينيها بعدسات لاصقة، وقصت شعرها، ووضعت فوق رأسها قبعة، تنكرت بقدر ما تستطيع حتى تضلل رجال أبيها الذين بالقطع سيرسلهم لقتلها أو على الأقل لخطفها. لكن التنكر لم يفلح، فقد زوّد الأبُ رجاله بمعلومات سبق أن عرفها عن بيت عائلة الطويل، وذات صباح تربّص بها واحد منهم وهى خارجة من البيت وأطلق عليها النار، لكنها لم تُصَب، وعادت إلى البيت مستغيثة بأهله، عاجزة عن الإمساك بأعصابها، وقبض على الجانى، ولكنها لم تورط أباها فى القضية.

فى الليلة نفسها عرض عليها كريم شقيق مها الزواج والسفر معه إلى ألمانيا لتعمل معه فى الشركة التى يملكها ويديرها هناك، لكنها اعتذرت عن الزواج، وقبلت السفر والعمل، إنه شاب وسيم، يحمل الدكتوراه فى تكنولوچيا المعلومات، مثقف، يهوَى كتابة الخواطر العاطفية، إلا أنها لم تحبه، تأنس إليه، نعم، تطمئن لصحبته، نعم، تنام معه فى فراش واحد، كلا.

إن دماءها الصعيدية التى تجرى فى عروقها جعلت منها شخصية عنيدة لا تقبل ما يفرض عليها ولو كان سينقذها من الغرق، لا تستسلم لأمر واقع ولو لم يكن أمامها منفذ غيره للنجاة، لا تجبر نفسَها على شىء، ولو كان فيه سر الحياة.

فى برلين شعرتْ أنها شخصية أخرى، قوية، صبورة، قادرة على العمل ساعات طوال؛ بل إنها لم تكتفِ بالعمل نهارًا وإنما راحت تدرس الألمانية ليلًا، وما إن أجادتها حتى واصلت دراساتها فى إحدى الجامعات المفتوحة، وشدت نحو علم الاجتماع، وعندما طلب منها بحث التخرج اختارت الدعارة موضوعه.

كانت تمُر بقصر مهيب تمتد حدائقه بطول النظر وتنفرد بأنواع نادرة من الأشجار تركت الطيور تعيش على أغصانها، توقفت تتأمل المشهد فى حالة من الإبهار، شدتها لافتة نحاسية مُعلقة على البوابة الرئيسية تحدد مواعيد الدخول والخروج، لم تشك أنها أمام متحف، لكنها لاحظت أن الموعيد تبدأ فى العاشرة مساءً وتستمر حتى الخامسة فجرًا، دهشت، لكن دهشتها زالت عندما عرفت أنها أمام أرقى بيوت الدعارة فى العالم.

لا بُدّ أن ذلك القصر جعلها تختار الدعارة موضوعًا لبحثها، فقد غيّر مما تعرف عنها، أرادت أن تدخل ذلك القصر باحثة لا عاهرة، إلا أنها لم تتخيل أنها ستدخله باحثة وستخرج منه عاهرة. تأملها مسئول العلاقات العامة بعين خبيرة فاحصة، إنها نوع من النساء لا يوجد له مثيل لديهم بجانب إنها تمتلك سحرًا يثير شهية كل من يصادفها من الرجال، هو نفسه تمناها وهى تطرح عليه الأسئلة بجدية يصعب التشكيك فيها.

استأذن الرجل منسحبًا بحجة وجود مسئول أكبر سيجيب على كثير من أسئلتها التى لا يسمح له منصبه المتواضع بالإجابة عنها.

جاء رجل آخر، أكثر لباقة ولياقة، على الكارت الذى قدّمه إليها اسمه: بيتر هوفمان، وتحته وظيفته: مدير التشغيل، لم يكتفِ بالإجابة على أسئلتها؛ بل اصطحبها أيضًا فى جولة لترى بنفسها كيف وضع خبراء النفس البشرية برامج علاج المعذبين بالعجز عن ملاقاة الجنس الآخر وكأنها فى مصحة لا فى بيت دعارة.

وطوال الجولة كانت هناك كاميرات تصورها من كل الزوايا بطريقة مجسّمة تحدد أبعاد جسدها بدقة.

وكتبت البحث بعنوان «نهاية البيوت المشبوهة سيئة السمعة»، فلم تعد مثل هذه الأوصاف تناسب الدعارة، فالبيوت التى تمارس فيها مبهرة لا مشبوهة وسمعتها حسنة لا سيئة؛ بل إن الرجال يتواعدون على اللقاء فيها علنًا دون خجل أو شعور بالعار.

ويوم تخرُّجها وجدت أمامَها بيتر هوفمان يهنئها بالنجاح وهو يحمل فى يده وردة حمراء، ولم تتردد فى قبول دعوته على العَشاء عندما أخبرها أنه سينشر بحثها فى مجلة أكاديمية تصدرها الجامعة التى تخرجت فيها، هللت من الفرحة، وقفزت فى الهواء، وعندما عادت إلى الأرض وجدت نفسها بين أحضانه.

فى تلك الليلة عرض عليها عملًا جعلها تفتح عينيها مندهشة مما سمعت.

إن نجمة السينما الشهيرة لها بديلة (دوبلير) تصور اللقطات الخطرة نيابة عنها إذا كان الفيلم من أفلام الحركة أو الأكشن وهو أمْرٌ شائع، ولكن ما ليس شائعًا أن النجمة الشهيرة لها دوبلير من نوع آخر تصور اللقطات الجنسية بدلًا منها.

تستعين النجمات بامرأة دوبلير لتصور مؤخرة عارية مناسبة بدلًا من مؤخرتها أو امرأة دوبلير لها نفس صدرها التى ستنزع عنه الثياب أو امرأة دوبلير تدخل الفراش وكأنها هى وبالقطع لا يظهر وجه المرأة الدوبلير وبالقطع يصبع على المُشاهد المندمج فى المَشهد المثير أن يكتشف الخدعة.

قالت سارة ساخرة:

- يعنى وظيفتى الجديدة دوبلير مؤخرة أو دوبلير صدر أو دوبلير ساق نجمة شهيرة. قال هوفمان:

- نعم، ونحن نرى أن جسدك مناسب لنجمة إثارة جديدة نبحث لها عن دوبلير.

- لكنى لن أتورط فى ممارسة الجنس.

- الجنس على الشاشة مجرد تمثيل لا يمت للحقيقة بصلة.

- لست مؤهلة نفسيًا للعب مثل هذا الدور.

- ربما تحسمين أمرك لو عرفت أن أجرك فى الفيلم لن يقل عن خمسين ألف دولار ولن يكتشف وجودك أحد.

وسكتت سارة وقامت من مكانها دون أن تتفوَّه بكلمة واحدة، ولكن المؤكد أنها تأكدت بينها وبين نفسها أنها لا تزال تحتفظ بكارت هوفمان وفى يقينها أنها ستتصل به موافقة على عرضه.

لم تنم ليلتها، استولت على عقلها الثروة التى تنتظرها لو وافقت، خمسون ألف دولار تنقلها إلى شقة أكبر فى حى أفضل وتتيح لها شراء سيارة والحصول على كريدت كار «أمريكان إكسبريس» أسود بلا حدود للسَّحْب والشراء، لِمَ لا تحصل عليها؟! إنها لن تخسر شيئًا، لن تظهر فى لقطة واحدة تشير إليها، ولن تمارس الجنس أمام الكاميرات أمّا ما سيظهر من جسدها فلن يتعرف عليه أحد.

وافقت سارة على العَقد، وبدأ التصوير، تنام البطلة فى الفراش وتوحى بأنها تخلع ثيابها لتنتقل الكاميرا إلى صدر سارة دون وجهها، وتعطى البطلة ظهرها للكاميرا موحية بأنها تسقط ما تغطى به جسدها لتنتقل الكاميرا إلى ظهر سارة العارى حتى نهاية قدميها، وتكرر المشهد نفسه فى أماكن مختلفة ووسط عدد محدود من صناع الفيلم حسب تقاليد تصوير هذه المَشاهد.

وفى كل هذه المَشاهد كان على سارة أن تتحمل لمسات البطل وهو يتحسّس جسدها أمام الكاميرا، والمؤكد أنها شعرت بالخجل فى اللقطات الأولى، ولكنها سرعان ما اندمجت فى التصوير؛ بل إنها استمتعت بأصابع البطل المدرب وهى تعزف لحن المتعة على ظهرها وصدرها وساقيها، وما شعرت به أصاب جسمها برعشة لم تعرفها من قبل.

البطل ممثل أمريكى وسيم، لعب فى الفيلم دور جاسوس بريطانى عليه تجنيد قيادات نازية للتخلص من هتلر، ولم تكن اللقطات التى سيصورها فى برلين لتستغرق أكثر من أسبوع، وفى ذلك الأسبوع وقعت سارة فى هواه.

إنه الحب، برد فى الصيف، حَر فى الشتاء، يجبر نوفمبر أن يأتى قبل فبراير، تفسير ما لا يفسر، تبرير ما لا يبرر، صانع الدهشة والبسمة والصدمة، القادم بغير ميعاد، المتهور فى الاختيار، المتجاوز الأديان والألوان والأعمار والجنسيات، والراحل دون إنذار.

استسلمت سارة لرغباته، ولم تقاوم ما يفرضه عليها فى الفراش، خبير بالنساء، يعرف كيف يمحو أميتهن الجنسية بطرُق تعليم مبتكرة، مناهج لم تسمع عنها من قبل؛ بل كانت المفاجأة أنه أخذها معه إلى الفرع الأوروبى للنادى الأمريكى «سوانكى سبانك سبوت»، أو نادى تبادُل الزوجات، وقبل أن تفيق من دهشتها وجدت نفسها فى نادٍ آخر يسمونه ميد تاون للساديين ومتبادلى النساء.

مارست معه كل ما لا يخطر على البال بما فى ذلك قبولها لرجال لم تعرفهم من قبل ولم تفكر فى أن تعرفهم فيما بعد.

تعلم جسدها أن يطلب المتعة دون أن يحدد شخصًا بعينه يقدمها إليه، كأنها تريد خبزًا دون أن تسأل عن الفرن الذى خبزه، أو كأنها تريد الوصول إلى بيتها دون أن تهتم بطراز سيارة التاكسى، وربما ساعدها ذلك على أن تتجاوز الأزمة العاطفية التى سببها رحيل عشيقها النجم الأمريكى بعد أن استيقظت ذات صباح لتجد رسالة منه يعتذر فيها عن عودته إلى بلاده، وبجانب الرسالة شيك بمبلغ عشرة آلاف دولار.

تأملت الشيك، ابتسمت، تصورت أنها ستشعر بالإهانة بعد أن عاملها كعاهرة، ولكن الغريب أنها لم تغضب؛ بل وجدت نفسها تتصل بالبنك لتتأكد من وجود رصيد يسمح لها بصرف الشيك.

فى تلك اللحظة عرفت أنها ستحترف الدعارة، ووجدت نفسها فى مكتب هوفمان، وقبل أن يقدم إليها فنجان القهوة قال لها:

- كنت فى انتظارك.

وعندما التقيت بها فيما بعد قالت لى:

- لم أخدع نفسى، عشت حياة مترفة أردت الاستمرار فيها؛ بل إن إتقانى فى عملى شجع مديرى على تزكيتى للحصول على الجنسية، وفى المستوى الراقى من العهر الذى نعيش فيه يحترمك المجتمع الأعلى ويعتبرك عضوًا فيه إلى أن تفقد العاهرة مكانتها، والأهم أن الحكومة تعاملنا باحترام ما دمنا نسدد ضرائبنا؛ بل أنا عضو فى الحزب الحاكم، ولو شئت ترشّحت للبرلمان.

كان مصطفى أخشيشين قد حدد لى موعدًا معها ووافقت على أن نتناول معًا إفطارًا يوم أحد فى فندقى، وجاءت ترتدى ثيابًا محتشمة من دولتشى آند جابانا وتحمل حقيبة يد من لوى فيتون وتضع فى قدميها حذاء من لوبوتان يسهل التعرف عليه من نعله الأحمر.

طلبت طبقًا من الفاكهة وقطعة من الجبن خالى الدسم، قهوة بلا حليب، ولكنها لم تتردد فى أن تصب القهوة فى فنجانى قائلة:

- أسعدنى أن ألتقى بك، أعرفك من رواياتك وأحاديثك التليفزيونية، أحيانًا أحن إلى مصر فأبحث عنها فى الفضائيات، دفاعك عن المرأة شجعنى لمقابلتك، أعرف أنك لا تحكم على أحد، أعرف أنك تؤمن بمبدأ السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر»، لو شئت كتابة قصتى فلن أعترض، لكن اكتب اسمًا مستعارًا، ليكن سارة القللى، لا أريد أن أجرح عائلتى التى تصورت أننى مت وجهزت نعشًا به دمية دفنتها وفتحت بيوتها للعزاء أربعين يومًا.

وراحت تروى لى بصراحة مذهلة ما جرى لها، لأجد نفسى أمام قصة يصعب تصديقها رُغْمَ أن كل حَرف فيها حقيقة، لكن الحقيقة غالبًا ما تتجاوز الخيال.

وكما ظهرت فجأة اختفت فجأة.

وفى الحالين كان يحيط بها حُراس أشداء.

فهى لا تزال تتوقع القتل، وآخر ما سمعت منها: «أنهم لن يتركونى أعيش».

وكلما هبطت برلين كنت أطمئن على أنها لا تزال على قيد الحياة.