الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حرب الغاز تنتقل من المتوسط إلى العمق الإفريقى: المغرب.. بوابة غرب إفريقيا إلى غاز المتوسط

حرب الغاز تنتقل من المتوسط إلى العمق الإفريقى: المغرب.. بوابة غرب إفريقيا إلى غاز المتوسط

بَعد أن حسمت مصر حرب الغاز فى شرق المتوسط، عبر ابتكار الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لدائرة سياسية جديدة بعنوان شرق المتوسط مع اليونان وقبرص، وإعادة تأسيس العلاقات المصرية- المتوسطية مع هيكلة علاقات مصر مع إقليم أوروبا الوسطى وإقليم الجنوب الأوروبى ما مكن مصر من إطلاق منتدى غاز المتوسط؛ فإن الأنظار اليوم تتجه إلى غرب المتوسط؛ حيث لا تزال حرب الغاز مشتعلة دوليًا وإقليميًا.



ولم يعد سرًا أن ما يُعرف باضطرابات الربيع العربى كانت جزءًا من حرب الغاز العالمية، وكان الغرض هو تفويت الفرص على تلك الدول الواعدة لاكتشاف مخزونها من الغاز، على أن تقوم حكومات ثورية وإسلامية عميلة بتسليم تلك الاكتشافات للغرب ببخس الثمَن، ولكن ثورة 30 يونيو المصرية والمَد الثورى للنموذج المصرى عبر إحياء الدولة الوطنية أنهى الربيع العربى وأوقف دوامات الفوضى فى الشرق الأوسط.

وتعود فصول حرب الغاز فى غرب المتوسط إلى عام 2008، حينما نَصَب الزعيم الليبى الراحل «معمر القذافى» خيمته فى الساحة الرئيسية لمجمع الكرملين الروسى، من أجل عَقد واحدة من أهم جلسات التباحث «الروسى - الليبى» فى سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتى؛ حيث كانت روسيا تضع نُصب أعينها غاز شمال إفريقيا منذ عام 2006، وبدأت الاتصالات مع الجزائر، ولكن الجزائر رُغم البداية المشجعة؛ فإن فكرة التعاون مع موسكو فى ملفات ذات حساسية بالنسبة لواشنطن لم تكن فكرة مرحّب بها فى الجزائر اليوم، لذا توجهت موسكو إلى صديقها القديم فى طرابلس العقيد «معمر القذافى»، من أجل حصول روسيا على عقود لصالح التنقيب واستخراج وتصنيع وتصدير الغاز الليبى.

كانت زيارة العقيد «القذافى» مثمرة للغاية؛ إذ اتفق على تأسيس شركة جازبروم ليبيا، وهى الشركة التى تواصلت بدورها مع أكبر شركة غاز فى جنوب أوروبا ألا وهى شركة إنى الايطالية، ما أضر الرؤية الغربية لخارطة الطاقة فى منطقة جنوب المتوسط، وقرع جرس الإنذار فى عواصم القرار الأوروبى حول هيمنة روسيا على ملف الغاز الإفريقى والمتوسطى.

عقب ذلك اقترحت روسيا مشروعًا هو الأكبر من نوعه فى إفريقيا، يتعلق بالغاز الإفريقى وتحديدًا نيجيريا؛ حيث نص المشروع على نقل الغاز النيجيرى عبر أنبوب يمر بجمهورية النيجر وصولاً إلى ليبيا؛ حيث يلتقى مع معقل جازبروم ليبيا ثم تقوم الشركة الروسية بتصديره إلى أوروبا.

وما هى إلا بضعة أشهُر من بدء المباحثات فى هذا الشأن؛ إلا وتلقت حركة بوكو حرام فى نيجيريا دعمًا ً قويًا جعلها من أقوى حركات الإرهاب فى العالم؛ بل وتلقت بعض حركات التمرد الأخرى فى نيجيريا والنيجر دفعة قوية ومفاجئة، وبدا واضحًا أن هنالك يد خفية لا تريد لتلك الدول الاستقرار والتمتع بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، أو الدخول فى مشاريع جديدة مثل أنبوب الغاز الإفريقى الذى سعت له موسكو يومًا ما، ولاحقًا اندلعت حرب 2011 فى ليبيا وامتد نيرانها فى غرب إفريقيا، لتغطى سحابة من الجماعات الإسلامية معاقل الغاز فى غرب إفريقيا حتى اليوم.

 المشروع الجزائرى

ومع بدء تعافى الشرق الأوسط من مؤامرات الربيع العربى، وبدأت مصر فى تأسيس دوائر سياسية جديدة بعد انهيار التكتلات القديمة والتقسيمات الإقليمية القديمة على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية (2008 - 2013)، مثل شرق المتوسط وجنوب أوروبا وأوروبا الوسطى وأورآسيا، والقرن الإفريقى، وحوض النيل، وتجمع الصحراء والساحل، بدأت تحدث منافسة بين الجزائر والمغرب حول أيهما الأكثر قدرة على التحول إلى بوابة غرب إفريقيا إلى مياه المتوسط والمحيط الأطلنطى.

وتقوم الجزائر حتى اليوم بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر المغرب، ولكن التوترات الأخيرة بين الدولتين جعلت المسئولين فى الجزائر يخططون لفكرة غلق هذا الأنبوب، والاستعانة بخط «ميدجاز» الذى يعبر البحر المتوسط، ويربط الجزائر بإسبانيا مباشرة، ورفع قدراته التصديرية.

وتقع النيجر جنوب شرق الجزائر، بينما تقع نيجيريا جنوب النيجر، ويسعى الغرب منذ الثمانينيات إلى إيجاد مسارات للنفط والغاز النيجيرى إلى سواحل المتوسط، ومع خروج ليبيا من هذه المنافسة فإن الغرب سعى إلى رعاية اتفاق ثلاثى بين الجزائر والنيجر ونيجيريا فى هذا الملف، ووقفت الدول الثلاث اتفاقًا حول أنبوب «لاجوس- الجزائر» عام 2009، ولكن فعاليات الربيع العربى والاضطرابات التى صنعها توطين الإسلام السياسى فى غرب إفريقيا قد عرقلت استكمال المشروع إلى أن بدأت الدول الثلاث فى استئناف المباحثات حول المشروع عام 2018.

وللمفارقة فإن نيجيريا قد اتفقت أيضًا عام 2016 على مشروع لأنبوب الغاز مع المغرب، ولكن على ضوء عدم وجود حدود مشتركة بين الدولتين فإن الرباط كانت لها رؤية واعدة وضخمة لهذا الملف.

 المشروع المغربى

تسعى الرباط إلى استثمار رغبة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا فى تمشيط غرب إفريقيا من النفوذ الفرنسى الفرانكفونى، وترى المغرب أن انحياز الرباط إلى هذه الجهود هو الرد العادل على المحاولات الاستعمارية الفرنسية المستمرة حيال المغرب وتاريخه، كما أن الولايات المتحدة تظل الحصان الرابح فى الغرب، إلى جانب العلاقات التاريخية الحسنة بين الرباط وواشنطن؛ حيث كانت المغرب من أوائل الدول التى اعترفت بقيام الولايات المتحدة الامريكية؛ حيث اعترف سُلطان مراكش محمد الثالث بالجمهورية الأمريكية عام 1777، وتعتبر المعاهدة «المغربية- الأمريكية» التى وقّعت عام 1787 هى أقدم معاهدة أمريكية، كما تحتضن طنجة أقدم مقر دبلوماسى أمريكى فى العالم، ودعمت أمريكا جهود السُّلطان محمد الخامس للعودة إلى الحُكم وقيادة المقاومة المغربية ضد الاحتلال الفرنسى فى أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وذلك بحسب رئيس الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت.

ومع نجاح الجهود «الأمريكية - البريطانية» فى تقليص الوجود الفرنسى فى غرب إفريقيا بداية من صيف 2021، يسعى المغرب من أجل ملء هذا الفراغ عبر عصبة إقليمية وطنية، يكون عنوانها المصالح الاقتصادية المشتركة ويكون موضوعها الرئيسى هو ملف الغاز.

وفى هذا السياق بدأت مباحثات بين المغرب ونيجيريا والبنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا؛ وذلك من أجل صناعة تحالف فى ملف الغاز يضم تجمع الصحراء والساحل، وتحديدًا قوس سواحل إفريقيا المطلة على المحيط الأطلنطى، على أن يبدأ أنبوب الغاز من نيجيريا، ويتجه إلى غرب إفريقيا ثم شمالًا إلى المغرب.

وتبدى الولايات المتحدة مرونة أكبر فى التعاطى مع المشروع المغربى على حساب المشروع الجزائرى، على ضوء إقليمية الطرح المغربى من جهة، وأيضًا العلاقات «الجزائرية- الروسية» فى ملف الغاز وإن تآكلت فى السنوات الأخيرة إلا أن أمريكا لا تريد لروسيا موطئ قدم فى ملف غاز المتوسط.

هكذا تبدأ ترتيبات غرب إفريقيا ما بعد الانسحاب الفرنسى، وما بعد انتهاء دور الإسلام السياسى برعاية الحكومات الإسلامية فى الشرق الأوسط؛ حيث انتهى دورها فى الإقليم دون أن تظفر بأى مكسب سوى أنها حققت الأچندة الأنجلوسكسونية فى انسحاب الفرنكوفونية من هذه المنطقة، إضافة إلى عدم قدرة الجزائر على التخلص من إرث الحقبة السوفيتية، وتعثر ليبيا فى سنوات ما بعد القذافى.. كلها عوامل ساهمت فى قيام المغرب بالتحرك الأخير لملء هذا الفراغ بدلًا من قيام قوى الشر بإيجاد بدائل أكثر كارثية مما يجرى فى وسط وغرب إفريقيا اليوم.