الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعيدًا عن قبضة طهران.. لبنان والعراق يواجهان رياح التغيير

النتائج التى أفرزتها الانتخابات العراقية تلقى بظلالها على الوضع فى لبنان بالنظر إلى معطى رئيسى مشترك بين البلدين، وهو النفوذ الإيرانى فى كليهما.



فى العراق، لم تلقَ الانتخابات الترحيب من الجميع؛ إذ أعلنت كتل سياسية رفضَها لنتائج الانتخابات العامة التى أجريت الأسبوع الماضى، وذلك مع الإعلان عن فتح باب الطعون فى النتائج، ويسود المشهد حالة من التوتر والتخبط رُغم حالة القبول الشعبى لنتائج الانتخابات. فى لبنان، رأى مايكل يونج، الباحث بمعهد كارنيجى، أن بيروت محاصَرة بمنطق الحرب الأهلية. موضحًا أن هذا قد لا يحدث فى الواقع؛ لكن الأساس يتشكل.

وأوضح «مايكل» أن الحكومة اللبنانية فى الوقت الحالى أضعف من أن تمنع الأعمال العدائية، والوضع الاقتصادى كارثى، ما يعنى أن هناك مجموعة كبيرة من الشباب يمكن تجنيدهم فى الميليشيات.

الباحثة الأمريكية- اللبنانية راغدة درغام، قالت إن نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة كشفت عن الاستياء الذى يحمله العراقيون العاديون تجاه نفوذ الدولة المجاورة فى شئونهم. وأوضحت أن القصة متشابهة فى لبنان، فحزب الله لا يريد أن يحاسبه أحد على أنشطته المزعزعة للاستقرار ويريد تقويض اختصاص القضاء فى تحقيق العدالة؛ إذ يحاول عرقلة التحقيق فى انفجار مرفأ بيروت، الذى خلّفَ أكثر من 200 قتيل وأكثر من 7000 جريح، كما هدد بإسقاط الحكومة الفيدرالية الجديدة إذا رفضت الاستسلام لإملاءاته.

وقد عقد رئيس المركز العربى الأسترالى للدراسات الاستراتيچية، أحمد الياسرى، مقارنة بين الوضع فى العراق والحالة اللبنانية من حيث امتلاك القوى للسلاح، فاستبعد المخاوف من اندلاع صراع «شيعى- شيعى» مسلح فى العراق.

ورأى الياسرى أن «الأمر هو عبارة عن عمليات ضغط متبادلة، فالدولة التى تذهب إلى الانهيار الأمنى هى الدولة المنهارة اقتصاديًا، وهذا الأمر ينطبق على لبنان، ولكن لا ينطبق على العراق».

وأضاف: «العراق فقد نحو 30% من مساحة أراضيه فى فترة تنظيم داعش الإرهابى (المحظور فى روسيا وعدد كبير من الدول)، ولم تسقط الدولة فى ذلك الوقت، لذلك العراق فيه حالة من الحصانة فى الداخل ومعتاد على موضوع الانفلات الأمنى، ولكن الانفلات الأمنى بالطريقة التى يتخوف منها البعض حاليًا فلا أعتقد».

وقال الياسرى: «هناك خصوصية للمشهد العراقى، وتتلخص هذه الخصوصية بموضوع التوازن؛ لأن جميع القوى فى العراق تمتلك السلاح، ليست هناك قوة أقوى من الأخرى كما هو الحال فى لبنان». لافتًا إلى أن هذا «الأمر يخلق نوعًا من التوازن لدى القوى العراقية ويقلل من إمكانية اندلاع صراع شيعى- شيعى».

وأضاف: «هناك قوى فى الداخل أو الخارج العراقى، تدفع باتجاه المواجهة «الشيعية- الشيعية» فى العراق، ولكن بالتأكيد ليست إيران، فإيران فى هذا التوقيت تعتبر العراق السلة الغذائية لها وأكثر مستوى تبادل تجارى هو بين العراق وإيران، إيران لديها مشكلة اقتصادية ويهمها ألا تفتح جبهة العراق وأن يحصل استقرار فى العراق، ولكن بعد مرور شهر قد تتغير الاستراتيچية الإيرانية».

من جهته، قال الباحث اللبنانى إيلى القصيفى، إنه لا يمكن التقليل من تأثير هذه المدلولات على المجريات السياسية فى لبنان لاستشراف احتمالات الصراع السياسى الدائر فى لبنان؛ خصوصًا أن الانتخابات اللبنانية ستعقد بعد 6 أشهُر والتى تُعتبر منذ الآن استحقاقًا مفصليًا بين مرحلتين فى البلد.

 انتكاسة سياسية لطهران

وأشار «إيلى»، فى مقال له، إلى أن التطور الأبرز، الذى أفرزته نتائج الانتخابات العراقية، كان التراجع المدوى لتحالف الفتح، الحليف الرئيسى لإيران فى بغداد. وإذا كانت طهران لا تتكل فى ظل العراق الحالى على رصيدها البرلمانى لبسط نفوذها فى بغداد؛ فهى بلا أدنى شك لم تكن تتوقع هذه الهزيمة الانتخابية المتمثلة بتراجع الحصة النيابية لـ«الفتح» من 45 نائبًا فى انتخابات 2018 إلى 17 نائبًا فقط فى الانتخابات الأخيرة.

وأوضح أن إيران كانت تطمح إلى أن يحقق أقرب حلفائها العراقيين نتيجة معاكسة كليًا، لا سيما أنها تسعى بأقصى قوتها إلى تحسين شروط مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا بها تمنى بخسارة مفاجئة على الساحة العراقية، إحدى الساحات الرئيسية للمواجهة «الإيرانية- الأمريكية» فى المنطقة.

 مستقبل الانتخابات اللبنانية

وتساءل الباحث اللبنانى: «هل تقع مفاجآت فى الانتخابات اللبنانية على غرار الانتخابات العراقية؟ أمْ قانون الانتخاب اللبنانى مُحكَم تقنيًا وسياسيًا إلى درجة لا يمكن معها توقع وقوع مفاجآت؟»، موضحًا أنه فى العراق كان يوجد رأىٌ يقول إن القانون الانتخابى مفصَّل على قياس القوى السياسية الرئيسية، ورُغم ذلك حدثت مفاجآت انتخابية.

وقال «إيلى» إن حزب الله يتصرف سياسيًا وشعبيًا على أساس أنه مستهدَف فى لبنان، وتحديدًا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن حقيقة هذا الاستهداف وحدوده ووتيرته؛ فإن تصرف الحزب يرمى إلى شد عصب ناخبيه، وإلى رسم إطار سياسى عام للمعركة الانتخابية بحيث يضعها فى خانة الصراع مع أمريكا التى تحاصر لبنان بحسب أدبيات الحزب، وهو ما يتعارض مع كون واشنطن تواصل دعم الجيش اللبنانى، ومنحت استثناءات من عقوبات قيصر لتمكين الأردن ومصر من إيصال الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر سوريا، وغضت الطرف حتى الآن عن شاحنات المازوت الإيرانى.

وأضاف إن الحزب يخشى ضعف الإقبال على الانتخابات، ولذلك يمارس سياسة تعبوية وخدماتية منذ الآن لتقليص دائرة الإحجام عن التصويت ضمن دوائره الشعبية، ولا سيما أن مثال المقاطعة العراقية سيكون حاضرًا فى الأذهان.

وأشار إلى أن لحركة الحزب فى لبنان جانبًا سياسيًا أعمق يتصل أساسًا بـ«المعادلة الإقليمية» التى يشكل الحزب جزءًا منها، فالتحولات الچيوسياسية الكبرى، التى تشهدها المنطقة، تجعل الحزب الذراع الرئيسية لإيران، يجرى حسابات دقيقة لواقعه داخل لبنان، لكن أيضًا فى سوريا حيث يوجد مقاتلوه منذ عام 2012، فكل التطورات الدولية والإقليمية المرتبطة بسوريا تعنى الحزب مباشرة.

فى المحصلة؛ فإن الوضع اللبنانى هو فى قلب هذه التطورات الإقليمية والدولية. وإعلان الوزير الإيرانى عبداللهيان من بيروت منذ أسبوعين، أن بلاده مستعدة للاستثمار فى لبنان فى قطاع الكهرباء والنقل، يأتى فى سياق محاولات إيران المتواصلة لتثبيت مواقع نفوذها فى المنطقة عشية أى مفاوضات موسعة حولها.

من جهتها، اعتبرت مينا العريبى، زميلة رئيسية فى معهد فاعلية الدولة، أن إيران والميليشيات العراقية الموالية لها، الخاسر الأكبر فى الانتخابات البرلمانية المبكرة فى العراق، الأمْرُ الذى دفعها إلى رفض نتائج الاقتراع والتهديد باللجوء إلى العنف.

وتوقعت «العريبى» أن يكون المرشح التوافقى لرئاسة الوزراء، هو رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمى، الذى تربطه علاقات جيدة بـ«الصدر»، إضافة إلى رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد الحلبوسى والأكراد.

وكتبت «العريبى»، فى تحليل لمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، إن السؤال فى المرحلة المقبلة سيكون حول ردة فعل قوات الأمن العراقية، والأحزاب السياسية الأخرى على مثل هذه التهديدات؛ خصوصًا أن الفشل فى الحد من قدرة الميليشيات على استخدام السلاح؛ لا ينذر بتقويض العملية الانتخابية فحسب؛ بل أيضًا بتدمير البنية التحتية الأمنية والحوكمة فى العراق.

 الموقف الأمريكى

كالفين وايلدر، الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال إنه مع قيام الولايات المتحدة بتحويل وجودها العسكرى فى العراق إلى مهمة غير قتالية أكثر محدودية بحلول أوائل عام 2022؛ ستجد أن نفوذها تراجَع فيما يتعلق بتأثيرها على السياسات الانتخابية، لذلك على واشنطن تركيز مواردها المحدودة على مجموعة ضيقة وقابلة للتحقيق من الأهداف على النحو المبين فى «اتفاقية الإطار الاستراتيچى» بين الولايات المتحدة والعراق. وأشار إلى أن استمرار تغلغل الميليشيات فى السياسات الحزبية يجبر واشنطن على أن تقر بأن الانتخابات لا تشكل المَصدر الوحيد للشرعية فى العراق. موضحًا أنه فى مجلس النواب المقبل، من المحتمل أن يعيد أعضاء الميليشيات إحياء المطلب القديم العهد بأن تقطع بغداد شراكتها الأمنية مع واشنطن بالكامل، ولكن القيادة السياسية والعسكرية العليا فى البلاد لا تشاركهم وجهة النظر هذه.

وأضاف الباحث إنه لهذه الأسباب وغيرها؛ على الولايات المتحدة أن تعيد تركيز طاقتها تدريجيًا على دعم الدولة العراقية والتواصل معها بدلًا من السياسيين الأفراد أو الجماعات المحددة. وسيرحب الشعب بشكل خاص بأى جهود لمحاربة الفساد، وإجراء إصلاحات مصرفية، واتخاذ إجراءات تمنع الأفراد المتواطئين فى قتل ناشطين من المعارضة من الحصول على الشرعية الانتخابية.

وإذا تمكنت واشنطن من قيادة جهد دولى وإقليمى لمساعدة العراق على حل هذه المشاكل، فسوف تعزز صورتها المحلية، وتقوى الدولة العراقية، وتكبح شبكة الميليشيات الإيرانية الخارجة عن القانون على نحو متزايد، وسيلقى ذلك بظلاله على لبنان.