الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهون! .. تحيا الستات

كدهون! .. تحيا الستات

لم أستطع مقاومة فضولى لاستكشاف سبب ذلك الصياح الحاد المنبعث من داخل غرفة أم إبراهيم (اللى بتساعدنا فى البيت) وزوجها نبوى (اللى مش بيساعدنا فى البيت ولكنه يحتل الغرفة بصفته زوج لأم إبراهيم وأبو إبراهيم) وكدهون تساءلت ماذا حدث فى صباح هذا اليوم وجعل أم إبراهيم تتخلى عن حرصها الشديد فى تكتم أمر مثل هذه المشاجرات العائلية وحصرها داخل جدران منزلها حرصا منها على سمعة عائلتها وحتى لا يشمت فيها الأعداء على حد قولها فما الذى حدث هذه المرة جعلها لا تعبأ بالفضائح والشماتة وسمعتها وحولتها لمشاجرة علنية يشاركها أهل الحى كله فى الاستماع وإبداء الرأى بل ومهاجمة طرف لحساب الطرف الآخر وكدهون.



ارتفع صوت أم إبراهيم وارتفع أكثر صوت نبوى مما ينبئ بهبوب عاصفة صباحية لا يحمد عقباها قد تهز أرجاء منزلنا الذى كان هادئا حتى اشتعلت هذه المشاجرة العنيفة التى أثارت مخاوفى الشخصية من نتائجها، خصوصا لو أدت لتخلف أم إبراهيم عن عملها معنا، وبالتالى سأضطر لمواجهة الوجه الآخر لزوجتى بمفردى وبالطبع ستحملنى المسئولية الكاملة لتغيب أم إبراهيم (رغم أنها لم تتغيب بعد) مما دفعنى للتحرك سريعا إلى شباك المطبخ المجاور لغرفة أم إبراهيم فى محاولة ساذجة منى للتلصص عليهم من خلف الشيش رغم أن صوتهم يصل إلى جميع المناطق المجاورة ولست بحاجة إطلاقا للتلصص أساسا، ولكنها محاولة يائسة منى للتخلص من زن زوجتى التى تقف بجوارى فى حالة هيستيرية وتصر على أن المشاجرة ستنتهى حتما بقتل نبوى لأم إبراهيم (هى لديها اعتقاد دائم بأن نبوى قاتل أجير ولهذا يخفى طبيعة عمله عن الجميع) ولن نجد أبدا بديلا لها فى وقت قريب، خصوصا أنها ست أمينة واستطاعت أن تستوعب نظامها المنزلى وليس لديها (أى زوجتى) أى طاقة فى الوقت الحالى لتعلم أخرى أصول العمل معها مرة أخرى وكدهون. ساد الهدوء المفاجئ أرجاء المكان وصمت الجميع ولم نعد نسمع غير بكاء إبراهيم فقط مما جعلنى أقر بصحة مخاوف زوجتى التى ازداد يقينها بحدوث جريمة قتل فى هذه اللحظات وراحت تهمهم بالبكاء وتذكر محاسن الست أم إبراهيم (لأول مرة فى حياتها) ولم تنس بالطبع فى خضم ما يحدث أن تتهمنى بأنى شريك فى هذه الجريمة البشعة بصمتى وسلبيتى تجاه نبوى وكدهون مما جعلنى أتساءل هل حقا فعلها ذلك السفاح وترك جثتها بمنزلى؟؟ وماذا أفعل بها الآن ؟؟ هل أبلغ الشرطة أم أتصل بأهلها أولا لاستلامها ودفنها دون ضجيج وإجراءات معقدة وكدهون. وارتفع بكاء زوجتى صائحة: يا عينى عليكى يا أم إبراهيم ياليى روحتى بلاش من غير ما حد يتصدر لك ويحميكى يا حبيبتى، ثم نظرت لى بفزع شديد ووقف الكلام بحنجرتها مما جعلنى ألتفت سريعا فى اتجاه نظرة زوجتى متوقعا بوجود نبوى السفاح جاء يقتلنا نحن أيضا حتى يتخلص من أى شهود على جريمته إلا أنى فوجئت بوقوف المرحومة أم إبراهيم بلحمها وشحمها ودمها تقف خلفى تماما مما أصابنى بغياب لحظى عن الوعى عاد سريعا على صراخ أم إبراهيم وهى فى حاله انفعال شديد وتهذى بمصطلحات حادة من الصعيد الجوانى لا ندرك معناها وكأنها شخصية أخرى غير التى نعرفها وكدهون. أصابتنى فرحة طاغية بعودة أم إبراهيم من الموت للحياة مرة أخرى مما جعلنى أتغاضى عن صراخها المتواصل وعن تلك الهمهمات غير المفهومة لدى وإن كنت أستطيع أن أستنتج هذه المرة بأنها شتائم صعيدية تصف بها الزوج الهارب من صياحها بعد المشاجرة وكدهون. بعد أن هدأت قليلا وتجرعت كوبا من الشاى التقيل سكر كتير بدأت فى سرد ما حدث مع زوجها هذا الصباح وأدى إلى اندلاع المعركة بينهما فور أن علم بأنها قامت بشراء فرن كهربائى بالتقسيط المريح على سنة حتى تتمكن من سداد أقساطه من الأرباح وكدهون. تبادلت النظرات المندهشة مع زوجتى وعدنا ننظر إلى أم إبراهيم ونسألها عن أى أرباح تتحدث؟؟ فقالت بحماس: أنا قررت أعمل وجبات غذائية لعمال البناء فى المنطقة، حيث إنها منطقة سكنية تخلو من وجود مطاعم تناسب إمكانيات هؤلاء العمال مما دفعها للتفكير فى إقامة مطعم منزلى بسيط وتشترى فرنا كهربائيا تستخدمه لإعداد الخبز والفطير الصعيدى وبيعه للعمال بأسعار فى متناول أيديهم وتحقق دخلا إضافيا يساعدها على تجهيز ابنتها شيماء التى طالت خطبتها لضيق ذات اليد مما يهدد استمرارها مع ضغواط أهل العريس لإتمام الزواج إلا أن نبوى ما إن علم بأمر هذا الفرن الكهربائى حتى جن جنونه ورفض بشدة فكرة هذا المطعم المنزلى الذى تنشئه زوجته لإفطار عمال البناء فى المنطقة من صنع يديها فهو كرجل لن يتقبل مثل هذا الموقف المتسيب ولم يكن يتوقع ثورة أم إبراهيم عليه ورفضها القاطع للتراجع عن مشروعها ولم تستسلم لغضب زوجها وأصرت على تحقيق حلمها القديم بأن تتحول لسيدة أعمال من منازلهم فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة فربما تنجح وتنشئ سلسلة محلات تختص بإعداد الفطير الصعيدى والجبنة القريش ثم رمقت إلى زوجتى بنظرة ذات مغزى وقالت: أنا تعبت من شغل البيوت وتحكمات الستات وقلة عقلهم وكدهون فأسرعت بسؤال أم إبراهيم قبل أن تدرك زوجتى مقصدها: وماذا إذا استمر رفض نبوى لمشروعك؟؟ وقبل أن تنطق صاحت زوجتى: وهو قبل. ما يرفض ولا يوافق لازم يشتغل ويجيب فلوس محترمة يصرف بها على عيلته ويجهز شيماء وقبل كده مش من حقه يمنعها تشتغل وكدهون. هللت أم إبرهيم واحتضنت زوجتى (ما محبة إلا بعد عداوة) وقالت لها: يسلم لسانك هو ده كلام الستات الكمل العاقلين وكدهون. التزمت الصمت حتى لا أفسد تلك المحبة الوليدة بين زوجتى وأم إبراهيم، وقررت أن أنصرف بهدوء وقد ترقرقت عينى بدموع الفرح وأنا أشاهدهما مجتمعتين على كراهية نبوى وكدهون. وفجأة استعادت زوجتى شخصية الست نجمة إبراهيم، وقالت لأم إبراهيم بصوت رزين: لازم تعرفى أن الفرن الكهربائى هايسحب كهرباء كتير جدا وهايخلص كارت الكهرباء ونضطر نشحنه كل يوم وده غير إنك هاتستغلى الأوضة اللى قاعدة فيها كمطعم وزباين خارجة وزباين داخله ووجع دماغ وده محتاج عقد واتفاق جديد غير الاتفاق القديم إنك تساعدينى فى البيت وكدهًون. فنظرت أم إبراهيم نظرة العالمة بمواطن الأمور وقالت لزوجتى بصوت هامس: تحبى تدخلى معايا شريك فى المشروع ده والمكسب بالنص بينى وبينك ونسيطر على المنطقة كلها وكدهون. عمت الفرحة أرجاء البيت وسادت المحبة المكان وتوسع المشروع الوليد بإنشاء ركن الكشرى للعائلات فى مدخل البيت، بينما أنا جلست بجوار نبوى نحتسى الشاى التقيل سكر كتير.