السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
شارك فى رفع الروح المعنوية خـــلال ملحمة أكتوبر صاحبة الجلالة تـــودع  أشهر مطلقى «الرصــــاص» والحبر والألوان

شارك فى رفع الروح المعنوية خـــلال ملحمة أكتوبر صاحبة الجلالة تـــودع أشهر مطلقى «الرصــــاص» والحبر والألوان

ودّعت الصحافة المصرية الأسبوع الماضى الراحل القديرَ «جمعة فرحات»، الذى لم تبارح «روزاليوسف» وجدانه حتى بعد انتقاله منها للعمل بجريدة الأهرام ويكلى فى تسعينيات القرن الماضى... رحل الفنان «جمعة» المولود عام 1941 عن عمر ناهز الثمانين عامًا، قضى نحو الثلاثين عامًا منها فى أروقة «روزاليوسف»، وبقيت ابتسامته المتفائلة وخفة ظلّه، التى تنم عن رأى ورفض وغضب ورغبة عارمة فى فرض وتطبيق قانون الضحك الإلزامى، منذ أن حلّ رسامًا ناشئًا ثم عملاقًا للكاريكاتير.



حصل الراحل على جائزة نقابة الصحفيين وجائزة مصطفى وعلى أمين. 

كما قدّم برنامجًا أسبوعيًا، هو «جمعة كل جمعة» على الشاشة الصغيرة. تناوَل فيه بالرصد والتعليق والتحليل والنقد أبرزَ الآراء الكاريكاتورية المنشورة بالصحف والمواقع الإخبارية، مع تقديم واكتشاف المواهب الواعدة فى فن الكاريكاتير.

ازدانت صفحات مجلتَىْ «روزاليوسف» و«صباح الخير» بإبداعاته التى تحمل الكثير من النقد السياسى والاجتماعى اللاذع؛ مُغلّفًا بإطار مُحكم من السخرية والفكاهة.

ظل مُقاتلاً صلبًا فى أحلك الأوقات والأحداث التى مَرّ بها الوطن؛ حيث سجّلت صفحات «روزاليوسف» نضاله إلى جوار كتيبة الرسامين المجاهدين الروّاد: حجازى وزهدى وبهجت ومحسن جابر ودياب وناجى كامل وصلاح الليثى وغيرهم، الذين ساهموا بريشتهم فى تثبيت الجبهة الداخلية ورفع الروح المعنوية وقت النكسة. ثم زيادة التلاحم بين أبناء الوطن والجيش فى مَلحمة أكتوبر وما تلاها.

فى إحدى صفحاته الثابتة بمجلة «روزاليوسف»، وكانت بعنوان «بولوتيكا»؛ طرح «جمعة فرحات» نقاشًا فلسفيًا محتدمًا حول القضية الفلسطينية. وهى القضية التى كان من الطبيعى أن ينتقل نضاله إليها بعد مَلحمة أكتوبر؛ حيث انبرى «جمعة» برسوماته مدافعًا مستميتًا عن الهوية العربية فى مواجهة الكيان الصهيونى المحتل، والغرب الإمبريالى الداعم له. 

دافع بشدة أيضًا عن حقوق الفقراء والمواطنين البسطاء فى العيش بكرامة، مُواجها ظواهر الرشوة والمحسوبية وفساد الجهاز الإدارى للدولة، فى حقبة شهدت بحسب وصفه «سُلطة الرقيب على قرارات النشر». 

ولطالما صرّح فى أحاديث تليفزيونية كيف كان يستخدم سلاحه السّرّى المُكوَّن من الفكاهة والمعالجة الفنية غير المباشرة، فى إيصال الصورة الذهنية والرأى المُشَفّر للقارئ والقائمين على المشكلة على حد سواء، وفوق كل ذلك، تخطّى مقصّ الرقيب بكل حذق ومهارة.

استمر عطاؤه ممتدًا؛ حيث كان الرئيس الخامس لمجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير، بعد العمالقة زهدى ورخا ومصطفى حسين وطوغان.

ورُغْمَ توقّف مجلة «كاريكاتير»- الصادرة عن الجمعية- عن الصدور، إضافة إلى توقّف بعض الأنشطة نتيجة انقطاع التمويل من قِبَل وزارة الثقافة؛ اتّسعت أنشطة الجمعية واستمرّت فى القيام بدورها فى اكتشاف ورعاية الموهوبين، وزيادة رقعة المتابعين والمُحبين لفن الكاريكاتير طيلة فترة رئاسته وحتى رحيله.

لم تكن تخلو مُخيّلة «جمعة فرحات» من الذكريات والأصوات المميزة فى ردهات «روزاليوسف»، مع غناء صلاح جاهين الأوبرالى، أو تحيّة عمّ عبدالراضى. الرجُل الذى عاصر أجيالاً من الصحفيين والرسامين وكان بمثابة خزّان حكايات وكاتم أسرار المجلة. 

كان عصيّا على «جمعة» أن ينسى وجوهًا كثيرة ألفَها وعايشَها، فقام بتخليد أصحابها مُسجّلا إياهم فى عمل إبداعى مُجمَّع. عملٌ يؤرّخ لتلك الحقبة من تاريخ مجلّة «روزاليوسف» والعاملين بها. فكانت لوحة ضخمة مُعلّقة إلى الآن فى إحدى قاعات «روزاليوسف» المميّزة.

لا تكاد العين تخطئ أسلوبَ الفنان «جمعة» الكاريكاتورى، فهو يتميّز بسرد الملامح الحقيقية لشخصيات القادة والزعماء ورؤساء الأجهزة الإدارية بالدولة، إلى جانب الشخصيات العامّة والفنانين والمَشاهير.

ولا يمكن كذلك أن تخطئ فى ملامح شخوصه التخيليّة من تفاصيل المواطن البسيط والموظّف ورجل الأعمال والتاجر والشاب، حتى الفتيات الفاتنات. كل هؤلاء متناغمون فى أسلوب كارتونى مميّز وشديد التفرّد.

انشغل «جمعة فرحات» برصد الظواهر الجمعية كالتزاحم والطوابير، وعبّر بدقة عن بؤس المواطن البسيط وإهدار حقوقه فى مواجهة غلاء الأسعار وجشع التجّار، ولم يستثن الفساد الإدارى والقرارات العشوائية.

يلفت النظر عند التعرُّض لأعمال «جمعة فرحات»؛ كيف تكوّن هذا المزيج العجيب والمدهش من الخطوط المُنسابة، والوجوه المألوفة معقودة الحواجب مقطّبة الجباه، الباسمة فى الوقت نفسه، كما اعتدنا معه الأجسام بارزة الملامح ذات الأداء الحركى والتعبيرى المحسوب بدقة متناهية، ودومًا أمام لوحاته؛ لا تخطئ العين كتل الظل المكتنزة.

سرعان ما يتبدّد اندهاشنا إذا طالعنا تاريخ وتسلسل فن الكاريكاتير، وكيف ينبت الفنان غُصنًا صغيرًا يأخذ فى النمو ليصير غرسًا مُستقلاً، فشجرة وارفة معمّرة.