السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قنـاة السويس الجديدة «الكارتة والطشت» والـــ 100 مليــار دولار

قنـاة السويس الجديدة «الكارتة والطشت» والـــ 100 مليــار دولار

مشكلة قناة السويس وتحديدًا قناة السويس الجديدة، أنها حتى الآن لم تحظ بالشرح الكافى لأهميتها ودورها، سواء من جانب المُحبين أو من جانب كارهى الوطن معتنقى نظرية طشت الحاجة أمّ وجدى غنيم.



 لذلك طبيعى أن يظهر خلال هذا الأسبوع بوست يقوم بدعمه والترويج له العديد من المنتمين إلى نخبتنا المنكوبة، وكالعادة الأخ النخبوى لا يكلف نفسَه عناءَ البحث والتمحيص وراء البوست.

البوست يقول إن إجمالى إيرادات قناة السويس خلال 65 عامًا وصلت إلى 129 مليار دولار، بينما تحويلات المصريين بالخارج خلال آخر 8 سنوات 139 مليار دولار.

 

وطبعًا وفقًا لطرحه ده دليل على أن القوة البشرية نعمة احنا بس اللى مش عارفين نستغلها- تصفيق حاد ولايك وشير.. 

لن أناقش صحة الأرقام لكن سأناقش الفكرة.

لماذا المقارنة بـ 65 سنة فقط بينما القناة عمرها 152 سنة!.

هل الإيرادات التى حققتها القناة طوال هذا الوقت لن تدخل فى حسبة بوست فيس النخبة.

وهل أنت ضامن استمرار العمالة المصرية بالخارج إلى ما لا نهاية فى ظل عمليات إحلال مواطنى دول الخليج مثلاً محل الموظفين والعمال وأغلبهم مصريون؟.

وهل فى ظل تدنى مستوى تدريب العمالة المصرية مقارنة بالفلبين والهند هل ستستمر الأسواق؛ خصوصًا العربية فى استقبال العمالة المصرية؟.

وهل سلاح القوة البشرية الذى يستخدمه الآخرون ضدك فى ظل أى خلاف سياسى ويقومون بترحيل مئات الآلاف من العمال ويعودون ليفترشوا الأرصفة والميادين ويضغطوا على اقتصادك بحثًا عن فرصة عمل يتساوَى مع سلاح شريان قناة السويس والذى لو تم إغلاقه لأى سبب لأصيب العالم بـ «أزمة قلبية»؟.

ولماذا أغفل النخب قوة سلاح القناة الرادعة؟

لماذا أغفلوا ارتباك حركة التجارة فى العالم وارتفاع أسعار الطاقة لمجرد توقف القناة عن العمل لمدة خمسة أيام بسبب السفينة إيفر جيفن التى سدّت مدخل القناة؟.

لماذا يتم نزع الوزن النسبى للقناة؛ حيث يمر بها أكثر من %12 من حجم حركة التجارة العالمية من هذه المقارنة المضحكة؟.

المشكلة الأكبر أن قطاعًا ضخمًا من الناس يتعاملون مع قناة السويس بـ اعتبارها «كارتة» طريق إسكندرية تدفع عشرة جنيه وأنت داخل البوابة وعشرة جنيه وأنت خارج وحتى بعد افتتاح قناة السويس الجديدة كان التعامل معها على أنها مجرد توسيع حارة- عشان الطريق يبقى رايح جاى- وهى نفس نظرية الكارتة وللأسف هى دى الكارثة.

مصر تعاملت طوال تاريخها مع قناة السويس بنظرية لمّ الكارتة مجرد مَمَر ملاحى تَعبر فيه السُّفن ومصر تأخذ رقم نظير مرور السُّفن وفقًا لحجمها وحمولاتها 

فى حين قامت دول أخرى فى المنطقة- وليست فى موقع حيوى مثل قناة السويس- بتحويل أحد موانيها إلى منطقة خدمات لوچستية أثمرت عن تحقيق أرباح فاقت أرباح مصر من قناة السويس. 

عندما فكر الرئيسُ «السيسى» فى إنشاء قناة السويس الجديدة كان ينطلق من فكرة ضرورة أن تتحول قناة السويس إلى منطقة خدمات لوچستية حتى تحدث طفرة فى إيرادات القناة.

جماعة وجدى غنيم وطشته وداعموه هاجموا المشروع بالأمر المباشر.

بعض النخب أو المستنخبين هاجموا المشروع دون وعى ودراسة فقط نكاية فى الدولة وشعور لذيذ بالدونية.

المشروع ليس ازدواجَ طريق ملاحى بحرى؛ بل هو مشروع لتصبح منطقة قناة السويس منطقة خدمات لوچستية عالمية.

البعض سيسأل زَهّقتنا من كلمة لوچستية ماذا تقصد- الصراحة عندهم حق، أنا نفسى زهقت-  منطقة لوچستية تعنى منطقة وسيطة بين الدول المُصدرة والدول المستوردة بها أماكن لصيانة السُّفن واستراحات للتزود بالوقود وفنادق للسياحة السريعة ومجموعة مصانع ومجموعة أرصفة للشحن والتفريغ وغيرها.

السُّفن تخرج من الصين متجهة إلى أوروبا أو العكس تتوقف فى مصر للاستراحة والصيانة والتزود بالماء والوقود والغذاء وحتى السياحة السريعة ثم تستكمل طريقها.

القناة فى اللحظة الحالية بها مناطق صناعية مستأجَرة مثل المنطقة الصناعية الروسية فى شرق بورسعيد باستثمارات 7 مليارات دولار لإنتاج السيارات والأدوية والمعدات، وبها أيضًا المنطقة الصناعية الصينية تيدا بالعين السخنة، وحاليًا هناك مفاوضات مع 100 شركة صينية لإقامة مشروعات بحجم استثمار يصل إلى 3 مليارات دولار تقريبًا، وهناك مفاوضات مع شركات من فرنسا وبولندا والإمارات لإنشاء مناطق صناعية ولوچستية.

المصانع الموجودة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس سيعمل بها آلاف العمال وتصبح نقطة انطلاق لتصدير السلع تامة الصنع من مصر إلى دول العالم.

هذا المشروع عند اكتماله هو من سيرفع إيرادات القناة إلى أكثر من 100 مليار دولار وليس ازدواج الطريق هو من سيحقق الطفرة.

على الجانب الآخر تتعامل مصر مع قناة السويس بـ اعتبارها استثمارًا مستقبليًا غير مطلوب منافسته أو التقليل منه، لذلك لمّا بدأ فى الأفق المشروع الإسرائيلى لربط ميناء إيلات بالبحر المتوسط قامت مصر بتوسيع القناة وعمل قناة السويس الجديدة 

وفى الوقت نفسه تأسيس السكة الحديد الجديدة للقطار السريع الذى سيربط بين العين السخنة وميناء جرجوب وميناء الإسكندرية كمَرحلة أولى ثم سيمتد إلى أسوان والغردقة كمَرحلة ثانية.

وهو الخط الذى هاجمه المستنخبون كالعادة واصفين إياه بأنه معمول خصيصًا لرجال الأعمال وكأن رجال الأعمال الذين يملكون أحدث السيارات والطائرات واليخوت ينتظرون الدولة ليركبوا قطارًا ينقلهم من العين السخنة إلى الإسكندرية فى ساعتين 

مع أن الخط مخصص فى الأساس لنقل البضائع من ميناء السخنة إلى ميناء جرجوب المواجه لليونان لسهولة نقل البضائع وقَطع الطريق على خط إيلات الإسرائيلى ونقل البضائع من جرجوب إلى كيب تاون عبر السودان عندما يكتمل خط «الإسكندرية- كيب تاون».

هناك معلومة لا بُد أن تضعها فى الاعتبار عندما تقرّر أن ترى المشروعات التى يطرحها الرئيسُ؛ لا بُد أن تحاول أن يكون لديك نظرة كلية حتى تستطيع أن تقرأ المشهد جيدًا.

مصر لديها قناة سويس مزدوجة ومناطق اقتصادية وخطوط سكك حديدية من مناطق الإنتاج إلى مناطق التصدير وشبكة طرُق برّيّة تربط بين كل الموانئ ومناطق الإنتاج وأرصفة بَحرية للشحن والتفريغ وترسانات بَحرية للتصنيع والصيانة.

لو جمعنا كل عناصر هذه الصورة مثل الموزاييك لأصبحنا أمام سنغافورة جديدة وسنشتهر بصناعة الشحن والتفريغ والحاويات وسنتفوق لأننا فى موقع القلب من العالم غصب عن طشت السيدة أمّ وجدى وغصب عن بعض النُّخَب الذين يعشقون الدونية ويتمنون الفشل لبلدهم.