الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صفعة جديدة للتنظيم ضمن موجات تسونامى متلاحقة تضرب الإسلام السياسى فى المنطقة: الانتخابات المغربية تدق المسمار الأخير فى نعش «الأحزاب الإخوانية»

فى موجة تسونامى جديدة ضمن الموجات المتلاحقة التى تضرب تيار الإسلام السياسى فى المنطقة، تلقت جماعة الإخوان المترنحة ضربة قاضية فى المغرب بعد 10 أعوام من قيادة المشهد السياسى فى المملكة؛ حيث جاءت صناديق الاقتراع لتضع نهاية لحزب «العدالة والتنمية» الإخوانى، وتدق المسمار الأخير فى نعش الجماعة عبر هزيمة مدوية خالفت التوقعات فى الانتخابات التشريعية التى أجريت 8 سبتمبر الجارى.



 

 فلم يحصل الحزب الإخوانى إلا على 12 مقعدًا فقط مقابل 97 مقعدًا لحزب «التجمع الوطنى للأحرار»، فى وقت كان محللون يروجون لإمكانية الفوز أو الحلول فى المراتب الأولى على الأقل.

وعكست هذه الخسارة رغبة الشعب المغربى؛ بل وشعوب المنطقة العربية كلها فى وضع نهاية العصور المظلمة للأحزاب «الإخوانية» بعد أعوام عانى فيها الكثيرون من الفساد وسوء الإدارة وتغييب الكفاءات الوطنية إلى جانب أچنداتهم المقسّمة والمدمرة للبلاد العربية.

 الصفعة الأخيرة

حصل حزب «العدالة والتنمية» على 12 مقعدًا فقط (من أصل 395 مقعدًا فى البرلمان) مقابل تصدر حزب «التجمع الوطنى للأحرار» الليبرالى بـ 97 مقعدًا، وفى المرتبة الثانية فاز حزب «الأصالة والمعاصرة» بـ 82 مقعدًا، وحزب الاستقلال بـ 78 مقعدا، والاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية 35 مقعدًا، وحزب الحركة الشعبية 26 مقعدًا، وحزب التقدم والاشتراكية 20 مقعدًا، والاتحاد الدستورى 18 مقعدًا.

وبموجب الدستور المغربى يتم إعلان رئيس الوزراء الغربى الجديد ضمن أعضاء الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد، وتتم تسمية عزيز أخنوش رئيس حزب «التجمع الوطنى للأحرار» رئيسًا للحكومة الجديدة، خلفًا لسعد الدين العثمانى.

وكعادة الأحزاب الإخوانية، شكك «حزب العدالة والتنمية» فى نتائج الانتخابات المعلنة، مدعيًا وجود «مخالفات خطيرة» أثناء عمليات التصويت؛ حيث اتهم منافسيه بشراء الأصوات.

وقال الحزب: «نحن قلقون للغاية ونحن نراقب تقدم الانتخابات الوطنية، لقد شهدنا العديد من المخالفات».

لكن وزير الداخلية المغربى عبدالوافى لفتيت أكد أن «عملية التصويت مرت بصورة طبيعية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة التى لم تؤثر على سيرها». مشددًا على «الاحترام التام لسرّيّة الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء بحضور ممثلى لوائح الترشيح».

من جهته، قدّم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، سعد الدين عثمانى، استقالته من زعامة «حزب العدالة والتنمية». وجاءت الاستقالة بعد أن دعا عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب عثمانى للاستقالة إثر «هزيمته المؤلمة» للحزب فى الانتخابات البرلمانية.

وفى رسالة تحمل توقيعه عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، قال بنكيران: «بصفتى عضوًا بالمجلس الوطنى للحزب، وانطلاقًا من وضعى الاعتبارى كأمين عام سابق للحزب، وبعد اطلاعى على الهزيمة المؤلمة التى مُنى بها حزبنا بالانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا فى هذه الظروف الصعبة إلّا أن يتحمل السيد الأمين العام مسئوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب».

وتاتى الصفعة المغربية بعد تجارب مصر والسودان وتونس، فى هزيمة أحزاب «الإسلام السياسى»، وهى بذلك بمثابة الانهيار الأخير للتنظيمات الإخوانية فى المنطقة؛ حيث ستمتد تأثيراتها حتى لأقصى الدول بُعدًا عن المغرب العربى، فى مختلف بلدان المشرق العربى، وستعيد التفكير والأحكام والرؤى حول كل تجارب الإسلام السياسى فى المنطقة بشكل عام والإخوانى بشكل خاص، من جهة تداخلاته التنظيمية والعضوية، وعلاقته البينية ومصائره المشتركة.

أسباب الهزيمة

مع رحيل «العدالة والتنمية» عن رئاسة الحكومة، يكون المغرب قد وضع حدًا عبر صناديق الاقتراع لوجود الإسلام السياسى فى السُّلطة، الذى استطاع أن يستحوز عليها عقدًا كاملاً، والذى لم يستطع من خلال سيطرته على الحكومة والمقاعد السيادية فى الدولة أن يستثمر تلك الفرصة لتعزيز شعبيته؛ بل فقَد الكثير من بريقه داخل الطبقات التى كانت تصوّت له، وكانت تعتقد أنه يمكن أن يشكل بديلا حقيقيًا لبقية الأحزاب فى قيادة البلاد إلى جانب القصر فى مرحلة جديدة.

ولم يتصور المراقبون أن تكون هزيمة «العدالة والتنمية» بهذا الحجم. واعتبرت انتكاسة حقيقية لأول حزب إسلامى يتولى المسئولية الحكومية فى المغرب؛ حيث قلصت هذه الانتخابات حجمه السياسى بشكل قياسى.

وأوضح الخبير الدستورى المختصص فى الشئون البرلمانية والحزبية المغربية رشيد لزرق، فى حديث صحفى، أن الانتخابات أعادت حزب «العدالة والتنمية» إلى مرحلة بداياته عام 1997 كحزب صغير إذ نجح وقتها فى تحقيق اختراقات بالمؤسّسات المنتخبة إلى أن انتزع رئاسة الحكومة عام 2011.

كما أوضح الباحث المتابع لشئون الحركات الإسلامية أحمد خيرى درويش، فى حديث صحفى، أن أبعاد وخصوصية التجربة المغربية أكد نبذ الشعوب العربية لحركات الإسلام السياسى بعد أعوام من حكمها فى بعض المناصب السيادية والحكومية فى مختلف الدول العربية، وأوضح أن الجماعة الإخوانية عندما كانوا يتعرضون لمواجهة فكرية وسياسية فى أى من الدول الشقيقة، عادة ما كانوا يضربون مثلًا بالتجربة المغربية كنموذج برّاق يعتبرونه الأكثر فاعلية فى مختلف تجاربهم، «فالحزب الإخوانى فى المغرب لم يأتِ نتيجة احتجاجات شعبية ضد الدولة مثل السودان، ولم يحاول الانقضاض على أسُس الدولة كما حدث فى مصر، ولا تسبب بانهيار وشلل الحياة العامة كما فى تونس، وبذلك كانوا يعرضونه كنموذج مثالى لنجاح تجربتهم».

وأضاف الباحث السياسى: «بعد هذه الهزيمة المريعة للحركة الإخوانية المغربية، تم تأكيد أن العمر السياسى لهذه الحركات لا يُمكن أن يتجاوز العقد الواحد، حتى تكتشف القواعد الاجتماعية الفارق الهائل بين ادعاءات وخطابات هذه الأحزاب، وبين توجهاتها وسياساتها الموضوعية على أرض الواقع، وهو أمر جرّبته المجتمعات فى كامل بلدان الشرق العربى، من مصر إلى المغرب، مرورًا بليبيا وتونس، وسيكون لذلك تأثيرٌ تفصيلىٌ ودائمٌ على المحاولات الإخوانية فى البلدان المشرقية، بالذات سوريا والعراق ولبنان والأردن، وبالطبع فلسطين».

 مستقبل ديمقراطى

قال عضو الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكى للقوات الشعبية بمراكش، جواد الدادسى، إن تصويت المغرب «هو إعلان عن اختيار واضح لمشروع بمعالم مستقبلية، يتمثل فى التشبث بمغرب حُرّ يتوجه للمستقبل ويرفض ثقافة الموت وأعداء الحياة». موضحًا، خلال تصريحات صحفية، أن الشعب المغربى وجد نفسه ينزلق وراء التصريحات الرنانة للأحزاب الإخوانية، وأن هذه الصفحة يجب أن يتم طيُّها بعد أعوام من «التضليل والشعبوية السياسية التى لم تخلق فى الماضى إلا عزوفًا ورِدّة حقوقية استثنائية فى زمن سياسى عبثى استثنائى».

ويرى عضو المكتب التنفيذى لمنظمة الشبيبة الحركية (تابع لحزب الحركة الشعبية)، رجب ماشيشى، أنه «بعد زوال واضمحلال الخطاب الإسلامى بالمغرب؛ فإن المرحلة تحتم بروز رهانات سياسية جديدة، من شأنها التأسيس لمغرب ديمقراطى يتسع لفلسفة القيم، المبنية على الديمقراطية والمناصفة والعدالة الاجتماعية».

من جهته، أوضح الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، على لطفى، أن «المرحلة السابقة التى أدار فيها حزب العدالة والتنمية الشأن العام والشأن المحلى، كانت مكلفة جدًا للمغرب على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والبيئى؛ حيث راكم خلالها عدة اختلالات ومشاكل عمقتها جائحة كورونا». مضيفًا إن «التصويت العقابى للجماعة الإخوانية كان معبّر جدًا فى هذه الانتخابات»، ويعتبر إشارة قوية للمستقبل الديمقراطى للمغرب.

ويشير المحلل السياسى المغربى محمد الغلبزورى، فى تصريحات إعلامية، إلى أن برنامج حزب التجمع الوطنى للأحرار، الذى فاز بالمرتبة الأولى فى الانتخابات، يرتكز بشكل كبير على الملفات الاجتماعية؛ خصوصًا التشغيل والصحة والتعليم، وهو برنامج يختلف عن باقى برامج الأحزاب الأخرى بكونه يتضمن مؤشرات مرقمة ودقيقة «الشىء الذى سيسهل على الشعب محاسبة هذا الحزب إذ لم يحقق وعوده».

ولفت الغلبزورى، أنه بانتهاء 10 سنوات من حكم الإسلاميين «تخلص المغرب من الحزب الذى عذبه طيلة ولايتين متتاليتين». مشيرًا إلى أن «هذه الفترة كشفت عن نفاق قادة هذا الحزب».