السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إحباط أوروبى من الانسحاب الأمريكى: نهاية غير سعيدة

أثار الانهيار السريع للعاصمة الأفغانية «كابول» وسقوطها فى قبضة حركة طالبان، موجات صادمة فى جميع أنحاء «أوروبا»، وأثار نقاشاً حاداً بين القادة الأوروبيين، حول تداعياته على الشراكة عبر الأطلسى.



وأدى الانسحاب الأمريكى إلى ردود فعل عنيفة من قبل القادة الأوربيين، حيث لم تستشر «واشنطن» حلفاءها حينما اتخذت القرار، الذى كان مدفوعاً باعتبارات سياسية محلية، كما أعرب عدد كبير من حلفاء «الولايات المتحدة» عن استيائهم من عدم مراعاة نصائحهم. ناهيك عن أولئك، الذين يشعرون بقلق من العواقب الإنسانية الوخيمة التى حدثت، ومن المرتقب حدوثها.

أسبوع قاسٍ مر على المشهد الأفغانى الداخلى، حينما بدأ الرئيس الأمريكى «جو بايدن» بتنفيذ وعده بسحب القوات الأمريكية من «أفغانستان»، وفى الوقت ذاته، أجبر التحرك الأمريكى السريع بعض الدول على إعادة ترتيب أوراقها، من أجل الخطوة القادمة.

إحدى الزوايا المهمة، التى ركز عليها المحللون السياسيون، هى مدى تأثر العلاقات (الأمريكية-الأوروبية)، فور الانسحاب من الأراضى الأفغانية، بعد مرور عقدين على التوغل هناك، فعندما أعلن «بايدن» عن نيته فى أبريل 2021 سحب القوات، شعرت الدول الأوروبية أنها أمام أمر واقع، تواجه فيه العديد من التحديات، بداية من قواتهم على الأراضى الأفغانية، بالإضافة إلى اعتمادهم على جهود القوات الأمريكية هناك.

رد فعل

كانت «المملكة المتحدة» أكثر المحبطين من الانسحاب الأمريكى باعتبارها الشريك الأكبر للولايات المتحدة، إذ شعرت «بريطانيا» أنه تم التخلى عنها، بنفس الطريقة التى نُفذت مع الدول الأوروبية الأخرى.

واتهم رئيس لجنة الدفاع البرلمانية البريطانية، الحكومة البريطانية بالفشل فى الوقوف فى وجه «الولايات المتحدة»، بشأن الانسحاب الفوضوى والعنيف لقواتها من «أفغانستان»، بعد انتصار «طالبان».

ومن جانبه، أعلن عضو البرلمان البريطانى «توم توجندهات» أن نهاية الحرب (مأساة)، ولن تؤدى إلا إلى مزيد من الحرب، مشدداً على أن المشكلة تكمن فى قلة الصبر؛ فيما وصف رئيس الوزراء البريطانى الأسبق «تونى بلير» أن قرار إنهاء الحرب (مأساوى، وخطير، وغير ضرورى). كما قال وزير الدفاع البريطانى «بن والاس»: إن هذا يعد (فشل المجتمع الدولى).

أما رئيس الوزراء البريطانى «بوريس جونسون» فأعرب، فى بيانه، عن أسفه لطريقة الانسحاب من «أفغانستان»، قائلاً: «لم نكن نرغب فى المغادرة بهذه الطريقة». وأشار إلى إجباره من قبل «الولايات المتحدة»؛ محاولاً تهدئة حدة الانتقادات البريطانية.

وعلى المستوى الأوروبى، ورد أن الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، انتقد «بايدن» عبر الهاتف، من أجل إظهار مسئولية أخلاقية أكبر؛ فيما وصف المرشح المحافظ لمنصب المستشارة الألمانية، «أرمين لاشيت» الانسحاب بأنه: «أكبر كارثة عانى منها الـ(ناتو) منذ تأسيسه». ورغم عدم انتقاد المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركيل» للرئيس الأمريكى علناً، فإنها أوضحت أن التطورات الأخيرة فى «أفغانستان»، كانت (مريرة، ومثيرة، ومرعبة)، وفقاً لوسائل الإعلام الألمانية.

 أسباب الخلاف 

يرجع سبب الخلاف بين «أوروبا» و«الولايات المتحدة» إلى قلق الأولى من عواقب قرار الثانية.. فعلى المدى القريب، تخشى العديد من الدول الأوروبية أن يكون للانسحاب السريع من «أفغانستان» آثار مزعزعة للاستقرار، تؤثر بشكل مباشر على مصالحها الأمنية.

ونظر الكثير من مسئولى «أوروبا» إلى هذا الحدث على أنه لحظة محورية فارقة، وفقاً لأستاذ العلاقات الدولية فى «جامعة هارفارد»، «ستيفن إم. والت»، الذى أوضح أن الإحباط الأوروبى نابع عن خيبة أملهم فى بناء الدولة الأفغانية، ووصول الأمر إلى نهاية غير سعيدة.

وأشار إلى قلق النخب السياسية الأوروبية من القوة العسكرية الروسية، وتدخلها السياسى، بعد خروج «الولايات المتحدة» من مستنقع الحرب الأفغانية، بالإضافة إلى رؤية العديد الأوروبيين، بأنهم ليسوا مهمين لحليفتهم «الولايات المتحدة»، مثلما كانوا فى السابق، إذ كانت «أوروبا» محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة فى معظم القرن العشرين، خاصة خلال (الحرب الباردة).

لكن، بعد انهيار الشيوعية، وصعود «الصين» وبعض دول «آسيا»، ثم حروب ما بعد (11 سبتمبر)، وحملات مكافحة الإرهاب، حولت أولويات السياسة الأمريكية إلى أماكن أخرى. وكان الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب»، أول رئيس أمريكى يعبر عن هذه الأفكار بشكل علنى.

سبب آخر يقلق الأوروبيين من عدم الاستقرار فى محيطهم بشكل عام، و«أفغانستان» بشكل خاص، هو تعرضهم إلى تدفقات جديدة من اللاجئين، التى قد تتسبب فى ظهور عدة أزمات، ومنها: حدوث خطر أكبر من الإرهاب، التى تكون «الولايات المتحدة» معزولة عنها جزئياَ؛ أو حدوث أزمة شبيهة لما سببته (أزمة اللاجئين فى عام 2014) .

 نتائج الانسحاب

من المرجح أن يكون للانسحاب من «أفغانستان» آثار فورية، وطويلة المدى أيضاً على «أوروبا»، و«حلف شمال الأطلسى»، والعلاقات عبر الأطلسى، وفقاً لـ«راشيل إلهوس» نائبة مدير (برنامج أوروبا، وروسيا، وأوراسيا) فى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، و«بيير موركوس» كبير الباحثين بنفس البرنامج.

ففى الوقت الحالى، كشفت أزمة «أفغانستان» عن العديد من الحقائق المزعجة للعلاقات عبر الأطلسى، إذ اكتشف الأوروبيون عدم قدرتهم على تغيير القرار فى «الولايات المتحدة»، وعجزهم عن الدفاع عن مصالحهم أيضاً، مثل: إجلاء مواطنيهم، وحلفائهم من الأراضى الأفغانية، دون دعم من «واشنطن».

كما تحسر بعض السياسيين الأوروبيين على الفجوات الكبيرة فى الجاهزية، والقدرات، بداية من التزود بالوقود جواً، إلى الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية، أو النقل الاستراتيجى، نتيجة لعدم الاستثمار الكافى فى الدفاع.

ورغم مواجهة «الولايات المتحدة» لآثار الانسحاب، فإن واقع الجغرافيا، يضع «أوروبا» فى خط المواجهة مباشرة، لذلك ليس من المستغرب أن الرئيس الفرنسى «ماكرون» شدد فى خطابه على إعداد أنفسهم لتدفق الهجرة غير النظامية. فيما شعر آخرون بالقلق من زيادة تجارة المخدرات غير المشروعة، أو عودة صعود اليمين إلى الظهور بقوة فى «أوروبا»، بسبب ضغوط الهجرة.

ومن جانبه، أكد المستشار الخاص السابق لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكى لشئون «أوروبا، وأوراسيا»، «جيريمى شابيرو»، أن الدرس الأساسى من الانهيار فى «أفغانستان» بالنسبة للأوروبيين، لا يتعلق بنقص التشاور، أو حتى الكفاءة الأمريكية، بقدر ما يتعلق بأن «بايدن»، هو الرئيس الأمريكى الثالث على التوالى، الذى أظهر أن بلاده لم تعد تراقب العالم، أو تستخدم سلطتها لدعم الهدف المتمثل فى الاستقرار فى المناطق النائية. ومن هنا، وجدت «أوروبا» نفسها عالقة فى خضم منافسة جيوسياسية، تضم جهات فاعلة فيها كل من: «الصين، وروسيا، وباكستان»، من بين دول أخرى.

أما على مستوى «حلف شمال الأطلسى»، فتتعرض «الولايات المتحدة»، وحلفائها فى (الناتو)- حالياً- لخسارة استراتيجية، بعد الانتكاسات فى «أفغانستان»، ومن قبلها: «العراق، وليبيا، وسوريا، ومنطقة الساحل»، وغياب التفكير الأوروبى فى هذه الموضوعات. 

لذلك، فمن المرجح أن يكون الحلفاء أكثر تمييزاً بشأن متى، وتحت أى ظروف، ينضمون إلى العمليات؛ وقد يسعون للحصول على تأكيدات من حيث الدعم، أو طلب دور أكبر فى تشكيل المهمة، أو قيادتها. وقد ينجذب الحلفاء نحو تحالفات أكثر مرونة من الراغبين فى الانضمام للحلف. 

أما على مستوى العلاقات الثنائية، وتحديداً العلاقات (الأمريكية-الألمانية)، التى شهدت توترًا خلال الأربع سنوات الماضية، فى عهد الرئيس الأمريكى السابق «ترامب»، فقال الخبراء إن الأزمة الحالية فى «أفغانستان» يمكن أن تصب الزيت على النار، لأنها تمثل مشكلة للمصداقية السياسية، والأخلاقية للدول الغربية.