الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
العصر الحالى يفرض التجديد

العصر الحالى يفرض التجديد

دأب بعضُ المخادعين المصابين بجنون العظمة على استغلال العديد من شبابنا باسم الدين، وذلك بتغييب عقولهم من خلال ترديد خطاب دينى ملىء بالكراهية والتطرف يخدم فى المقام الأول تحقيق أهدافهم بالوصول إلى الحُكم، خطاب ليس له أدنَى علاقة بالدين الإسلامى السمح الذى يسير على هداه جميع المصريين، ويتحدث عن الجهاد ومشروعية إراقة الدماء لنيل مقعد الحُكم المبتغى، لذا ليس بمستغرب فى أن يبيح هذا الخطاب إهدار دم أبناء الوطن من رجال القوات المسلحة والشرطة، وأن يبيح حرق الكنائس وانتهاك حرمة المساجد التى احتلوا منابرها فى غفلة من الزمن، مرددين من خلالها مجموعة من فتاواهم الكاذبة وأفكارهم العقيمة عن الجهاد وفتوحات الإسلام وغزواته وحتمية محاربة المشركين من أبناء الوطن وقتلهم إذا لزم الأمر.. بالمناسبة يُعد اعتلاءُ المنابر وإطلاق الفتاوَى من خلالها، من أهم وأبرز أدوات الجماعات المتطرفة لبث سمومها بين شبابنا، بالطبع لم يخلُ هذا الخطاب من بعض التوابل والبهارات الممثلة فى بعض الفتاوَى المصنعة خارج حدود الوطن للترويج والشو الإعلامى لمواكبة عصر الإنترنت والسوشيال ميديا، مثل إباحة نكاح الزوجة المتوفاة مرورًا بنكاح الوداع والجهاد، حتى وصلنا إلى فتوَى التصريح للرجل بمضاجعة البهائم التى استندت إلى معلومات موجودة فى كتب الفقه، وفتوَى حق المرأة العاملة فى إرضاع زميلها فى العمل منعًا للخلوة المحرمة؛ لأنه فى حال وجود المرأة وزميلها الرجل فى غرفة مغلقة وتقتضى ظروف العمل ذلك فعليها أن تقوم بإرضاعه خمس رضعات تبيح لهما الخلوة ولا تحرم الزواج، مع حق المرأة فى خلع حجابها أمام من أرضعته وتوثيق هذا الإرضاع رسميًّا!



 هذا بخلاف فتاوَى مثل جواز زواج المسلمة من غير المسلم، وأن عدم ستر شعر مومياء عند نقلها يثير الفتن والغرائز، مثلها فى ذلك مثل التماثيل العارية التى تؤدى إلى نفس النتيجة، ليبدو الأمر وكأننا شعب لا يبحث سوى عن الجنس، وأن الجزء الأسفل من أجسادنا هو الأولى بالاهتمام والرعاية.

 هناك أيضًا فتاوَى أخرى غريبة مثل تلك الفتوَى التى أطلقها ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية؛ حيث أجاز للزوج ترك زوجته لمغتصبها، إذا خشى على نفسه من الموت، وفتوَى المدعو مرجان الجوهرى، الذى أفتَى بإباحة تدمير الأهرامات وأبو الهول والمعابد الأثرية؛ لأنها أصنام وتماثيل من زمن الجاهلية، وفتوَى جواز تلصُّص الشاب على خطيبته خلال استحمامها ليشاهد منها ما يمكن رؤيته ويجعله يقرر الزواج منها، بشرط أن تكون نيته بالفعل الزواج منها وعدم تركها، وفتوَى تحريم تناول المرأة للموز والخيار حتى لا تضطر المرأة إلى مسكها وتهتاج جراء إمساكها شيئًا يشبه القضيب، الحال نفسه ينطبق على الكوسا والجزر.. هناك فتاوَى أخرى لم يكن لها من وجود على أرض الواقع فى مجتمعنا المصرى وديننا الإسلامى، مثل القول بأن عدم تهنئة الأقباط بأعيادهم من المحرمات، وأن الوقوع فى الحب خطيئة، والغناء ومشاهدة التليفزيون حرام، وفتوَى أن الرجل لا يأثم بالنظر إلى المرأة المتبرجة؛ لأنها أسقطت الرخصة التى منحتها لها الشريعة الإسلامية، بينما لا بُدّ من استئذان المرأة المحجبة للنظر إليها؛ لأن لها رخصة.

للأسف كثير من هذه الفتاوَى صادرة عن أساتذة ينتمون لمؤسّسة الأزهر والذين يقومون بحُكم وظيفتهم بالتدريس لأئمة ودعاة المستقبل، وبعضها الآخر صادر عن منتمين لتيارات سلفية متطرفة، إلا أنها فى النهاية فتاوَى تطالب بتغييب العقل للسيطرة على شبابنا، أصحابها أو حتى بعضهم يدعون السماحة وحُسن النيّة فى العلن بغرض نشر الدين الإسلامى الذى هو منهم ومن أمثالهم براء، أمّا فى الخفاء فهى تطالب بالجهاد وتحلل سفك الدماء، ولا مانع وقتها أن يذهب بسببها شباب فى مقتبل العمر إلى حبل المشنقة، بعد أن تم اختزال ديننا الإسلامى السمح فى الجهاد وقتل الأبرياء لتصل بمردديها إلى مقعد السُّلطة والحُكم، متناسين أن الإسلام دين دولة، وليس دين سُلطة، مستغرقين بقصد وتعمّد عقولنا فى فتاوَى تافهة لتجعلنا لا نفكر فى صالح مجتمعنا وتقدمه، غافلين بغبائهم وجهلهم المعتاد أن فى عصر الإنترنت أصبح ما يرددونه مكشوفًا للبعيد قبل القريب وبالتالى لن يكون له وجود على أرض الواقع .. لهذا على القائمين على مؤسّساتنا الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف وبمشاركة فعالة من جميع أجهزة الدولة والإعلام والثقافة؛ مواجهة هذا الفكر والدعاوَى المتطرفة التى استغلت خلو الساحة لهم ولأمثالهم بتقديم خطاب جديد نابع من القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة، (لا يعتمد فى مرجعيته على التراث الذى يُعد جهدًا بشريًّا قد يُصيب أو يُخطئ)، خطاب يعتمد على دعاة بحق وحقيقى يشرف بهم الأزهر، دعاة يؤكدون قيم وآداب ديننا الوسطى السمح حتى يمكننا أن نقدم صورة راقية للإسلام فى جل أرجاء العالم، إسلام يلتف حوله الناس ولا يلفظونه أو يهاجمه أحد، إسلام العقل والبحث، والتفكير وتقديم الخير والنماء، لا الدمار والخراب.