الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و1/2.. نجيب محفوظ: أكتب قصة تعيش يومًا واحدًا!

كلمة و1/2.. نجيب محفوظ: أكتب قصة تعيش يومًا واحدًا!

أديبنا الكبير نجيب محفوظ والذى احتفلنا، قبل أيام بذكراه الخامسة عشرة، كيف كان يرى الخلود؟ الكل يتحدث عن الزمن باعتباره المقياس الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وصارت صفة الخلود ملاصقة لأديبنا الكبير.



 لدى حوار أجريته عام 1984 - قبل حصوله على نوبل-  فى مجلة (الوادى)، وهى مجلة مصرية سودانية، أصدرتها مؤسّسة (روزاليوسف)، كان يرأس تحريرها من الجانب المصرى الفنان التشكيلى الكبير هبة عنايت، ومدير التحرير الكاتب الكبير عادل حمودة.

أجاب نجيب محفوظ فى الحوار عن هذا السؤال قائلاً: (لا أفكر فى الخلود)، فكرة الحوار قائمة على أن أجمع أسئلة من كبار الأدباء والنقاد أوجهها إلى نجيب محفوظ، وكان من بينها سؤال الكاتب المسرحى الكبير الراحل نعمان عاشور، ومن أشهَر مسرحياته (الناس إللى تحت) و(عيلة الدوغرى) و(المغناطيس)، وأنقل لكم هذا المقطع كما نشرته بالحرف الواحد، حرصت فيه أن أمارس دور المحاور المحايد، أتدخّل فقط لضبط الإيقاع.

(نعمان) هل تعتقد حتى الآن وبعد الإنجاز الضخم الذى حققته فى الرواية العربية أن أعمالك الكبيرة لا تستحق الخلود، كما تقول دائمًا لكل من سألك هذا السؤال، فهل تنكر ذلك على نفسك من باب التواضع، مع أن الإجماع أنك ضمنت البقاء الطويل بأعمالك الروائية؟ 

(نجيب) الخلود بالنسبة للأديب حلم الشباب، إنما بتقدّمه فى السّن ويقينه أنه أيضًا سيتلاشى يخفت هذا الحلم، الوقع أن ما يهمنى من عملى هو أن يبقى فى وجدان المعاصرين الذين أخاطبهم، أستلهم الواقع وأخاطب أناسًا يتفاعلون مع الحياة، نتفاعل معًا بطريقة ما، ولا يهمنى أن تتفاعل كتاباتى مع الآخرين؛ لأن الآخرين سيأتون ومعهم كتاباتهم، يهمنى النجاح المعاصر، توجد خرافة مع الأسف لبعض الكتّاب أنه لا يهتم بالحاضر على أساس أنه بعد وفاته سوف تعرف الأجيال قيمة عمله، إيه القيمة هنا دى تبقى (قلة قيمة)!!

(طارق) ولكن هذا الكلام لا ينفى أن العمل الفنى العظيم يحمل فى داخله عوامل البقاء، مثلًا مؤلفات شكسبير وإبسن وموليير والقائمة طويلة؟ 

(نجيب) خلود رسمى يا (طارق)، النقاد والأساتذة يقررون هذه الأعمال على الطلاب، ولكن القارئ العادى لا يعرف غير الكاتب المعاصر، رجل الشارع لا يعترف بالخلود الرسمى، وأضاف: أنا لا أتردد فى أن أكتب قصة عمرها مثل افتتاحية الجريدة «يوم واحد»!!

انتهت كلمات أديبنا الكبير وبالطبع الحوار كانت به مناطق شغب كثيرة أثارها عدد من الكتّاب مع نجيب محفوظ، ليس الآن مجال استعادتها، وتظل رؤية أديبنا الكبير للخلود تتناقض مع الواقع الذى نعيشه، نجيب محفوظ كان يرى، أن أعماله لن تصمد للأبد مع الزمن، وإن كل جيل سيطرح فنًا وأدبًا مغايرًا، يتوافق مع إيقاع الناس.

‎هل لدينا أرقام موثقة عن السوق الأدبية والفنية وإلى أين يتجه (الترمومتر)، وما هى مثلا نسبة مبيعات روايات محفوظ وإحسان والسباعى والغيطانى وغيرهم الآن، بالقياس لهذا الجيل؟ أنا مثلًا لا تزال تسكننى أغنيات أم كلثوم، وأستمع إليها بشغف ونشوة، هل أنا أمثل القطاع الأكبر من الناس أمْ أننى أعبر عن الأقلية؟ جزء لا بأس به من أغنيات (السّت) ذهب للأرشيف فى إقامة دائمة، تابعوا معى هذا الرقم من أوراق جمعية المؤلفين والملحنين، من بين 10 أغانٍ لأمّ كلثوم تحقق الأرقام الأعلى فى الترديد عبر كل الإذاعات والفضائيات 6 أغنيات تلحين بليغ حمدى وهى: (سيرة الحب) و(بعيد عنك) و(فات الميعاد) و(ألف ليلة وليلة) و(أنساك) و(حب إيه)، وعبدالوهاب 3 أغنيات (أنت عمرى) و(فكرونى) و(أمل حياتى)، وللسنباطى فى قائمة العشرة (الأطلال)، عندما تعلم أن بليغ لحن لأمّ كلثوم 11 أغنية، السنباطى رصيده نحو 200 أغنية، من الممكن مثلا أن تضيف 20 أو 30 أغنية أخرى ستعيش للسنباطى، هذا يعنى أن نحو 70 % من الأغنيات (الكلثومية) قد مات، وهو ما ينطبق أيضًا على كبار الأدباء.

‎هل كان خلودًا لا يعنى نجيب محفوظ؟ أظنه لم يبحث يومًا عن الخلود، ولكن الخلود هو الذى كان يبحث عنه!