الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الرئيس يصدق على تعديل بعض مواد قانون العقوبات لمواجهة هذه الظاهرة: قانون التحرش.. انتصار جديد للمرأة

يُعتبر التحرُّش الجنسى من الظواهر الخطيرة فى مصر، وهو شكل من أشكال العنف الجنسى والتمييز ضد المرأة الذى يُزيد من خوف المرأة من المجتمع ويقلل من الحريات الفردية والمشاركة الاجتماعية لها، كما له آثارٌ أخرى أكثر ضررًا مثل انعدام الأمن الاجتماعى والتأثير غير المباشر على الأسرة والمجتمع والاقتصاد.. فى السنوات العَشْر الأخيرة احتلت مصر مرتبة متقدمة فى قائمة الدول الأخطر على النساء فى العالم من ناحية التحرُّش الجنسى ووجدت الموجة الخامسة للباروميتر العربى أنه خلال فترة الاثنى عَشَر شهرًا الماضية أبلغ 42 فى المائة عن بعض المضايقات اللفظية و29 فى المائة عن بعض المضايقات الجسدية بين الجنسين؛ حيث أبلغت 63 فى المائة من النساء عن شكل من أشكال التحرُّش والعنف، وأبلغت جميع النساء الأصغر سنًا تقريبًا عن شكل من أشكال التحرُّش %90  من النساء فى سن 18-29 و%88 من النساء فى سن 30 - 39. 



اهتمام القيادة السياسية بظاهرة التحرُّش

الأمر الذى دفع القيادة السياسية إلى الاهتمام المتزايد بهذه الظاهرة واستكمالاً لمسيرة حماية المرأة ودعمها التى قد وضعتها الدولة ضمن أولويات استراتيچية التنمية صدَّقَ الرئيسُ «عبدالفتاح السيسى» على القانون رقم 141/2021 تعديل بعض مواد قانون العقوبات 58/1937 لمواجهة التحرُّش الجنسى، وتنص التعديلات على تشديد العقوبات على من يتحرّش بالآخرين فى الأماكن العامة أو الخاصة عن طريق التلميحات الجنسية سواء بالإشارة أو الأقوال أو الأفعال وسيعاقب الجانى بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألف جنيه أو بكلتا العقوبتين، وإذا كان الجانى له سُلطة مهنية أو عائلية أو تعليمية على الضحية أو مارَسَ أى ضغط على المجنى عليه أو إذا ارتكبت الجريمة من قِبَل اثنين أو عدد الأشخاص أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سبع سنوات وغرامة لا تقل عن 300 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه، كما سيواجه المتهم عقوبة مزدوجة فى حالة تكرار نفس الجريمة؛ وذلك بعد أن ناقش مجلس النواب المصرى فى يوليو الماضى تقريرًا أصدرته لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بشأن مشروع قانون قدّمه 61 نائبًا لتشديد عقوبة التحرُّش بالقانون النائب «أشرف رشاد» و60 آخرين، وأكدت اللجنة على أن مشروع القانون جاء وفق الدستور؛ وبخاصة المادة العاشرة منه التى تنص على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن وتحرص الدولة على تماسُكها واستقرارها وترسيخ قيمها والتزام الدولة بحماية المرأة من جميع أشكال العنف.. ولفتت اللجنة إلى أن مشروع القانون جاء نتيجة ما يترتب على الوضع الحالى من سلبيات لعدم وجود بعض النصوص القانونية التى تردع جريمة التحرُّش. 

الحملات الإلكترونية 

كان للحملات الإلكترونية الفضل الأكبر فى لفت نظر القيادة السياسية لتفشّى ظاهرة التحرُّش سواء بالنساء أو بالأطفال؛ خصوصًا بعد أن تصدرت عدد من قضايا التحرُّش المختلفة مواقع التواصل الاجتماعى مما أثار موجة غضب واشمئزاز هزت الرأى العام المصرى، وكانت من بين أشهَر هذه القضايا والتى تمت فيها المحاكمة بشكل عاجل قضية طفلة المعادى التى تم استدراجها من قِبَل أحد الرجال داخل عقار بمنطقة المعادى، وكان لكاميرات المراقبة التى باتت منتشرة بشكل كبير فى كل شوارع المدن المصرية وحتى العقارات الخاصة دور كبير فى كشف الجريمة البشعة وإثبات التهمة على الجانى ولم تدع مجالاً للشك مما سهّل مهمة القضاء.. وأيضًا قضية فتاة المطار وفتاة الأوتوبيس وبائعة البازار وطبيب الميكروباص وغيرها وابل من حالات التحرُّش المختلفة سواء اللفظى أو الجسدى أو الأفعال الفاضحة فى الأماكن العامة التى تبنتها الحملات الإلكترونية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعى إلى جانب الدور الكبير الذى لعبته الحملات الإلكترونية المتخصصة التى ينظمها مجموعة من النشطاء وعلى رأسها حملة «مش هنسكت» التى بدأها الناشط «عمر سمرة» والإعلامية «شيرين عرفة» والناشطة «صباح خضير» والتى استهدفت الناجيات من حالات التحرُّش المختلفة وتدعمهن بشكل مباشر وتدعوهن للمشاركة بتجاربهن مع التحرُّش والاعتداء الجنسى الذى تعرّضن له على مدار حياتهن سواء فى العمل أو المواصلات العامة أو فى الشوارع والأماكن العامة، ولاقت الحملة اهتمامًا كبيرًا من النساء المصريات وكشفت الحجاب عن ظاهرة مستترة.. وأيضًا الحملة العالمية «me too» أنا أيضًا، التى كان لها الفضل فى فضح أكبر عدد من حالات التحرُّش الخاصة بالمشاهير فى العالم ومصر وخرجت من رحمها عدد من الانتفاضات والحملات الإلكترونية التى ساهمت بشكل كبير فى تغيير قانون التحرُّش ومساعدة العدالة.. وأيضًا حملة «اتكلموا» التى انطلقت فى اليوم العالمى لمكافحة أشكال العنف ضد المرأة. 

 افضح متحرّش

فى نوفمبر 2018  انطلقت ظاهرة حملة لتوعية الفتيات بضرورة التصدى للتحرُّش الجنسى فى المواصلات العامة فى مصر، وهذه الحملة التى تحظى بوجه خاص بمساندة الوكالة الفرنسية للتنمية تم إطلاقها وعمل التنسيق اللازم لها بواسطة شركة بسيطة إحدى الشركات الفرنسية المصرية بالشراكة مع المجلس القومى للمرأة ووزارات النقل والاستثمار والتعاون الدولى والشباب والرياضة إلى جانب الحملات التى تبنّاها عددٌ من الفنانات بعد أن أصبح التحرُّش خطرًا حقيقيًا يُهدد أمن الجميع وأشهرها «افضح متحرّش» التى أطلقتها الفنانة «رانيا يوسف» عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى والتى تفاعل معها عددٌ كبيرٌ من النساء والفتيات العرب والتى تعتمد بشكل أساسى على فضح المتحرّشين ونشر أسمائهم وصورهم.. وأيضًا حملة «متسكتيش عن حقك» التى أطلقتها الفنانة «ياسمين غيث» عبر مقطع فيديو مصور قصير عبر حسابها الرسمى على تطبيق إنستجرام دعت من خلاله دعم ضحايا التحرُّش الجنسى وتشجيعهن على فضح المتحرشين وتحذير الفتيات منهم، بالإضافة إلى أفكار مختلفة لبعض الشباب والتى ساهمت أيضًا فى تقويض حركة المتحرّشين مثل تطبيقات مكافحة التحرُّش وخريطة التحرُّش وأكثرهم انتشارًا تطبيق «متخافيش» الذى أسّسه المهندسان «أحمد ريحان» و«سلمى مدحت».

  تطبيق متخافيش

يُعتبر تطبيق «متخافيش» خطوة جادة لمعرفة الطرُق المُثلى للتعامُل مع المتحرّشين كما يقدم خدمات مختلفة لضحايا التحرُّش مثل خاصية الاستنجاد التى تتيح للفتيات تكوين دوائر من أشخاص مقربين محل ثقة للاستنجاد بهم فى حالة تعرضهن للتحرُّش إلى جانب تقديمه الدعم القانونى للضحايا من خلال توفير محامين لديهم خبرة كبيرة فى قضايا التحرُّش والابتزاز لاستشارتهم أو توكيلهم فى سرّيّة تامة كما يوفر خاصية الدعم النفسى التى تتيح علاج ضحايا التحرُّش من الصدمات من قِبَل متخصصين بأسعار مخفّضة.. وأيضًا تطبيق «دار» الذى أسّسه الزوجان دينا عيسى وعمرو خيرى الذى يوفر للمستخدمات خاصية فضح المتحرّش من خلال التقاط صورة أو تسجيل مقطع فيديو للمتحرّش ونشره على التطبيق وبَعدها سيقوم التطبيق تلقائيًا بترتيب المنشورات حسب الأكثر مشاهدة وعرضها فى الأعلى داخل التطبيق كما سيحدد موقع الحادث تلقائيًا كما يوفر خاصية إخفاء هوية الناشر للحفاظ على الخصوصية ولضمان عدم التشهير أو التسبب فى فضيحة دون دليل يجب أن يتم نشر صور واضحة أو فيديو واضح كدليل على الواقعة قبل التحميل على التطبيق، ويحتوى التطبيق أيضًا على ميزة للمستخدمين للإبلاغ عن المنشورات المزيفة والكيدية.

مشروع قانون التحرُّش

ورُغم أنه كان للتكنولوچيا النصيب الأكبر فى مواجهة التحرُّش وتحريك الرأى العام المصرى للتصدى لظاهرة التحرُّش الجنسى بكل قوة ومسئولية؛ فإنه كان للبرلمان المصرى ونوابه أيضًا دورٌ لا يُغفَل؛ خصوصًا بعد عرض مقترحات قوانين غير مألوفة فى المجتمعات العربية والتى أثارت ضجة واسعة وتمت مناقشتها بشكل موسع على شاشات التليفزيون وبين أفراد المجتمع على المقاهى وفى البيوت تأثير كبير فى الإسراع من تشديد عقوبة التحرُّش والاعتداءات الجنسية وكان أشهرهم مقترح النائبة السابقة «زينب سالم» النائبة عن محافظة الشرقية بضرورة إخصاء المتحرّشين واستئصال أعضائهم التناسلية ليكون حلًا حاسمًا لمواجهة ظاهرة الهوَس الجنسى والتعدى على الفتيات والنساء، وأكدت وقتها أنه إجراءٌ تقوم به معظم دول العالم التشيك وتركيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وبولندا وغيرها أنه ليس عقوبة من اختراعها ولا ممارسة عدوانية.. وأيضًا مشروع القانون الذى تقدَّم به النائب «طارق الخولى» عضو مجلس النواب عن محافظة القاهرة بمشروع قانون والذى ينص على ضرورة تغليظ عقوبات جريمة التحرُّش الجنسى بذوى الاحتياجات الخاصة، وتضمّن المشروع تعديل بعض أحكام قانون العقوبات وتشديد عقوبات جريمة التحرُّش الجنسى المنصوص عليها فى المواد 306 مكررًا (أ) و306 مكررًا (ب) واستحداث مادة جديدة لمواجهة جريمة التحرُّش بذوى الإعاقة، وأكد وقتها أن العقوبات المطروحة فى القانون مضاعفة العقوبة لتتماشى مع بشاعة الجريمة التى تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على المجنى عليه بالإضافة إلى انتفاء قدرته فى صد الضرر عن نفسه.

وعَلّقت الدكتورة «أمل رضوان» أستاذ علم الاجتماع والتربية الأسرية مؤكدة أن تغليظ عقوبة التحرُّش أمرٌ ضرورى ورادع ولا بُد من تطبيق القانون على الكل دون تفرقة لكنها ليست بكافية، فلا بُد من وجود توعية مجتمعية تبدأ من الأسرة خلال تربية أبنائهم وتعليمهم أن التحرُّش جريمة أخلاقية تترك أثرًا نفسيًا يكاد يمتد لسنوات ويؤثر بالسلب على حياة من تم التحرُّش بهم وعدم تبرير فعل التحرُّش وإلقاء اللوم على الفتيات وعلى ملابسهن، أو من يتم التحرُّش به سواء كان طفلاً أو حتى رجلاً، إلى جانب ضرورة تأهيل المتحرّش أثناء فترة العقوبة أخلاقيًا ونفسيًا حتى لا يُكرّر الفعل نفسه مرة أخرى أو يخرج من محبسه يحمل ضغينة تجاه المجتمع أو يكون أكثر عدوانية تجاه الآخرين.. وأكدت «رضوان» على أهمية تدريس مادة خاصة بالأخلاق تكون مكملة لدور الأسرة والمجتمع حتى يتم الحد من ظاهرة التحرُّش؛ خصوصًا بالأطفال، وأنها تدعم الحملات التى تنادى بها؛ لأن توعية الأطفال أصبحت ليست رفاهية؛ بل هى ضرورة مُلحة فى هذه الأيام؛ خصوصًا بعد انتشار حالات التحرُّش بالأطفال ووجود من يبرّر هذا الفعل الشنيع سواء بادعاء المرض أو إلقاء اللوم على الضحية. 

وأضافت إنه يجب أن يكون للإعلام أيضًا دورٌ كبيرٌ سواء من خلال البرامج والدراما والسينما لما لها من تأثير واضح فى الشارع المصرى؛ وبخاصة فئة الشباب والأطفال.