الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الدكتورة «هند جاد» ترصد فى كتابها «عظيمات تحت الشمس» كيف حققت دولة «30 يونيو» أحلام حفيدات هدى شعراوى

رُغْمَ أن «هدى شعراوى» عاشت فى كنف أسرة ثرية، أتاحت لها حياة ناعمة ومرفهة؛ فإن تلك الحياة المخمليّة كانت مجرد قشرة، إذ واجهت «هدى» كثيرًا من القسوة المبطّنة. الطفلة التى تكبر يومًا بعد يوم، ومعها تكبر أفكارُها وأحلامُها وهواجسُها وتوقُها إلى عالم سعيد، وجدت نفسَها محاصرةً بأفكار متخشبة، وتصرفات بالية.



كان شقيقها «خطّاب» يصغرها بعَشْر سنوات، ومع هذا فضّلوه عليها، وبدأت تطرح هواجسها فى صيغة أسئلة عن الأسباب؛ لتفهم الحقيقة الصعبة: إنها تعيش فى مجتمع ذكورى، يفضّل الولد على البنت، ويراه «كل شىء»، ويراها «لا شىء»، ويعامله باعتباره «الأسد» و«المَلك» و«حامى الحمَى»، بينما هى «الغزالة الشريدة، الضعيفة، المطالبة بعدم الحركة بعيدًا عن سريرها، حتى لا يفترسها العالمُ فى الخارج».

حصل أخوها على كل الامتيازات، لا لشىء سوى لأنه ذكرٌ فى مجتمع يقدِّس الذكور، ويخسف بأحلام الإناث الأرض. كان ما تسمعه عجيبًا، إذ ينحصر بالكامل فى فكرة قديمة، أن شقيقها يحمل اسم الأب، كأنها لا تحمل هى بدورها اسم ذلك الأب. وأنه سيصبح مسئولًا عنهم ذات يوم، وكأنها إن تُرك لها المجال لن يكون بمقدورها أن تنفجر وتملأ العالمَ بأحلامها الجميلة وبقدرتها على التغيير، ثم زَوّجوها من ابن عمّتها، فأصابها الاكتئاب؛ خصوصًا مع حرمانها من كل ما تحبه، فلا بيانو، ولا زراعة أزهار ولا غرس أشجار، ثم حدث ما تعرفونه جميعًا حينما أتيحت لها الفرصة، وحصلت على حقها فى الصياح بأعلى صوتها، لا لتطالب بحُريتها؛ وإنما بحُرية كل النساء، إذ أصبحت نصير المرأة ورمزها الكبير.

ورُغم مرور سنوات طويلة على تلك الصرخة؛ فإن حفيداتها عانين من تهميش استمر سنوات. كن محاصرات بالنظرات الدونية، نظرات لا ترى الواحدة منهن سوى وعاء، مجرد جسَد، مانيكانات، موجودات بهدف الترفيه، منذورات لأعمال يأنف الرجال منها، مع أنها أمّه وشقيقته وابنته وزوجته وحبيبته.

هذه النظرة إلى المرأة شغلت الدكتورة «هند جاد»، لكنها فى كتابها «هى.. عظيمات تحت الشمس» الصادر عن دار سما، لم تكتفِ بوصف الصورة السلبية؛ وإنما اهتمت أكثر بمساحة من الأحلام صارت مفرودة أمام المرأة فى العالم الجديد، إذ جاءت دولة يونيو، وركزت- ضمن أمور كثيرة اهتمت بها- على إعادة بناء المجتمع الهَشّ، المجتمع القابل للكسر؛ ليتخلص من التمييز بين الرجُل والمرأة، فقد كانت هناك كثير من القوانين الجائرة بحقها، قوانين تعتبرها كالنفاية يمكن وضعها جانبًا، وعدم الالتفات إليها. تقرأ «هند جاد» جُهد الدولة، وهو جُهدٌ استمر سنوات، حتى صححت الأمور، ووضعت المرأة على طريق مُعَبَّد، تستطيع فيه التخلص من الإحساس بالدونية، والمطاردة، تستطيع فيه أن تختار بكامل رغبتها السير بهدوء أو الجرى الخفيف أو التحليق فوقه كفراشة دون أن تتعرض لأذى نفسى أو جسدى، وبمرور الوقت ومن خلال تصرفات قوية وعفوية وقاطعة ولا تحتمل التأويل وصلت الرسالة إلى الجميع فى المجتمع، فها هو الرئيسُ يعتذر لفتاة تحرّشوا بها فى ميدان التحرير، وها هو يُقَبّل رؤوسَ أمّهات الشهداء، أمّهاتنا، وها هو يُصدّق على القرار تلو القرار لينصفها وليمكِّنها من الحياة، اجتماعيًا وسياسيًا، وها هو يقف إلى جوار الغارمات.. إلخ إلخ.

لم تنسَ مصرُ للمرأة- بحسب هند جاد- حظها من العلم، فقد مارست دورها كممرضة ومُعلمة وطبيبة، وجعلت لتعليمها ضوابط، وقد أولت له الدولة كل رعاية واهتمام، بدءًا من رأس النظام، مرورًا بجميع المؤسّسات التى ترعى المرأة فى جميع مناحى الحياة، وتكرّس جهودَها فى إعلان حقوقها فى المؤتمرات الدولية، وتوليها الرعاية والعناية الخاصة فى ظل مصر تمتلئ بالمؤسّسات التعليمية، جامعات ومدارس، وكليات ومعاهد، ومراكز تدريب، وفلسفة تربوية ومناهج، وقد استغلت المرأة الفرصة وأثبتت نجاحًا منقطع النظير، فقد صرنا نمتلك قاضيات وضابطات، وسيدات يشغلن مناصب دولية، وعلى سبيل المثال أصبحت «غادة والى»، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير التنفيذى لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة ومدير مَقر المنظمة الدولية (UNODC) فى فيينا.

ومن المهم الإشارة إلى أن لغة الكتاب ليست إنشائية؛ وإنما مهمومة أكثر بالمعلومات وبالإحصائيات، فهى الأكثر تعبيرًا عن عالم لا يعترف سوى بالأرقام الآن، وفى أكثر من موضع تلفت «هند جاد» الانتباه إلى أن المرأة المصرية كان لها دورٌ كبيرٌ فى حماية وطنها، فقد امتلأت ميادين مصر بالنساء فى 30 يونيو و3 يوليو 2013، وبلغت نسبة تصويتهن 55 % فى الاستفتاء على دستور 2014، كما بلغت أصواتهن 54 % من إجمال أصوات الناخبين، فى الانتخابات الرئاسية 2014، كما شهدت الانتخابات البرلمانية الأولى بعد ثورة 30 يونيو زيادة ملحوظة فى نسبة النساء اللاتى يرغبن فى خوض المعركة الانتخابية، إذ قُدرت نسبتهن بن حو 19.17 % فقد خاضت المعركة الانتخابية 949 مرشحة من أصل 5518، وقد منح الدستور المرأة كثيرًا من الحقوق مما ساعد فى أن يصبح برلمان 2015 هو أكبر البرلمانات فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية حتى هذا الوقت من حيث عدد النائبات، إذ بلغ عدد النائبات 90 نائبة منهن 76 منتخبة بالإضافة إلى 14 سيدة مُعَينة بنسبة 15 % من جملة الأعضاء.

وحصلت المرأة المصرية فى برلمان 2021 على 162 مقعدًا عقب قرار الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بتعيين 28 عضوًا فى مجلس النواب نصفهم نساء. تلك التعيينات جعلت المرأة تحصل على حصة فى البرلمان المكوَّن من 568 مقعدًا هى الأولى فى تاريخ الحياة النيابية، وهو ما جعل البعض- بتعبير المؤلفة- يعتبر تلك الفترة هى «العصر الذهبى للمرأة المصرية»، مع الإشارة طبعًا إلى تعيين 14 سيدة يمثلن 50 % من إجمالى المُعَيّنين، فى الوقت الذى تمكنت فيه المرأة من حصد 148 مقعدًا بالانتخاب من خلال نظامَىْ القائمة والفردى بينهما 142 مقعدًا وفقًا لنظام القائمة و6 سيدات اقتنصن المقاعد بالنظام الفردى، وقد وُصف برلمان تمثيل المرأة فى برلمان 2021 بأنه انتصار جديد للمرأة المصرية.

كما استطاعت المرأة الحصول على نسبة من التمثيل فى الحقائب الوزارية، إذ وصلت 8 سيدات إلى منصب وزيرة طبقًا لآخر تعديل وزارى، ولن يتسع هذا العرض لكل الإحصائيات المهمة الخاصة بحصول المرأة على مساحات غير مسبوقة فى دولة يونيو، لكن من المهم التأكيد على تنوُّع الأماكن والمناصب والمهن التى شغلتها، وعلى أن القرار صار بيدها، هى من تقرّر الجلوسَ فى البيت لرعاية أبنائها، أو ارتداء بالطو الطب، أو روب المحاماة، أو حتى  حمل فأس الزراعة، أو الجمع بين رعاية الأبناء وإحدى المهن. لم تعد المهن الشاقة خاصة بالرجال، صار بإمكاننا فى الواقع لا الإعلانات رؤية يد ناعمة جميلة تحمل أحد مفاتيح الميكانيكا الضخمة. كبرت الأحلام وصارت بعرض السماء، لكن مع التأكيد على ضرورة تحرير «النصف الحلو» من الحرمان والفقر.

تستدعى «هند جاد» أمثلة مهمة لدراسات عن النساء المُعيلات، وواحدة منها للدكتورة «هويدا على» تصنفهن إلى ضحايا وبَطلات، الضحايا نساء معيلات فقيرات يقفن بين طليعة المتضررين من التداعيات السلبية لأى تحولات جذرية تحدث فى المجتمع، أمّا البطلات فهن يتسمن بمرونة تمكنهن من التغلب على أى عقبات أو ضغوط، وبهذه المناسبة تقول «هند جاد» بوضوح إن إمساك المرأة بالخيط، منحها المساحة اللازمة، يجعلها تستطيع أن تنافس فى أكبر المؤسّسات الاقتصادية بالعالم.. وتفرد مساحة للحديث عن 9 نماذج مضيئة ظهرن فى قائمة فوربس لأقوى 100 سيدة أعمال بالشرق الأوسط، وهن «منى ذو الفقار»، فقد أسّست واحدة من أبرز شركات المحاماة، وتقدم استشارات لصفقات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، كما تترأس فى الوقت نفسه مجلس إدارة واحد من أهم البنوك فى الشرق الأوسط، و«إلهام محفوظ» وهى تترأس البنك التجارى الكويتى، والدكتورة «هند الشربينى»، وهى رُغم أن كثيرين لم يسمعوا عنها؛ فإنها طرحت مؤسّستها «إنتيجراتيد دايجنوستيكس القابضة» للعرض العام الأولى فى سوق تداوُل الأوراق المالية فى لندن، ورفعت قيمة الشركة إلى 668 مليون دولار، و«ميرفت زهدى»، رئيسة مجلس إدارة البنك المصرى لتنمية الصادرات، و«هدى منصور» العضو المنتدب لشركة ساب إيجيبت، و«عبير لهيطة» الرئيس التنفيذى لشركة إيجى ترانس، و«نهى الغزالى» العضو المنتدب لشركة فاروس.

الكتاب يتناول بشكل مُعمق، وبلغة بسيطة، واضحة، قضايا المرأة ودورها فى المجتمعات، من خلال تتبُّع رحلة كفاحها ضد القوانين الجائرة فى كل المناحى، ويرصد كل ما يتعلق بها فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والزراعية والصحية، والتسوق والمبيعات، والتصنيع والاختراع، وبناء الأسرة.

وتقول مؤلفة الكتاب الدكتورة «هند جاد»، فى رسالتها للمرأة: «السيدات الرائعات الراقيات الجميلات الحنونات الصبورات، الماجدات المُضحيات المربيات، لولاهن لما كانت الحياة، لكل سيدة، أنت عظيمة مَهما كان أداؤك، ليست كل النساء ملاهٍ، فبعضهن جوامع»، وقالت «إنه عليكَ أن تخلع نعليك وتتوضأ وتنتقى كلماتك قبل الدخول فى محاربها».

وقد منح الكاتب «هانى لبيب» مفاتيح قراءة الكتاب فى تقديمه له، مؤكدًا أن المجتمع المصرى لا يزال يعانى من مواجهة قوَى التطرف التى تريد الرجوع بالمرأة إلى عصر حريم السُّلطان، وأن أهم ما ساعد على تدهور حالة المرأة المصرية فى السنوات السابقة هو إجبارها ودفعها إلى الخروج من سوق العمل، فى ظل تصاعُد شعارات عودة المرأة إلى المنزل للحفاظ على دور الأسرة، وأن المساواة الحقيقية لا تنتظم إلا بإقرار حق المواطنة كاملًا دون أى استثناءات أو تحفظات أو حسابات، وأنه لولا المرأة لما وجدت الإنسانية.

يرصد الكتاب عددًا من النماذج المشرفة للمرأة المصرية، من بينهن «نعمت شفيق، منى هياج، تهانى عامر، منى شندى، رغدة عز الدين، صباح مشالى، سناء بطرس، جيهان زكى، جاكلين سعد، فوزية العشماوى، سحر رمزى، وهند المراغى»، ومن العالم العربى «حواء المنصورى، حبيبة الصّفار، سارة بنت يوسف، لبنى بنت خالد بن سلطان القاسمى، عهود بنت خلفان الرومى، فوزية العلى، نورة الكعلى، نادية البستكى، الشيخة حياة آل خليفة، د.مها محمود الصباغ، حياة السندى، هيفاء المنصورى، لبنى عليان، رجاء عالم، ماجدة أبو راس، نورة الفايز، ريم أسعد، إلهام أبوالجدايل، ريم أبو راس، غادة المطيرى، زها حديد، نجاة فالو بلقاسم، خديجة عريب، أمل كلونى، وسوسن شبلى».

كل شخصية قدمتها «هند جاد» تمثل رمزًا لتحقق الأحلام، شخصيات من لحم ودم، لم يستسلمن للإحباط، ولأيادٍ الرجال التى تشدهن إلى الماضى السحيق؛ ليبتلعهن فى جوفه المظلم. هذا الكتاب يمثل صرخة أخرى لواحدة من حفيدات هدى شعراوى، صرخة تؤكد أن المرأة لم تعد حبيسة كارتونة مكتوب عليها ذلك التحذير القديم «احذر.. قابل للكسر»، فقد صارت المرأة أقوَى من الفولاذ.